اعتمد السخرية أسلوباً فـي «الأكول» وفلسفة حياة أيضاً

أحمد أميري: أكـتب بعفوية.. وروحــي علـى الـورق

أحمد أميري: أفضل أن أضحك. الإمارات اليوم

صاحب قلم لا يعترف بحواجز التكلف، ولا بهالات المبدعين، يتهكم إلى حد جرح الذات، ووخزها بشوك السخرية أحياناً، من سلالة الظرفاء الكارهين بالمرة لأقنعة الحزن، والتباكي على الورق، مقتنعين بأنه ما أيسر اصطناع الجدية لاستدرار الدموع، ولكن ما أصعب رسم الابتسامة فوق شفاه أنستها مرارات الحياة الضحكات.. إنه الكاتب أحمد أميري، الذي يسرد في كتابه الجديد «الأكول.. سيرة بطن»، تجربته الخاصة مع البدانة، بأسلوب تهكمي ساخر، ويفضي لقارئه بلحظات ضعفه، يأتمنه على أسراره، كأنه أمام أخ أو صديق.

بسرد عفوي يعترف أميري ــ عاشق الشاورما والمشروبات الغازية ــ بحالة النهم التي استولت عليه ربع قرن، وجعلته أسير أطايب الموائد، مارس طويلاً حميات بلا حصر حتى صار خبيراً فيها، ومع ذلك لم تفلح واحدة منها، وربما في كتابه الجديد كان يجرّب «حمية السخرية على الورق»، علّه ينتصر بالقلم على البدانة، ويذيب كتلاً فائضة عن الحد، إذ يبدو التهكم روحاً عامة في كتابات أميري، يسخر قلمه من ذاته، ومن الآخر، من الحب، ومن الكره، من السمنة، ومن النحافة، من أشياء كثيرة.

إطلالة

- أحمد أميري من مواليد عام .1974

- حاصل على بكالوريس الحقوق.

- نشر مقالاته في عدد من الصحف والمجلات المحلية.

- صدرت له قبل «الأكول» الصادر حديثاً عن دار كتّاب للنشر والتوزيع في الإمارات في 398 صفحة، أربعة كتب هي «مع تحيات بوقلم» مقالات، و«حجي حمد الحلواني» مقالات، و«الأسد الذي اعترف» قصص قصيرة، «عالم عيال آدم» مقالات.

يرى أميري أن «سيرة أي أكول هي للأسف سيرة بطنه»، مضيفا لـ«الإمارات اليوم» أنه، يكتب بعفوية خالصة، وأن روحه في الحياة لا تختلف عنها على الورق، معتبراً أن السخرية فلسفة حياة وليست أسلوب كتابة متعمد «أنا إنسان ساخر في حياتي، أنظر إلى نفسي وإلى كل شيء من حولي بنظرة ساخرة وتهكمية. ولو فكّرت في أي شيء في هذه الحياة، فإنني أكون أمام خيارين، إما أن أبكي أو أضحك، لذلك أفضّل أن أضحك». وتالياً تفاصيل الحوار مع أميري.

- تجارب ذاتية، وحقائق طبية ونصائح، ومطاعم وموائد، وحكمة ممزوجة بسخرية، و60 ألف كلمة.. صنعت هذا العالم المشوق في «الأكول»، ما كواليس هذه التركيبة، وسر تلك الطبخة لو تحدثنا بلغة الأكول؟

-- سر هذه الطبخة هو المعاناة مع الوزن الزائد، والشعور بالتخمة والامتلاء التي استمرت ربع قرن من الزمان، ولاتزال مستمرة، وليس في الأفق ما يشير إلى أنها ستزول. إذا خرج أحدهم من السجن بعد أن قضى فيه 25 سنة، وقرر أن يكتب، فإنه حتماً سيكتب عن تجربته في السجن، وهذا ما حصل معي.

- هل الأكول مجرد سيرة بطن، أم إضاءات تامة على حياة أميري؟

-- لا أعرف لكن بطني جزء مني، وكما أن سيرة أي عبقري هي سيرة عقله، فإن سيرة أي أكول هي للأسف سيرة بطنه.

- ألم يتوقف قلمك تحديداً في بعض مناطق البوح والاعترافات في «الأكول»، ألم تفكر للحظات، وتضع نفسك رقيبا على قلمك كما يصنع كثيرون، أم أن صاحب «حجي حمد الحلواني» خال من العقد، ولذا يقدم الصدق على ما عداه، متحلياً بجسارة لا يتمتع بها كثير من الكتاب خصوصاً في منطقتنا العربية؟

-- بصراحة؛ كنت أفكّر أثناء تنقيح الكتاب عن إساءاتي المتكررة لبطني، وعن الفضائح التي أنشرها على الملأ عن نفسي، وعن نهمي، وانكبابي على الطعام، وفشلي في محاولات ضبط فمي، لكن الذي شجعني على المضي قدماً هو أنني أعيش في مجتمع يحتل المرتبة الثامنة عالمياً في نسبة البدانة، وأن هناك مليارين و600 مليون سمين في هذا العالم، وفوقهم 400 مليون مصاب بالبدانة المفرطة، وكل هؤلاء البشر يشبهونني وأنا واحد منهم، وتكاد تجاربنا في الطعام والحمية تتطابق. قد يتردد المرء في البوح عن مشكلة يعانيها هو شخصياً، لكن حين تكون المشكلة عامة وكونية وموجودة في كل بيت، فإن الحديث عنها يكون مسلياً.

- ألم يجرّ عليك «الأكول» بعض المتاعب، لاسيما من محيطك ومن بعض من ورد ذكرهم فيه، لاسيما من المحيط العائلي؟

-- أنا محظوظ بعائلة مترابطة ومتماسكة يحب بعضنا بعضاً، وهم يتفهّمون أن الكاتب الساخر يحتاج إلى الخوض في بعض التفاصيل وتصويرها بشكل كاريكاتيري، خصوصاً أنني أكتب مصوّراً الواقع، ثم أنني لا أستطيع أن أنفصل عنهم، فهم جزء من حياتي كما أنني جزء من حياتهم. وقد تعمّدت أن أوزّع على الكثير منهم مسودّة الكتاب ليطلعوا عليها، ولم أجد منهم إلا التشجيع.

- هل توجد مساحة من الخيال، من صاحب خيال مثلك، في أحداث كتابك الأخير وشخصياته، أم إنه بالفعل من وحي حياتك وتجاربك؟

-- لم يثبت لدي إلى الآن أنني صاحب خيال، لأنني أجد أن الواقع الذي أعيشه ويحيط بي يغنيني عن اللجوء إلى الخيال، ومعظم ما أكتبه هو واقع لكنه مصوّر بشكل ساخر ومبالغ فيه.

- لماذا هذا النمط من الكتابة تحديداً، مع أنه يحتاج إلى مهارات خاصة، وليس سهلاً كما يعتقده البعض، فما أسهل أن يصطنع الكاتب الصرامة، ويتباكى ليجتذب القارئ، ولكن ما أصعب أن يؤثر فيه عبر الكتابة المرحة كما تصنع؟

-- بصراحة إنني أكتب بعفوية وبشكل طبيعي، وروحي التي على الورق هي نفسها روحي المستقرة في جسدي الذي يمشي على الأرض. هذا النمط يأتي بعفوية، والأسلوب هو الرجل كما يقولون، لا انفصام بين المرء وأسلوبه، لكن الأمر يحتاج مع هذا إلى الكثير من المران والقراءة، والأهم من هذا هو أن يجد المرء التشجيع. أتخيّل أن كتاباً كثراً بدءوا يكتبون بلغة ساخرة لكنهم قمعوا أنفسهم حين وجدوا أن من حولهم يستخفون بكتاباتهم ولا ينزلونها المنزلة التي تستحقها، وهو عكس ما حصل معي تماماً، وأذكر على سبيل المثال أنني حين عملت رئيساً لتحرير مجلة «العالم» التي صدرت عامين ثم توقفت عن الصدور، سألت أستاذي الكاتب الصحافي الدكتور محمد عبيد غباش إن كان يليق برئيس تحرير أن يكتب بلغة ساخرة، وبموضوعات يسخر فيها حتى من نفسه، فكان أن «هزقني» وقال: من تظن نفسك؟ هل أصبحت رئيساً للولايات المتحدة الأميركية؟ بل حتى الرئيس الأميركي يسخر من نفسه في المؤتمرات الصحافية.

- يغلب الحس القصصي، والسرد العفوي على الجانب المقالي في إبداعك، فمتى ستطل كروائي على المتلقي؟

-- كنت قد وضعت لنفسي تحدياً حين بدأت مشوار الكتابة، وهو أن أصدر رواية واحدة على الأقل قبل سن الأربعين، وفعلاً بدأت منذ ثلاث سنوات كتابة رواية لكنني توقفت بعد الصفحة الثانية، حين لاحظت أنني أكتب أشياء لا معنى لها، وليس لها صلة بالرواية، سوى أن صاحبها يريد أن ينجح في التحدي الذي وضعه لنفسه. بصراحة كنت كلما قرأت رواية أقول في نفسي: إذا كانت هذه هي الروايات فأنا أستطيع أن أكتب عشر روايات، لكن حين وضعت يدي على لوحة المفاتيح وبدأت في الكتابة شعرت بعجز لا يمكنني وصفه، شعرت كأن شخصاً يحاول جذب يدي لمنعي من الكتابة. أعتقد أن الرواية تحتاج إلى نضج وإلى شخص طبخته الحياة، وأعتقد أنني لازلت نيئاً لم أطبخ بعد.

- رغم هذه الروح الفكاهية التي تغلف الكتاب، فإنه تسربت لحظات ضعف سرى الحزن فيها، ولون بعض صفحاتك، لماذا؟

-- بعض المواقف فرضت نفسها على مجريات الكتاب، فلا يمكن لشخص أن يكون سعيداً إلى ما لا نهاية بوزنه الزائد، وأن يشعر بالمرح وهو يتخيل آلام من جاعوا ويجوعون وهو يتمرّغ في الطعام، وهي مواقف تشعرني بالضعف والحزن، وكنت بصراحة في بعض الأحيان أكتب والدموع تترقرق في عيني.

- ما جديد أحمد أميري؟

-- بحكم تخصصي في مجال القانون، وعملي الذي استمر لسنوات في النيابة العامة والمحاكم، وخططي المستقبلية في ارتداء ثوب المحاماة، فإنني أعكف حالياً على تأليف كتاب قانوني مكتوب بلغة أدبية، أو هو كتاب أدبي في موضوع قانوني، وأرجو أن يصدر قبل نهاية هذا العام.

تويتر