29 عملاً للفنان العراقي في «غاليري نقاش» بدبي

جبر علوان.. المرأة وهي تتأمل ذاتها

صورة

بين الرقص والموسيقى والقهوة والوحدة، تجتمع نساء التشكيلي العراقي جبر علوان، في حالات متعددة، يطغى عليها التأمل والنزوع إلى الوحدة. يميل علوان من خلال معرضه الذي افتتح أخيراً في «غاليري نقاش» بدبي، الى جعل المرأة تتحدث عن دواخلها وتتأمل ذاتها، يبرزها بينما تقبع وحيدة، ثم وهي تعزف الموسيقى، ثم تنتقل إلى الرقص، ليظهر في الختام جمال هذا الكائن والرقة بداخله وفق حالات متعددة من الأنثى الى الحبيبة ثم الى الأم.

كتاب 

تتميز لوحات علوان بالتكوين النحتي، حيث تبرز الشخوص كأنها ثلاثية الأبعاد. ويعد هذا الأمر مرتبطاً بالخلفية النحتية لعلوان والتأثيرات التي اكتسبها في النحت. وعلى الرغم من عنايته بإبراز الكتلة من خلال اللوحة، الا أنه يؤكد بقاءه على اللون. وأكد علوان ان عدم توجهه للنحت كان يعود لشيء من الكسل في البداية، لاسيما أن النحت يحتاج الى مكان كبير، ونقله صعب، وكذلك مواده مكلفة كثيراً، واللوحة أخذته، واليوم يرى أن قوة اللون تغلب الأبعاد الثلاثية لما فيها من حياة.

نحت

قدم الفنان جبر علوان كتاباً بعنوان «موسيقى الألوان»، وصدر عن دار المدى (دمشق) متضمناً مقدمة طويلة كتبها الروائي عبدالرحمن منيف. وجاءت مقدمة عبدالرحمن منيف كمتابعة مثيرة لحياة جبر، منذ الطفولة مروراً بالبيئة التي عاش فيها والمحطات الدراسية، وانتهاءً بالرؤية النقدية، وأهم ما كتبه النقاد عن أعماله. وحاول منيف توضيح العديد من الأمور ومنها، دلالات المساحات الواسعة والكتل وغياب الملامح في لوحات علوان، وسر التركيز على المرأة، واستفاض في تحليلها، محاولاً بقراءته الأدبية ربط اللوحة بحياة الفنان ومصادر إلهامه، فكانت مفتاحاً ملائماً لدخول عالم جبر التشكيلي.

سيرة فنية

ولد الفنان جبر علوان في بغداد عام 1948، وتخرج في جامعة الفنون ببغداد عام 1970. انتقل إلى روما في عام 1972، ولايزال يقيم هناك الى اليوم. وقد مُنح درجة الدبلوم في النحت من أكاديمية الفنون الجميلة في ايطاليا. أقام عشرات المعارض الفردية بين العراق وإيطاليا، وانجلترا، وفرنسا، ودبي، والكويت وتونس، وسورية، ولبنان، والأردن، وتونس ومصر والبحرين وبلجيكا. وقد اقتنيت أعماله من مجموعة من المتاحف، منها متحف الفنون الحديثة في بغداد، ومتحف الفنون الحديثة في سورية، وبيت الأوبرا في مصر، ومتحف كولبينكيان قي البرتغال، وقصر دي دايماني في ايطاليا. كما تتوافر مجموعة من أعماله في مجموعات فنية خاصة.

ويحمل المعرض الذي يضم 29 عملاً، أقساماً متنوعة، يطرح علوان من خلال كل قسم حالات مختلفة للنساء. يبدأ مع مجموعة من اللوحات غير المعنونة، التي يطرح من خلالها معاناة انسانية، يبدو فيها التشرد والحزن يخيمان على اللوحات. الألوان في اللوحات الأربع قاتمة، سواء مع مشهد الرجل القابع في زاوية الغرفة التي تبدو باردة، أو حتى مشهد الرجل الذي يجر عربته في الطريق، ويبدو منهكاً. تحمل اللوحات التي يقدمها علوان مأساة في نواحٍ عديدة، فهي على الرغم من ابتعادها عن التصوير للواقع، تحمل سريالية تعبيرية عالية، تجعلها ترصد أحزانا نعايشها في الحياة اليومية. لا يطرح علوان ثقل الحياة ومشكلاتها بأسلوب مباشر، بل انه شديد الحرص على ان يختزل مشاهده برمزية عالية، ما يجعل اللوحات على صلة بالواقع ولكنها بلغة تعبيرية لا تمس تفاصيله البسيطة واليومية، حيث إن علوان يهتم بالإنسان أولاً وآخراً في لوحته.

ينقلنا بعد ذلك الى الوحدة، فيجسد النساء في حالات متعددة. امرأة تستلقي على الأريكة، وأخرى تنام في سريرها وحدها، بينما تجلس المرأة الحامل ويدها على بطنها المكور أمامها، كلها حالات لنساء ممتلئات بالحب والحنان. المرأة الوحيدة هنا، بعيدة عن الآخر، وهو الرجل، ولكن الأخير إثارة موجودة في اللوحة من خلال الحالات التي تعيشها النساء، فالأم لا تكون أماً من دون الزوج، وكذلك الحبيبة أو العاشقة التي تعاني الفراق.

هذا الرجل لا يحضر الى اللوحة، ولكنه بلا شك لا يغادرها بتأثيره على المرأة التي تسكنها، فخيبة الأمل من العلاقة بالآخر، والبعد عن الرجل، وكذلك الحنين والقلق، وأحياناً الألم، كلها تتجلى في لوحات علوان. وينقلنا علوان في هذه اللوحات بين خامات لونية متعددة، تقوم على خلفيات داكنة، تلقي الضوء على المرأة من زوايا معينة، مع استخدام الألوان بصيغة تعبيرية مختلفة عما هو مألوف في التشكيل.

أما النساء اللواتي يعزفن الموسيقى، فهن اللواتي ينثرن الفرح من خلال اللحن الذي ينحبس ضمن اطار لوني خافت، بينما ترتفع التعبيرية الفرحة مع اللواتي يرقصن، فينثني الجسد على بعضه بأسلوب طيع فيه تعبير واضح عن السعادة والالتقاء مع الذات والتأمل. بينما يشمل القسم الأخير اللوحتين اللتين تبعدان عن الوحدة، فعلى الرغم من وجود النساء، إلا أنهن يقبعن في المقهى وسط ضجيج الحضور، وربما هو شكل آخر للوحدة وسط الضجيج والجموع.

تحمل لوحات علوان امتزاجاً بين الدفء والحنين، فهو يجمع في ألوانه الكثير من التعابير التي يجعلها خاصة به، فاللون يتبع حالة المرأة غالباً. الشعور والوجدانيات هي التي تقود لوحة علوان، لذا نجدها تقع بين التجريد والتصوير، فتشكل حالة خاصة أوجدت كينونة للمرأة، وجعلتها لا تشبه الأخريات، فهي دائماً مفعمة بالحيوية، ممشوقة القوام، مرهفة، مستلقية بهدوء، تنتمي كثيراً الى العالم الشرقي بتفاصيلها وشكلها وشعرها الأسود. يرفع علوان هذه الحساسية في اللوحات عندما يتعاطى مع الأم، حيث يبرز فيضاً من الأحاسيس في خطاب روحي بين الأم والجنين داخل أحشائها.

يتولد من الصورة الكثير من المشاعر التي تبرز ارتباط الفنان الوثيق بالمرأة، فتبدو هي المحرك للكثير من مشاعره، على اختلاف أدوارها في الحياة، ولهذا نجدها صاحبة البطولة المطلقة في لوحاته.

وقال علوان عن معرضه لـ«الإمارات اليوم»، إن «الثيمات في المعرض متعددة، ولكني سعيت إلى أن أبرزها للمشاهد، بدءاً من الإنسان وما يعيشه، والتعب النفسي، بغض النظر عن الثورات العربية، وإذا ما كانت ناجحة ام لا، ففي النتيجة الإنسان هو من يتدمر، والأغلبية هي الفئة المتعبة». وأضاف «ان الثيمة الأخرى هي المرأة، التي تبدأ من الحبيبة وتصل الى الأم، ثم الى الرقص والموسيقى والمقهى، فالوحدة هي التأمل في اللوحات، لاسيما أن المرأة تمر بحالات سيكولوجية وجسدية متعددة، والرجل يبقى بعيداً عن هذه الحالة، بينما المرأة تبقى قريبة من حالاتها». وتساءل علوان، لماذا هذا الكائن الرائع الذي يلد الجميع، في الأخير لا يمكنه أن يعيش براحة، موضحاً أن المرأة مازالت تعاني، وقد حصلت على الكثير من المكاسب الجيدة، ولكنها مازالت قليلة جداً، وذلك في المجتمع الغربي، فيما في المجتمع الشرقي الوضع أسوأ. ولفت الى أن المرأة مهمة جداً، فهي الأم التي ولدته وربته، فالوالد لديه مهمات، ولكنها تبقى قليلة نسبة إلى ما تتحمله المرأة.

أما الموسيقى فهي تعني الكثير لعلوان، مشيراً الى انه من خلال الموسيقى والرقص يسعى الى تصوير ما يمكن ان توجده المرأة من خلال جسدها، فهي تستطيع أن توجد الموسيقى من خلال جسدها، وهذا له جانب جمالي. واعتبر أن الجمع بين المرأة والموسيقى في اللوحة، يمنح اللوحة بعداً جمالياً. وشدد علوان على أن ما يميز رسم المرأة، هو أولاً أنها جميلة، وثانياً ان جمالها متحول ومتغير، بينما جمال الرجل شبه ثابت ولا يتحول، فالفتاة حين تكبر تتغير، بينما الصبي يكبر دون أن يتغير. وحول حياته في الخارج، أكد علوان أن هذه الحياة غيرت كل مفاهيمه، ولاسيما أنه في البداية كان يدرس بشكل نظري، ورأى المرأة الغربية، الى جانب المعمار والسينما والشوارع، كلها تلعب دوراً في تغيير ذهن الفنان. وأكد أن الفن العربي بدأ ينمو في الستينات والسبعينات، ولكن في الغرب الثقافة التشكيلية أعمق بكثير، ففي العالم العربي حصة الرسم في المدرسة تؤخذ من أساتذة المواد الأخرى، وهذا يؤثر في الثقافة الفنية، مشيراً إلى ان الأسماء العربية تلمع وتترك بصمة في الخارج وهذا مفرح ومحزن في آن واحد.

 

تويتر