وقعت في فخ السطحية والاستعجال ونقص الكوادر المؤهلة

القنوات التراثية طفرة فاشلة

صورة

خلال السنوات القليلة الماضية، وتحديداً في السنوات الخمس الأخيرة، شهدت الساحة الإعلامية العربية تزايداً في عدد القنوات الفضائية التراثية بصورة واضحة، خصوصاً في منطقة الخليج، حيث ظهرت قنوات عدة تحمل طابع التراث الشعبي والاهتمام بكل ما يرتبط به، والغريب أن هذه القنوات بدأت أخيراً في الانزواء والخفوت وربما اختفاء البعض. هذا الانتشار المفاجئ والتراجع السريع للفضائيات التراثية لابد أن يثير العديد من التساؤلات.

يعد برنامج ومسابقة «شاعر المليون» أحد الدوافع المهمة التي أسهمت في انطلاق معظم القنوات الفضائية التراثية، حيث خلق البرنامج حالة من الحماس للتراث لدى قطاع عريض من الجمهور، وكشف عن تعطش الساحة للشعر الشعبي بعد أن عمد إلى تقديمه في صورة عصرية جذبت المشاهدين من مختلف الأعمار، فسعت الفضائيات التراثية التي انطلقت بعد نجاح الموسم الأول من البرنامج إلى استثمار هذا النجاح، واطلقت بعضها مسابقات مماثلة حققت بعض النجاح وأسهمت في جذب أعداد من المشاهدين لمتابعة القنوات التي تبثها، لكن ظلت هذه البرامج مجرد نسخ باهتة من «شاعر المليون» ولم ترق إلى المكانة التي وصل إليها لدى الجمهور والشعراء على السواء، خصوصاً أنها لم تمتلك الإمكانات المادية نفسها التي رصدت لـ«شاعر المليون» الذي يصل إجمالي جوائزه إلى 22 مليون درهم إماراتي، وهي الأضخم بين البرامج المماثلة، كما افتقدت هذه البرامج القدرة على الاستمرارية لمواسم تالية، ولذلك فقدت هذه البرامج بريقها سريعاً وفقدت القنوات الراعية لها وقنوات تراثية أخرى كانت تعتبر هذا النوع من البرامج عماد وجودها.

عند النظر لتجربة القنوات الفضائية التراثية يظهر أن عامل الضعف الأبرز الذي قلل من فرص نجاحها واستمراريتها أنها ظلت تابعة لا تمتلك القدرة على صناعة حدث أو رؤية تستند إليها في تطوير عملها وأدائها، ربما لفقدان هذه القنوات للكوادر المؤهلة في الإدارة أو في التنفيذ والوظائف الإعلامية الأخرى كالإعداد والتقديم والإخراج، أو التسرع في إطلاق بعض القنوات دون دراسة كافية للهدف منها والجمهور الذي تتوجه له والرسالة التي تريد توصيلها، بما قد يرجع إلى اعتقاد القائمين على هذه الفضائيات أن مسابقة الشعر ومتابعتها يمثل مادة كافية لتغطية بث القناة، وهو تصور بعيد عن الواقع حيث تحتاج الفضائيات لخطط برامجية تتميز بالتنوع والتجديد حتى تغطي ساعات البث وتستطيع أن تقدم للمشاهد مادة تشجعه على متابعة القناة وعدم الانصراف عنها وتجاهلها، فوقعت سريعاً في فخ تكرار وإعادة بث البرامج اكثر من مرة خلال اليوم الواحد، وإفراد مساحات زمنية طويلة لتغطية احداث لا تحتاج إلى ذلك، وغير ذلك من المؤشرات التي تدل على ضعف القناة. حتى البرامج القليلة التي تعرضها معظم هذه القنوات تتسم بالفقر في المحتوى، وكذلك في الجوانب الفنية والإبداع والتجديد.

ولكن؛ هل حقاً خدمت القنوات الفضائية التراثية التراث، وهل قدمت شيئاً مهماً في هذا الشأن؟ غالباً لن تكون الإجابة في مصلحة القنوات التي تعاملت مع التراث بقدر لا بأس به من السطحية في التناول، والعشوائية في تقديم البرامج والمواد التراثية، وعدم الاستعانة بمتخصصين يعملون على وضع خطط لتقديم مواد ذات ثقل أو اهمية، أو يمكن ان تحمل ما يؤهلها لأن تبقى في ذاكرة الزمن، حتى بدا واضحاً ان التراث رداء يتسع كثيراً لأن يمكن لهذه القنوات ارتداؤه. واتجهت بعض القنوات لاستخدام التراث والشعر الشعبي وسباقات الهجن والخيول بطريقة يمكن ان توصف بالتجارية اكثر من كونها وسيلة لتعريف الجمهور بالتراث وإحياء عناصره، بدليل تركيزها فقط على عناصر التراث التي يمكن ان تحقق ربحاً مادياً من خلال الاعلانات أو رعاية البرامج دون بقية العناصر التي قد لا تكون مادة جاذبة لأصحاب المال والمعلنين. لكن المأخذ الأكثر خطورة على هذه الفضائيات يتمثل في انسياقها، في اطار البحث عن المكسب المادي والجماهيري، إلى اللعب على استثارة الحمية والنعرات بين القبائل، وتقديم مواد مثيرة للجدل والبحث عن النقاط الخلافية في التراث وطرحها للنقاش بهدف احداث صدى لدى الجمهور، بصرف النظر عن المشكلات التي قد تقع من جراء ذلك، كل هذه الأمور تشير إلى فشل هذه القنوات في تقديم خدمة أو فائدة حقيقية للتراث في المنطقة، أو حتى في ان تقدم أداء مرضياً للمشاهد المهتم بالتراث، ناهيك عن الدارس أو المتخصص.

رغم السلبيات التي قد تحيط بتجربة الفضائيات التراثية إلا أنه من غير المنصف إصدار أحكام مطلقة بفشل التجربة، ولكن قد يكون من المفيد العمل على تقييمها بشكل منهجي وتحديد كبواتها ومناطق الضعف فيها، ومن ثم العمل على إصلاح هذه المشكلات وتداركها، وتقويم التجربة. فليس هناك من يمكن أن ينكر أهمية وجود قنوات متخصصة تحمل هم نشر التراث والمحافظة عليه وتعريف الأجيال الجديدة به بصورة صحيحة، ولكن يجب أن يتم ذلك من خلال قنوات تحمل رؤية واضحة وتمتلك كوادر واعية مدربة تعمل باحتراف وبأسلوب بعيد عن النمطية.

 


 شعر فقط

من الإشكاليات البارزة التي تعانيها القنوات الفضائية التراثية، توجيه كل تركيزها وجهودها نحو الشعر الشعبي وسباقات الهجن، بينما تتجاهل عناصر أخرى في التراث تحتاج إلى لفت الأنظار إليها وتعريف الجمهور بها، مثل الحكواتي والتراث الشفهي والفنون الشعبية وغيرها.

مجلات وقنوات

لفت مدير أكاديمية الشعر في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة سلطان العميمي في ورقة عن الفضائيات التراثية قدمها في منتدى الإعلام بدبي إلى "ارتباط ظهور بعض هذه القنوات بوجود مجلات شعر شعبي، في محاولة استثمار نجاح وانتشار هذه المجلات، وهناك على الأقل أربع قنوات فضائية تحمل أسماء أربع مجلات شعر شعبي، وحتى ظهور هذه القنوات رافقه وجود إشكاليات تتعلق بحقوق ملكية هذه القنوات، ووصلت إلى أروقة المحاكم في القضايا المرفوعة بين أطرافها، وهذا يدل على عدم وجود خبرة كافية ومسبقة في كيفية التخطيط للظهور التلفزيوني الفضائي".

جهود إماراتية

تبذل دولة الإمارات جهوداً حثيثة في مجال حماية وصون التراث غير المادي، وتوجت هذه الجهود بوضع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة في عام 2011 مدينة العين على القائمة الأولية للتراث العالمي للبشرية في خطوة مهمة وأساسية تمهّد للاعتماد النهائي لهذه المدينة التي تمكنت من المحافظة على مستوى عالٍ من الأصالة.

صقارة

لعبت الإمارات دوراً رئيساً في إدراج عنصر الصقارة في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي في االيونيسكوب خلال الاجتماع الخامس للجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي الذي عُقد في نيروبي في نوفمبر 2010، وكانت دولة الإمارات من أوائل الدول العربية المُوقّعة على الاتفاقية الدولية لعام 2003.
 

تويتر