100 طالبة يبحرن في فضاءت الحرف وجمــــــالياته

الشعراني: الخط الـعربي ليس مقدساً

صورة

في مشهد غير معتاد بالنسبة لمجاميع من طالبات مدارس مختلفة في دبي، استقبل معرض دبي الدولي للخط العربي، في دورته السابعة، التي تقام برعاية سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، نحو 100 طالبة. إبحار الطالبات في عوالم اللوحات التي تعود إلى أعلام في فن الخط من 12 دولة مختلفة، من ضمنها أعمالاً لأربع خطاطين إماراتيين، لم يخل من تعبيرهن عن الانبهار بالأعمال، ما شجع الخطاطين إلى التعامل معهم في مجاميع أشبه بورش تدريبية، أبدى الكثيرات منهن اهتماماً كبيراً بالوقوف على تفاصيل إبداع الحرف العربي.

رحلة

رحالة مختلفة عاشتها نحو 100 طالبة من مدارس مختلفة في دبي، إلى معرض دبي الدولي في إبحار مع أسرار اللوحات، ومهارات الخطاطين. الطالبات تعايشن مع الحدث وراح الكثيرات منهن يبدين أسئلة تفصيلية لعدد من أعلام الخط العربي، الذين أسهبوا في شرح جوانب من تلك المهارات، منهم الفنان خضير البورسعيدي، والفنان إبراهيم آل زاير، والفنان جمال الترك، وحاكم غنام، وعمر الجمني، وغيرهم.

ومع امتداد أيام المعرض، ورغبة منظميه في أن يشكل حالة تواصل حقيقية مع المجتمع، يتوقع أن تشهد أيامه المقبلة مزيداً من الزيارات من مدارس مختلفة، ترى أن تذوق الفنون، وفن الخط العربي وارتباطه بالثقافة والهوية العربية والإسلامية، خصوصاً، يمكن أن تشكل إغواء إيجابياً في زمن سيادة رياح عولمة تهب من جهة الغرب.

المعرض المتد حتى 23 من الشهر الجاري على هذا النحو، يسعى بشكل فعلي إلى توسيع هامش تذوق جماليات فن الخط العربي، عبر اجتذاب شريحة، ظن الكثيرون أن أكثر ما يجذبهم هو الرحلات الترفيهية، وليس الثقافية، ومثّل لقاء الطالبات مع خطاطين مهمين مثل محمد أوزجاي، وخضير البورسعيدي، ومنير الشعراني وغيرهم، تحفيزاً مهماً لطالبات أكدن اهتمامهن بفن الخط، ليس فقط في إطار التذوق، بل الإبداع أيضاً.

الرحلات الثقافية التي من المنتظر أن تشهد تجاوباً بتكرارها في محافل مختلفة، من المؤسسات المعنية، من المفترض أن تمثل إغواء إيجابياً لتعاون وفق استراتيجيات مختلفة بين وزارة التربية والتعليم، والمناطق التعليمية من جهة، ومختلف المؤسسات الثقافية، وفي مقدمتها وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، من جهة أخرى.

خلافاً لإيحاءات جماليات معرض دبي للخط العربي، جاء تصريح الخطاط السوري الذي يشارك في المعرض بنخبة من أعماله المتميزة، لتثير قلق المهتمين إبداعاً وتذوقاً بهذا المجال، إذ حذر الشعراني من أزمة تطوير تجابه الخط العربي، مقارنة بخطوط اللغات الأجنبية التي تطور نفسها اعتماداً على التقنية الحديثة.

وطالب الشعراني بتكاتف الجهود، من أجل تطوير الحروف العربية، وعدم الانصياع لفكرة أن التطور التكنولوجي ممثلاً في آلات الطباعة الحديثة، يأتي على حساب تآكل جماليات الحرف العربي، محدداً إشكاليات رئيسة تحد من هذا التطوير. واعتبر الشعراني أن انتصار الآلة لثقافة مخترعيها في المقام الأول، أبرز العوامل التي أدت إلى تخلف الحرف الطباعي العربي عن مجاراة التطور الهائل الذي طرأ على نظيره في اللغات الأوروبيـة، فضلاً عـن غياب التمويل لمشروعات التطوير التي تحتاج وقتاً ومالاً وفيرين، إضافة إلى غياب جهة محددة يمكن أن تشكل مظلة راعية لتلك المشروعات.

جاء ذلك، خلال ندوة للشعراني حول الخط الطباعي العربي، أقيمت على هامش المعرض، الذي يقام برعاية سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، ويشارك فيه خطاطون من 12 دولة، بينهم أربعة خطاطين من الإمارت. وأثارت قضية تطوير الحرف الطباعي العربي، ومدى إمكانية قبول ابتكار حرف جديد، جدلاً في الندوة، لاسيما عندما اعتبر أحد الحضور محاولة الخلط بين الثقافي والديني، بشأن محاولة الخطاط الفلسطيني بلال البحر، ابتكار حرف جديد، وهو ما دعا الشعراني إلى التأكيد أن قدسية النص الديني في الإسلام، لا تنسدل على الخط العربي، الذي هو أداة لثقافة قابل للتطوير والتحوير والابتكار.

عطـاء إنسـاني

أضاف الشعراني: «الخط العربي ليس نصاً دينياً مقدساً، بل هو عطاء إنساني لعب الإسلام دوراً بارزاً في تطويره، والإشكالية ليست في الخط العربي بل في الخبرة والإمكانات التي لاتزال غير متوافرة عربياً بكل أسف»، مشيراً إلى أن نشر الثقافة بشموليتها «عمل سياسي وليس قضية دينية». ولفت الشعراني إلى حقيقة ثراء الحروف الطباعية العربية مقارنة بالحروف اللاتينية التي وصف بنيويتها بالفقيرة، موضحاً أن «التطوير من الممكن أن يأتي من وحي الماضي، عبر العودة بتأمل مبتكر للتراث الخطي والنماذج الموجودة في المتاحف وعلى العمارة، وغير ذلك من أوعية الخط العربي المتعددة»، محيلاً إلى محاولاته في استكمال النواقص في عدد من المدارس الخطية، ومنها الخط الكوفي النيسابوري رغم صعوبة المرجعية التاريخية لذلك.

قدم الشعراني قراءة سريعة لتطور الخط العربي الطباعي، لافتاً إلى أن محاولة الخلط بين الديني والثقافي كان سبباً مباشراً لتأخر ظهور الطباعة بالحروف العربية في كثير من البلدان العربية والإسلامية، بعد صدور فرمان أصدره السلطان بايزيد الثاني، بتحريم الطباعة، بحجة الخوف من تشويه وتحريف الكتب الدينية، مشيراً إلى أن السوري عبدالله زاخر أول عربي يصمم حرفاً عربياً عبر مطبعة أسسها في لبنان، وصنع كل أدواتها إضافة إلى حروفها التي صممها وسبكها بنفسه قبل منتصف القرن الـ.18

وأشار الشعراوي إلى أن تواصل الاعتماد على النسخ خطاً أساساً لحروف الطباعة العربية للمتن ولمعظم خطوط العناوين، حتى بعد الانتقال إلى الحرف التصويري، معتبراً أن خط النسخ رغم كونه واحداً من أجمل الخطوط العربية، ورغم الدور العظيم الذي لعبه في نقل المعرفة بشتى أنواعها منذ ابتكاره في العصر العباسي وحتى اليوم، فإنه ليس الحل الأمثل للحرف الطباعي العربي، وإن كان الأقرب إلى عين القارئ من بين الخطوط المتداولة.

عثمانيون

أرجع الشعراني للعثمانيين سابقة حصر الخطوط العربية في أنواع ستة لا تتعداها، ولكل منها وظيفة معينة، فالرقعة للكتابة العادية، والديواني وجليه للفرمانات والدواوين، والفارسي للشعر، أما الثلث والنسخ فقد وضعا في قفص ذهبي على أنهما مقدسان، فحصر استخدام الثلث الجلي في تزيين المساجد والاستخدامات الدينية الجمالية، والثلث العادي لبعض المصاحف الجليلة وأسماء السور في المصاحف التي كانت تكتب بخط النسخ، وهو ما جعل الحروف العربية في ظل ثورة التكنولوجيا الحديثة وتقدم الطباعة تظل حبيسة فلك النسخ إلا قليلاً منها، في الوقت الذي بلغت فيه أشكال الحروف الطباعية باللغات اللاتينية مئات الأنواع. واعتبر الشعراني أن الخطوة الحقيقية لمحاولة اللحاق بركب العصر في مجال الطباعة الحروفية هي البدء في دراسة جوهر الخط العربي من جديد، وما تتيحه إمكاناته البنوية من أشكال لانهائية من التجليات والأساليب، وأن ننطلق من دراستنا من الحروف الكوفية الأولى، وأن ننظر بعين فاحصة إلى تجليات حروفه على الخامات المختلفة لنصل إلى اكتشاف هيكله فنكسوه لباساً جديداً.

تويتر