رواية السورية لينا هويان الحسن في القائمة الطويلة لـ «البوكر»

«ألماس ونساء».. متمردات يكرهن اللطف

صورة

مسافات تاريخية ومكانية تقطعها نساء الكاتبة السورية لينا هويان الحسن في روايتها «ألماس ونساء»، على مدى جزءين، يضرب أولهما بعيداً، فيذهب إلى بدايات القرن الماضي، متنقلاً بين جهات مختلفة من هذا العالم، وفي القلب منه دمشق وبيروت، وكذلك باريس وبيونس آيرس وساو باولو.

تحتشد الرواية التي وصلت إلى القائمة الطويلة لـ«البوكر العربية»، بالنساء وقصص تمردهن ونهاياتهن، التعيسة غالباً، التي تستهل مع «ألماظ» ذات الخاتمة الانتحارية في باريس، بينما آخر نسوة الرواية هي «لطفية» التي كرهت صفة اللطف، وتخلت عن اسم أجبرت عليه، وتخيرت «برلنت» الذي يعود هو الآخر إلى الألماس، ذلك الحجر الكريم الذي يزين جيد نساء كثيرات في الرواية، ويظل مشعاً بالحكايات والمآسي، ليشهد بريقه المغوي على سير بطلات العمل.

سيرة

ولدت الكاتبة السورية لينا هويان الحسن في بادية حماة عام 1977، ودرست الفلسفة في كلية الآداب بجامعة دمشق. عملت في الصحافة، ولها عدد من الروايات والدراسات. ومن أعمالها الروائية: «معشوقة الشمس» 1998، و«التروس القرمزية» 2001، و«بنات نعش» 2005، و«سلطانات الرمل» 2009، و«نازك خانم» 2014. ولها مجموعة شعرية بعنوان: «نمور صريحة» 2011.

يبدأ الجزء الأول من «ألماس ونساء» التي صدرت عن دار الآداب البيروتية في 239 صفحة، مع عام 1912، بعنوان «الباخرة (أوره نوف) مبحرة من بيروت إلى مرسيليا»، ولن تتوقف الرحلات على مدار الرواية، مشرّقة ومغرّبة، آخذة أناساً، رجالاً ونساء، من الشام إلى الطرف الآخر من العالم، وكذلك عائدة بالبعض إلى دمشق التي ظل الحنين إليها يؤرق شخصيات عدة، حتى من خرجن من المدينة بمرارات، حاولن أن يستدعين بعض الملامح الدمشقية هناك على البعد في المهجر اللاتيني.

لا تكتفي لينا هويان الحسن ببدايات القرن العشرين، بل تضرب أبعد من ذلك، مستدعية تواريخ ترتبط بشخصيات روايتها التي أصرّت في بداية العمل أنها «من صنع الخيال ـــ باستثناء الشخصيات العامة – وأي تشابه مع أرض الواقع سيكون محض مصادفة»، أو ما يمكن أن يطلق عليه الحيل الفنية التي لا يحلو السرد الروائي إلا بها.

لا يغيب اللون الكردي عن طيف الألوان التي تحفل بها الرواية، يأخذ حظه من العمل، إذ يحضر «بوتان» الكردي الذي أكمل مثلث كارلوس وبرلنت (لطفية). بوتان احتوته دمشق، كما احتوت كثيرين مضطهدين في أمكنة أخرى، عاش صباه برفقة كارلوس، يجمعهما عشق كرة القدم، وكذلك تربية الحمام، ولكل واحد منهما هوى مختلف في النساء، وتتبع الرواية تاريخ بوتان وأجداده، وليس تاريخ والديه فحسب.

ومن أجواء الحديث عن تلك الشخصية تحديداً في الرواية: «بوتان.. كان أكثر الرجال صمتاً، فجأة يغرق عالمه بالظلام، وتلمع صورته: يركض في حارة دمشقية جدرانها متهالكة، يلاحق كرة، يلهث، ويركز، ثم يسدد.. وتدخل الكرة المرمى. يقفز فرحاً ليعانق رفيقه الأسمر كارلوس. خلال ذلك، تمر فتاة شقراء تمشي بأناقة، تمنحه نظرة مع ابتسامة عبر التفاتة صغيرة وتكمل طريقها. يغمم شيئاً، شيئاً أراد دائماً قوله لبرلنته الشقراء، لكن لا يوجد غير الصمت».

المفارقة أن ذلك التداعي يأتي إلى بوتان وهو في مكان وزمان مختلفين، بعد سنوات طويلة من استقراره في أرمينيا، عقب رحلة طويلة مع السفر والتعلم والكتابة: «لم يحكِ لأحد تفاصيل تلك السنوات التي مرت عليه وهو يناور هويته وانتماءه. سلك طريقاً طويلاً في دراسته التي أنهاها كأستاذ متخصص في تاريخ شعوب الشرق الأوسط.. ويشارك في أغلب مؤتمرات جمعية الطلبة الأكراد المنعقدة في أوروبا».

تتراكم الحكايات والمصائر في «ألماس ونساء»، وتستمر الأحداث التي بدأت منذ بدايات القرن حتى نهايات السبعينات، قاطعة مسافة طويلة، لتبرز حال الشاميين في عاصمتهم وفي سواها من المدن، على مدى طويل، ليقارن القارئ ما بين حال أهلها على مدى سنوات طويلة، وكذلك حال دمشق نفسها وبيوتها وما مر على المكان من تحولات وتعقيدات بالجملة.

في «ألماس ونساء» تستحوذ النساء وأحجارهن الكريمة وأزياؤهن وعطورهن ومطالباتهن بالحرية على عوالم الرواية، لكن المفارقة أن البداية والنهاية تكونان مع كارلوس الذي تتلاقى بين يديه خيوط الحكاية كلها، تتقطر عنده كل القصص، تؤول إليه الحبيبة الأولى، تلك الصبية التي صارت امرأة تعيش وفق قانونها هي، والاسم الذي تخيّرته لنفسها، والصديق الذي أحبته في نهاية المطاف.

تويتر