طبعة أولى

«مصور في الحج».. رحلات موثقة بالكلمة والكاميرا

عن مشروع «كلمة» للترجمة، التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، كتاب «مصور في الحج.. رحلات محمد علي أفندي السعودي (1904-1908)» للمؤلفين فريد قيومجي وروبرت غراهام، وترجمة د.سرى خريس.

وُلد السعودي في القاهرة في عام ،1865 وكان يمثل طبقة المتعلمين التي ظهرت في الطبقة الوسطى في مصر، ووقعت تحت التأثير الثقافي والاجتماعي والتكنولوجي الأوروبي، إضافة إلى التيارات الجديدة الشائعة في مصر آنذاك. أُعجب السعودي بأفكار المفكر الراحل جمال الدين الأفغاني السياسية، ومبدأ الإصلاح الديني الذي نادى به المعلم الشيخ محمد عبده الذي قام بمصادقته. كان السعودي مسؤولاً ذا رتبة وُسطى في وزارة العدل، وقام بمرافقة القوافل الرسمية المتجهة إلى مكة لأداء فريضة الحج في شتاء عام 1904 والشتـاء الذي امتد بين عامي 1907 ــ ،1908 كما كان شديد الافتتان بفن التصوير الفوتوغرافي، وبالحكايات التي روّجت لها تلك الصور الفوتوغرافية. لقد كان من النادر جداً، حتى في مطلع القرن الـ،20 أن يقوم أي مصري، أو حتى أي عربي، بتأريخ رحلة الحج إلى مكة والمدينة المنورة من خلال كتاب عبر الصور الفوتوغرافية، ولذلك، فإن مذكرات محمد علي أفندي السعودي وملاحظاته المكتوبة، التي تم اكتشافها أخيراً، إضافة إلى الصور الفوتوغرافية المصاحبة لهما، جعلت منه شاهداً استثنائياً على رحلة الحج إلى مكة.

ويتميز الكتاب بصوره الفوتوغرافية النادرة التي تعكس الثقافة الاسلامية والمفاهيم الاجتماعية التي ارتبطت بشعيرة الحج كما عاشها السعودي الذي يصف عبر هذه الصور تغير الطبيعة المادية للحج ذاته، بسبب الطريق البحري الممتد من السويس حتى جدّة، والذي جعل وصول الحجاج المصريين إلى الأراضي المقدسة أسرع وأسهل، ما شجع المزيد من الأشخاص على الخروج إلى الحج، لذلك تضاعف عدد الحجاج في القوافل المصرية في الفترة الواقعة بين رحلة الحج الأولى التي قام بها السعودي، ورحلته الثانية التي اصطحب فيها والدته معه.

ويبين الكتاب كيف باتت وسائل مكافحة الأمراض أكثر صرامة، وكيف سعت السلطات البريطانية إلى منع انتشار الكوليرا ناحية الغرب، بسبب الحجاج المسلمين القادمين من الهند، خصوصاً بعد ظهور نوع جديد من البكتيريا المسبّبة للكوليرا في عام 1905 في إحدى محطات المحمل الواقعة في الطور على ساحل سيناء، إذ اكتشف وجودها مجموعة من الأطباء الذين قاموا بفحص الحجاج العائدين من الأراضي المقدسة.

عانى السعودي ورفاقه الحجاج من وطأة غضب البدو الذين أثارهم مشروع سكة الحديد، فتعرّضت قوافل الحجاج المصريين للهجوم مرتين، وهي في طريقها إلى المدينة، وعند عودتها كذلك. ويشكل وصف السعودي للرحلة تذكيراً حيوياً بالمخاطر التي تعرض لها الحجاج، كما يعكس شجاعتهم التي غذّاها إيمانهم العميق. وعلى الرغم من سيطرة هذه الظروف البدائية على رحلة الحج، يُعدّ السعودي رحّالةً عصرياً، ويُعزى ذلك إلى أن كتاباته سلّطت الضوء في المقام الأول على الجوانب الاجتماعية والسياسية للرحلة وللرحالة، التي قام بتأريخها كذلك بواسطة آلة معاصرة ألا وهي الكاميرا.

نتج عن وصف السعودي لرحلاته أربعة مجلدات من يومياته التي وصل عدد صفحاتها إلى 250 صفحة فولسكاب (ورق كبير القطع)، خطها بخط مصقول جميل، إضافة إلى العديد من الملاحظات. وكتب معظمها بقلم الرصاص، بينما كان على ظهر الجمل مسافرا،ً وجلس على الشاكداف (نوع خاص من المقاعد المخصصة للحجاح المسافرين على ظهر الجمال ويتكون من إطار خشبي ثُبّت فوقه مقعد مُبطّن افترش ظهر الجمل). يشار إلى أنه نادراً ما يتمكن المسافر على هذا النوع من المقاعد من الكتابة بخطٍ أنيق أو حتى مقروء. ولم تكن طريق التنقل الصعبة هذه لتساعد على الحفاظ على ممتلكات المسافرين أيضاً، ولذلك، اضطر السعودي عند عودته إلى القاهرة إلى إعادة كتابة كل ملحوظاته التي تعذّر فهمها وإلى استرجاع الكثير من الأحداث التي دونها، لكنها فُقدت في الطريق. ويعد هذا الكتاب إحياء لهذه اليوميات التي تعد ذخيرة ثقافية وتاريخية.

تويتر