معرض تصوير للإسباني فرناندو مانسو بغاليري «ريرا» في دبي

«أنوار شاحبة».. الطبيعة «أجمل» بكاميرا قديمة

صورة

من خلال الضوء والتصوير يعيد الفنان الإسباني فرناندو مانسو تقديم الطبيعة إلينا، فيغير لنا الإطار الزماني الخاص بالأعمال، وكأنه يعيدنا إلى الوراء، ثم يضعنا أمام الحاضر من جديد. يعتمد الفنان الإسباني على كاميرا قديمة، يفوق عمرها 100 عام، يصور من خلالها تفاصيل الطبيعة، وبعض المشاهد من المصانع إلى جانب المباني، ثم يتركها للزمن كي يطبع أثره عليها، فنجدها تحمل الكثير من بقايا الوقت، فتبدو محملة بتأثيرات فنية تبرز الصور وكأنها لوحات مرسومة، في حين أن الوقت والطبيعة هما اللذان يغيرانها.

سيرة فنية

ولد فيرناندو مانسو بالعاصمة الإسبانية مدريد عام 1961، وعمل في بداية حياته مع وكالة إعلانية قبل الاحتراف في التصوير الفوتوغرافي، متفرغاً لعمله الفني في عام 1990. واستطاع مانسو أن يمزج بين حرفة التصوير وشغفه بالفنون الجميلة، وظهرت أعماله في عدد من المجلات العالمية، ونشر ثلاثة كتب عن التصوير. أقام مانسو معارض فردية، كما شارك في معارض جماعية داخل إسبانيا وخارجها.

صور من دبي

سيقدم الفنان الإسباني خلال إقامته في دبي تجربة تصوير، حيث سيلتقط صورتين من المدينة. وقد اختار سوق السمك لرصده من خلال عدسته، ورأى أن اختياره يعود إلى المشهد الذي يود التقاطه بطرقة مغايرة، كما أنه يعبر عن تاريخ المدينة ومهنة شعبية وقديمة جداً. ولفت إلى أنه لم يختر الأبراج لتصويرها، لأنها من الأمور التي يمكن تصويرها، وقد التقطتها كثيراً في مدريد، وهي من الأمور التي تتطلب الكثير من الوقت.

يحمل المعرض الذي افتتح أخيراً في «غاليري ريرا» بدبي، تحت عنوان «أنوار شاحبة»، مجموعة من أعمال مانسو لصور التقطها في مدن عدة، فبدت باريس شديدة البياض، وكأنها مدينة مغطاة بالثلوج، في حين حملت مدن في بلاد أخرى، كطوكيو، ونيويورك، والبرتغال، والفلبين، وإسبانيا وإيطاليا دفء الطبيعة، لاسيما مع الضباب الذي سيطر على بعض الصور. يجول مانسو بين النباتات والمعادن والسوائل، وجريان المياه فوق الصخور، والأشجار الصامتة والمرتفعة نحو عنان السماء، والصخور التي تعكس الغيوم الرمادية، ثم نجده يلاحق شروق الشمس، والمد والجزر، ليرصد بعدسته الطبيعة المغشية بضباب كثيف إلى الحد الذي يجعل من يشاهد تلك الصور يشعر وكأنه بين ثنايا الطبيعة. البارز في أعمال مانسو أنها تتركنا أمام لحظة طبيعية خيالية، فهو حذر في التقاط تفاصيل المشهد، فنجد اختياراته لنسبة الضوء والضباب والغيوم مدروسة بعناية، وتبرز الوقت ولحظات الانتظار أمام العدسة التي تجيد اختيار اللحظات، وفق جو يمكن وصفه بالرومانسي.

ومما لا شك فيه أن الفنان الإسباني يعيدنا عبر الكاميرا القديمة إلى العهود المنصرمة، فهي «النوستالجيا» إلى الماضي ومتعلقاته، وهي التي تحدد طبيعة أعماله التي تتأثر بالوقت والزمن. اعتاد مانسو السفر والترحال حول العالم، حيث يصور المناظر الطبيعية والمعالم المعمارية الساكنة في أوروبا وأميركا الشمالية وآسيا والشرق الأوسط. يعتمد الفنان على إزالة أي حضور أو أثر للإنسان، ليجد من يشاهد الصورة نفسه في خلوة ذاتية مع المشهد. أما السمة الغالبة على أعمال مانسو فهي الألوان الهادئة، لاسيما الأزرق والرمادي، فيبدو أنه يميل إلى المشاهد البسيطة التي تبرز درجات لونية خافتة، تختفي شيئاً فشيئاً نحو سماء بيضاء تلوح في الأفق. هذا المشهد غير المألوف، يجعل أعمال المصور الإسباني تبدو كما لو أنها من عالم آخر، فهي محملة بالحنين إلى ذكريات مبهمة، يحملها الفنان بداخله.

قال الفنان الإسباني «أحاول أن أبرز للناس كيف أعمل، لاسيما أن طريقة العمل تبدو كما لو أنها تعود إلى 150 سنة، فمازلت استخدم كاميرا قديمة في الوقت الذي تحكمه التكنولوجيا، وتعلمت التصوير بمفردي، كما أنني تعلمت كيف اكتشف الجمال في كل شيء، لذا أحاول أن أكمل عملي وفق هذه الفلسفة». وأشار إلى أن الكاميرا لم تعد ينتج منها، كما أن أدواتها لا تتوافر بسهولة، لذا يحرص على وجود الكثير من «النيجاتيف» في مخزنه، لأن إنتاجه موجود في بلدان محددة وقليلة، مؤكداً أن هناك قلة من المصورين الذين يعملون على هذه الكاميرا وعلى التقنية التي يتبعها. ولفت إلى أنه يستخدم اثنين من «النيجاتيف» التي يقوم بتحميضها لاحقاً، وكل واحدة تنتج له صورة واحدة، وكل الصور التي يعرضها تكون نتيجة صورتين فقط، فلا يتخذ المشهد الواحد أكثر من مرتين. وشدد على أن العمل يتطلب منه الانتظار أوقاتاً طويلة حتى يتمكن من التقاطها، فأحياناً ينتظر ساعات، وقد استغرق أحد الأعمال منه الانتظار ثلاث سنوات.

وحول استخدامه «النتيجاتيف» في التصوير، أشار إلى أنه لا يعرف نتيجة الصورة إلا بعد التحميض، أي بعد فترة تصل إلى شهر أو أكثر أحياناً، لاسيما أنه يتعمد ترك «النيجاتيف» في الطبيعة حتى تقوم الأخيرة بترك أثرها عليه، وبالتالي تظهر النتائج في التحميض. وأشار إلى أن هذه العملية التي يتركها للطبيعة، يعتمدها على إحدى الصورتين اللتين يلتقطهما، بينما يترك الأخرى كما التقطها.

وعلل مانسو عدم انجذابه الى التصوير الحديث والكاميرا الحديثة بكونها لا تعطيه النتائج التي يريدها، ففي التصوير الحديث يتم التعديل على المشهد بسهولة من خلال البرامج، لكنه يفضل رؤية نتيجة الصورة بشكل طبيعي، دون أية إضافات. ورأى أن المشاهد التي يختارها تتبع إلى حد ما شخصيته، فهو يتمتع بشخصية رومانسية، لهذا يختار الطبيعة بطريقة تبدو كما لو أنها ضبابية أحياناً أو أن الشمس خافتة، موضحاً أيضاً أنه بطبيعته يميل إلى الملاحظة، ولهذا يفضل العمل على الطبيعة التي تتطلب الكثير من الملاحظة، والمتابعة، وتسجيل الملاحظات عن المكان، وأوقات الشروق والغروب، ونسبة الضوء، وفعل الرياح، قبل التقاط الصورة. ولفت إلى أنه لم يقم بتصوير الوجوه إلى الآن، وهذا يعود إلى الدقة في التقاط الطبيعة، موضحاً أن الطبيعة تتطلب أوقاتاً محددة، وهناك تحديات كثيرة فيها، فالكثير من الصور التقطها قبل المغيب بقليل، وبعض الصور التقطها ليلاً أو عند بداية الضوء، فالشمس حين تشرق تبدو رائعة حين تلقي بنورها على المباني، في حين يجد أن بعض المشاهد تكون أجمل حين تلتقط بضوء خافت. واعتبر اختيار الوقت المناسب يقوم على اللحظة التي يختارها بالدرجة الأولى، وختم بسعادته بالمعرض الأول له بدبي، وبالتجربة التي سيقدمها في هذه المدينة.

تويتر