بمشاركة شاعرة «هجرات» المكسيكية

قصائد سويدية تضيء «بيـــت الشعر» في الشارقة

صورة

تجاورت اللغتان العربية والسويدية في جديلة واحدة، وتبادل على المنصة ستة شعراء، جسدوا حوارية شعرية بين الثقافات العربية والسويدية والمكسيكية، إذ كانت شاعرة مكسيكية ضيفة في أيام الشعر السويدي في الإمارات. ومن بلاد الشمال والجليد جاء الشعراء بقصائدهم إلى بلاد الشمس، معبرين عن الحياة اليومية وعن قلق الإنسان، ولكن بلغة هادئة، من الخارج، متأججة في باطنها، على الرغم من العزلة والعتمة والجليد.

وفي منطقة قلب الشارقة القديمة، ضمت الأمسية التي أقيمت في بيت الشعر في الشارقة، يوم الخميس الماضي، الشعراء حنا هالغرين وماغنوس ويليام أولسن وجاسم محمد وحنا نوردنهيك ويوهان نوردبك والمكسيكية غلوريا غيرفتز، الذين أضاؤوا بقصائدهم بيت الشعر في أمسية نوعية، حضرها الشيخة نجلاء القاسمي سفيرة الإمارات لدى السويد، ومدير بيت الشعر الشاعر محمد البريكي. وقدم للأمسية الشاعر عبدالله الهدية، وقرأ الترجمة العربية للقصائد الشاعرة همسة يونس والناقد حمادة عبداللطيف. ودار نقاش بين الشعراء والحضور حول الشعر السويدي والترجمة والحوار الثقافي.

وأكد القائمون على المشروع أهمية التبادل الثقافي، إذ شارك الشعراء في مهرجان الإمارات للآداب في دبي، ويشاركون في معرض ابوظبي للكتاب الذي يختتم غداً. وجاءت أمسية الشارقة ضمن مشروع «إضاءات من السويد».

وذكر بيان صحافي للمنظمين أن المشروع الثقافي يأتي بمبادرة وتنظيم من جمعية المتوسط لتنمية القراءة والتبادل الثقافي ودار نون للنشر وجمعية مقهى بغداد للشعر والموسيقى، وتواجد أعضاء يمثلون هذه المؤسسات أثناء فعاليات الزيارة ما يفتح المجال للتعرف إلى نشاطات مؤسساتهم العاملة في أوروبا والحديث معهم حول مشروعات مؤسساتهم في التبادل الثقافي بين أوروبا والوطن العربي.

ويتم المشروع بالتعاون مع المجلس الأعلى للفنون في السويد، وسفارة الإمارات في السويد، والسفارة السويدية في أبوظبي، ومهرجان طيران الامارات للآداب، وبيت الشعر في الشارقة.

في الأمسية تداخلت اللغات، وتداخلت الثقافات، وكانت بمثابة شرفة تطل على الشعر السويدي، عبر ترجمة قام بها الشاعر العراقي السويدي جاسم محمد الذي ترجم عدداً من المجموعات الشعرية لشعراء سويديين إلى العربية، وفي الوقت نفسه يكتب قصائده باللغة السويدية. وكان ترجم أنطولوجيا الشعر السويدي بعنوان «إطلالة من حواف النهائي» بالاشتراك مع الشاعر إبراهيم عبدالملك، وتقديم الشاعر سليم بركات الذي كتب في مقدمته للانطولوجيا إن «السويد على حافة (النهائي)، ذلك ما أسمعه من المجادلات (المرئية) في كلمات هذا الشعر. أزعم ذلك. كثيرٌ من الهمس. كثيرٌ من براعة النطق همساً، أو الصخب باعتدالٍ. للجليد طباعُ الناريِّ هنا».

وكان جاسم محمد قال في حوار صحافي إن خصوصية الشعر السويدي تتجلى في كونه شعراً هادئاً، مضيفاً أنه «صرخة صامتة، فهو ليس بحاجة إلى مكبرات صوت كي يعبر عن قلقه الوجودي وتوتره الداخلي وهذا راجع ربما الى تأثر الشعر بالبيئة. فالبيئة السويدية ثلج وظلام، والانسان السويدي انسان منظم إلى حد الموت، فهو يخطط للمستقبل بشكل رهيب ويخطط حتى لشراء مكان لقبره. الموت حاضر بقوة في الكتابة ربما لغياب الموت في الحياة».

 

الشاعرة حنا هالغرين من مواليد ‬1977، وهي ناقدة أدبية أيضاً، حاصلة على درجة الدكتوراه في الدراسات الجنسانية من جامعة لينشوبنغ وهي أستاذة في جامعة سودرتورن. كما تدرس الكتابة الإبداعية أيضاً. صدرت لها ثلاث مجموعات شعرية. قرأت هالغرين في أمسية بيت الشعر في الشارقة قصيدة بعنوان «دولة الرفاهة»، كان الثلج حاضراً والموت أيضاً، حتى تختتم قصيدتها بقولها «يدي تمتد سليمة إلى الخارج/ أصوات الأموات الخالية من أية رنة في الهاتف/ الدم البارد/ اختفوا/ السكون/ الخشونة/ ثقيلة فوق تضاريس الوجع، تُفني، تمحو في مداخل العمارات، وغرف الغسيل، النظرة الواضحة كالزجاج للمسنين/ محاطة بحمرة سائلة/ العيش هو الخيار/ الشكل القاتل/ أن تحيا».

أما الشاعر ماغنوس وليان أولسون فهو مترجم وناقد أدبي، من مواليد ‬1960. بمجموعاته الشعرية الست وكتبه النثرية والنقدية الأخرى يشكل حالة خاصة في الشعر السويدي، فليس هناك مثيل له من بين شعراء جيله ممن يدفعهم طموح، أقرب الى المستحيل، أن يلامس بشعره أبعاد الكينونة وليس فقط الاقتراب منها.

ومنذ صدور أول مجموعة له يواصل حواره مع الشعر الكلاسيكي الاغريقي الذي غالباً ما يستمد منه أفكاره ومادته الشعرية، الأمر الذي يمنح شعره سمات تضعه خارج صرعات التيارات الأدبية. قرأ أولسون قصيدة «إلى كاساندرا»، فيجد أن النسيان هاوية، حيث »القلب يتوهج كالحزن»، ويضيف «كما ترى/ جسدك الجديد يتفتح/ قبل استفاقة أي شيء مرة أخرى/ في رتابة النسيان».

الشاعر يوهان نوردبك ولد في السويد ‬1957، قضى طفولته في شمال استوكهولم، بالقرب من بحر البلطيق والأرخبيل. شاعر عصاميّ كما في جميع الوظائف الأخرى التي عمل فيها، من مُدرّس روضة أطفال ومُساعد في التحقيقات الأركيولوجية وناقد فنّي وإحصائيّ في المسرح، إلى صحافيّ ثقافيّ. ويحبّ العمل مع الموسيقيّين والفنّانين، وصدرت له ثماني مجموعات شعرية. يقول في قصيدة «نائمة» التي تشع بالتأمل »استلقي صاحياً وأسمع/ الأشجار تهبط/ والأثاث يجر نخاعه/ في رقصة فوكس ليلية بطيئة». الشاعرة حنا نوردنهيك وُلدت في عام ‬1977 في مالمو في السويد، كاتبة سويديّة وناقدة أدبيّة. أول كتبها الشعرية صدر بعنوان «الفجوة» عام ‬2007، ومنذ ذلك الحين نشرت كتابي شعر ورواية. تمّ تكريمها مع الأكاديميّين السويديّين ليديا وهيرمان إريكسونز، بمنحة دراسيّة لعملها. كتبت أيضاً مسرحيّات، وترجمت شعراً عن الإسبانيّة.

تعمل حالياً باحثة فنيّة في جامعة غوتنبرغ، وتنفذ مشروع استكشافٍ أدبيّ عن الشعر والنقد والقراءة.

تقول نوردنهيك في «ستدخل كالصمت في المكان. كحزم خفيفة على الأرضية. لا يفلح المرء تماما بلمس الساق باتجاه التيار الخفي. يقولون في ما بعد إن الريش يعدي. أحد ما يقف في الغرفة الشديدة الإضاءة، يبتسم، يفقد وضوحه».

جاسم محمد، شاعر ومترجم من مواليد ‬1962، يكتب الشعر باللغة السويدية. صدر له مجموعة مشتركة مع شاعرين سويديين «عندما كنت صغيراً» و«تمارين في لغة اخرى». ثم في عام ‬2011 صدرت مجموعته «في فمك» عام ‬2012، التي اختيرت واحدة من أهم المجموعات الشعرية السويدية الصادرة ذاك العام. ترجم عن العربية مجموعة «قارات الأوبئة» للشاعر فوزي كريم ‬2005. ومختارات من قصائد الشاعر محمود البريكان، ومختارات لسليم بركات، ومختارات لفرج بيرقدار، كما أنه ترجم العديد من الشعراء العرب إلى السويدية ومنهم سركون بولص، وسيف الرحبي، وسعدي يوسف.

ترجم إلى العربية «رقصة القصيدة» لآن سميث، و«الضرورة الوحيدة» لشل أسبمارك، و«الثلاثية» لبرونو ك أوير. كما أصدر بالتعاون مع الشاعر والمترجم ابراهيم عبدالملك «في الحيوان» لإيفا رونيفيلت، وأنطولوجيا الشعر السويدي المعاصر. ومنحته الأكاديمية السويدية عام ‬2010 جائزة التعريف بالأدب السويدي. كما منحته مجموعة «التسعة»جائزتها الأدبية.

جاسم محمد قرأ قصيدة له كتبها باللغة السويدية، ثم ترجمها الى العربية.

اما الشاعرة المكسيكية غلوريا غيرفتز قرأت جزءاً من قصيدة طويلة بعنوان «الهجرات»، التي تعد مشروعها الشعري، إذ لاتزال تواصل كتابتها، منذ عام ‬1976. وكتب مترجم المجموعة من الإنجليزية الشاعر جاسم محمد في تقديمه للطبعة العربية، إن «القصيدة توسعتْ، تمددتْ، ارتفعت، وكأنها الكون في صيرورته، وكأنها الهجرةُ ذاتها، هجرةٌ خارجَ الجسد وداخله. وكلُّ مرةٍ تصدر فيها القصيدة يتغير شيءٌ ما».

تويتر