فعالية جديدة تجمع المكتوب بالمرئي

«تلوين الرواية» الأدب في حضرة التشكيل

الفنانة نجاة مكي قدمت لوحة مستوحاة من كتاب «سرد الذات» لصاحب السمو حاكم الشارقة. من المصدر

تجربة مغرية حقاً؛ أن تحوّل رواية قرأتها وتأثرت بها إلى لوحة فنية تنطق بنبض اللون وصخب الحياة. الاغراء هنا لا يقتصر فقط على الفنان صاحب اللوحة، بل يمتد ليحتوي المتلقي أيضاً الذي يجد نفسه متورطاً في علاقة بمستويات وأدوات فنية عدة، تتحول الكلمات فيها إلى خطوط وألوان وظلال، لتشكل معاً معرض «تلوين الرواية» إحدى فعاليات «ملتقى أسماء صديق» في معرض أبوظبي الدولي للكتاب.

ما يقرب من 20 لوحة لـ19 فناناً؛ كل منها تجذبك إلى عالمها المستلهم من عوالم الرواية التي اختارها الفنان. تجذبك في الواجهة لوحة لا يمكن تجاهلها، بفكرتها الأخاذة وتنفيذها المبهر، تماماً مثل الكتاب الذي استمدها منه صاحبها الفنان بدر عباس مراد «الرجال من المريخ، النساء من الزهرة»، تكتسي خلفية اللوحة بأرض طينية خصبة تشققت بفعل الجفاف، ربما إشارة الى المرأة، وفي الواجهة يجثو شاب على ركبتيه اللتين اختلطتا بطمي الأرض حتى صارتا امتداداً له، وعلى وجه علامات من الألم والمعاناة.

«تغريدة البجعة» للروائي المصري مكاوي سعيد، والتي ترشحت ضمن القائمة القصيرة لجائزة «البوكر» ،2008 هي الرواية التي اختارتها الشيخة شيخة بنت محمد بن خالد آل نهيان، لتجسيدها في لوحة ذات شفافية عالية استمدتها من ريشة بيضاء تبحر بهدوء على سطح المياه التي انعكس ضوء القمر عليها بدرجات الفضي المتدرجة.

عمل الفنان بدر عباس   من المصدر

 

وقدمت الفنانة د. نجاة مكي لوحة استوحتها من كتاب «سرد الذات» لصاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الاعلى حاكم الشارقة. بينما اختارت الفنانة خلود الجابري قصة قصيرة بعنوان «آورا» للكاتب المكسيكي كارلوس فيونتس، وتميزت القصة بتعدد مستويات السرد، تعددت أيضا مستويات التعبير في اللوحة التي برزت فيها المرأة تقف في شموخ كأنها تستعد لفرد جناحيها في الفضاء لتحلق بعيداً في سماء الحلم.

أما الفنانة سلمى المري فقد قررت الخروج من نطاق الرواية ميمّمة وجهها نحو الشعر، لتستلهم مجموعة «يأتي الليل ويأخذني» للشاعر الإماراتي أحمد راشد ثاني، موضوعاً للوحتين شاركت بهما في المعرض. بينما تمرد الفنان خالد صديق المطوع على اللوحة نفسها، مستعينا بالمعدن في تجسيد ثلاثية الكاتب الاماراتي عبدالله عبدالرحمن، «فنجان قهوة: الإمارات في ذاكرة ابنائها». الثلاثية كانت كذلك اختيار الفنان العراقي صلاح حيثانين، ولكنها هنا ثلاثية روائية من علامات الادب العربي الحديث وهي «ثلاثية غرناطة» للكاتبة رضوى عاشور. ولم تكتفِ الفنانة ريم المتولي بلوحة واحدة؛ فقدمت مجموعة من اللوحات التي استلهمت فيها رواية «أن تقرأ لوليتا في طهران» للكاتبة الايرانية آذر نفيسي، تلك الرواية التي وجدت في شخصياتها تقارباً مع عضوات الملتقى.

أيضاً حفل المعرض باعمال فنانين كبار تجاوبوا مع إغواء فكرته، من بينهم الفنانون: د. محمد يوسف، ومحمد ابراهيم القصاب، وعبدالرحيم سالم، ومطر بن لاحج، وفايزة مبارك، وجاسم العوضي، وخليل عبدالواحد، ومنى الخاجة، وياسمين الخاجة، وسلمى المري، وناصر نصرالله، بالاضافة إلى الفنانة كريمة الشوملي التي شاركت في الإعداد للمعرض والتنسيق له.

صاحبة فكرة المعرض والداعية له؛ اسماء صديق المطوع، أكدت لـ«الإمارات اليوم» أن الامر احتاج الى ما يقرب من ثلاثة أشهر حتى اكتمل العمل في المعرض. موضحة عندما فكرت ذات يوم بالمستويات المتعددة لقراءة النص المدون، اتجهت إلى الرواية باعتبارها الجنس الابداعي الأكثر حضورا وتأثيرا في الساحة الثقافية. ولكن التنفيذ لم يكن سهلا، فكان لابد من الكثير من التفكير والاعداد والتنسيق، ولذا استعنت بالصديقة الفنانة كريمة الشوملي التي قامت بدورها بالتواصل مع مجموعة من الفنانين الاماراتيين والعمل معهم على تنفيذ وانجاز الفكرة، التي لم يكن لها ان تكتمل لولا الاستجابة السريعة والنبيلة منهم، واستعدادهم للمشاركة ايماناً منهم بضرورة تنويع الفعل الثقافي وجعله مشرعا أمام خيارات جديدة للتعبير. معربة عن أملها في أن يسهم «الملتقى» في تكرارها وجعلها تقليدا ثقافيا يقرّب بايجابية بين الجنسين الابداعيين: المدون والبصري، خصوصاً في ظل دعم «اليونسكو» لها لما فيها من إثراء وافر لجمالية النص المدون، وإخراجه في حلة تمنحه إمكانية قراءته بمستوى جديدة.

وأشارت المطوع إلى أن هذه التجربة ليست الاولى من نوعها، حيث كانت هناك مجموعة من التجارب المشتركة بين الجانب التدويني من العملية الابداعية والجانب البصري، كتجارب الفنان ضياء العزاوي في كتبه التي دون فيها بصرياً مجموعة من الشعراء كأدونيس ومحمد بنيس وقاسم حداد، والمعلقات، وتجارب رافع الناصري مع الشاعرة مي مظفر، أو تجارب محمد القاسمي وعمرو هيبة وأتيل عدنان، ولكنها كانت فردية في مناخها العام، واقتصرت في الأغلب على النصوص الشعرية دون غيرها من الأجناس الأدبية الأخرى.

تويتر