29 عملاً لـ 3 فنانين في «ميم غاليري»

«الفن في العـراق».. بـحرٌ يبلّل «الكانفاس»

الأعمال رصدت الحزن والأمل. تصوير: أشوك فيرما

حمل معرض «الفن في العراق اليوم» بجزئه الثالث، ثلاثة أنماط فنية متباينة من خلال الفنانين الثلاثة المشاركين، تؤكد بمجملها العلاقة القائمة بين الفن والمجتمع. وتتميز العلاقة المطروحة القائمة بين الاثنين بكونها علاقة مبادلة في الايحاء والحاجة، لترسيخ فكرة ضرورة وجود الفن في حياتنا. ويشارك في المعرض الذي افتتح اخيراً في «ميم غاليري»، ويستمر حتى الثالث من مارس، كل من هيمت علي، وعمار داوود، وديلر شاكر. وقدم كل منهم رؤيته الخاصة للحياة والتأمل، والطبيعة، والوطن، في تجسيد ارتأى الواقعية والخيال، فكان قادرا على ملامسة المشاعر الحسية بطريقة مباشرة.

قدم الفنان هيمت علي، مجموعة من الأعمال التي حرص على منحها البعد الحسي، فكانت مزيجاً بين الكولاج والتشكيل. ويميل علي الى منح الألوان أبعاداً حسية تخاطب النظر، إذ يستغل المساحات التي يطرح ألوانه عليها لتقديم أفكاره بأسلوب مؤثر يجعل سطح اللوحة باباً للغوص في أعماقها وولوج عالمها وعدم الاكتفاء بظاهرها. وتظهر لوحاته السبع التي قدمها في المعرض الى جانب اعمال كولاجية على شكل كتب، مدى تعلقه بالطبيعة، إذ آثر رسم البحر بأمواجه العاتية على «الكانفاس» المقدم على ألواح أخشاب تعطي ايحاءً قريبا من الحقيقة، حتى تكاد تتبلل. وفيما أخذ المطر حصة وفيرة من لوحاته التي تميزت باعتماد تقنية التكرار في التركيبة الفنية، إلا أن أثر الحروف فيه كان بارزاً، فقد عمل الفنان لسنوات على الحروف، وكانت تأخذ ضربات ريشته ايحاءات حروفية في كثير من الأحيان. أما الأعمال الفنية التي طرح الكتابة فيها والألوان على شكل كتب مصنوعة من الخشب، فيعطينا من خلالها حميمية في التعاطي مع العمل الفني، كونها تصبح لوحات يمكن ان تحمل في السفر أو يحتفظ بها في المكتبة، ولا تعلق على الحائط فحسب.

عمل في جامع

شغل العمل الذي كان قد رسمه الفنان عمار داوود في جامع، زوار المعرض، كونه عبارة عن لوحة تجمع الكثير من العناصر الروحانية. وقال الفنان عن هذه اللوحة: «اللوحة اسمها (كاليدسكو)، وباللغة العربية هي اللعبة التي نغير بها الصور، وكان لدي مشكلة ان مرسمي كان سقفه منخفضاً، وسألت الشيخ أن يؤجر لي غرفة، وسمح لي باستخدام غرفة من غرف الجامع، لان سقفه مرتفع جداً». ولفت الى «أن روحانية المكان أثرت في العمل، فبرز الانسان الطائر والهلال، ولكن هذا بطبيعة ميلي الى التصوف، وليس بطبيعة وجودي في المكان فقط».

حزن

من جهته، قدّم الفنان ديلر شاكر، رؤيته الخاصة عن العراق، فكانت أعماله مرتبطة ارتباطا وثيقا ببلده. حاول شاكر أن يقدم بأعماله الثلاثية الأبعاد، والتي استخدم فيها الكثير من المواد، ومن ضمنها الخشب والمعادن، أفكاره حول أجنحة الحلم التي أرادها ان تعانق السماء، بعيداً عن الحرب التي خلّفت سوادها وانقساماتها على الارض. تناوبت الألوان في لوحات شاكر على طرح القضايا التي تشغله، والتي لم تكن خالية من التناقض الكبير في المشاعر، فتارة نجد ألوانه تبحث عن الأمل في الأنهار العراقية، وكذلك في النخل العراقي، وتارة نجده ضائعًا بين ما تكتنزه الذاكرة من أحداث أليمة، لم تترك إلا آثار الدمار والخراب. وفي الواقع ان البعد الحسي الملموس الذي يطرح به شاكر أفكاره، يجعل الأعمال مرتبطة ارتباطا وثيقا في العلاقة الجدلية مع المكان والزمان، لاسيما في الاعمال الكولاجية التي صور فيها الحاضر الأسود والماضي المتميز بإشعاعات ألوانه. أما المجسد الذي صوّر فيه شاكر، دولاب الحرب والرصاص، فلم يكن إلا توثيقا وتجسيدا واقعيا لما يحدث في العراق اليوم، بعد الاحتلال الأميركي.

من جهته، حمل الفنان عمار داوود، المشاهد الى عالمه الخاص، حاول إبعاده عن الواقعية الملتزمة الأحداث، ليفرض عالما جديدا، برؤى ناتجة عن الحلم والألم والمعاناة والفرح. تبدو أعمال داوود، وكأنها محاولة لتركيب الصور المتباينة، والمواقف الحياتية المتنوعة، اذ يروي من خلال العمل الواحد مجموعة من الأحداث وفق معادلة الخير والشر، ولكن بترجمة مختلفة عن حرفية الحياة الواقعية التي نعيشها. وتعتبر الرمزية سمة من السمات المهمة الموجودة في أعمال داوود، فهو لا يحاول طرح المعتقدات والقيم التي يعالجها بمباشرة. كما يعتمد على البشر عنصراً أساسياً في اللوحة، فبوجودهم تكتمل العناصر الروحانية وكذلك المادية في العمل الفني. وتعتبر لوحاته التي لا ترتبط بالعراق بشكل مباشر، تعبيرا صريحا عن رؤيته للفن، الذي يمكن القول إنه مساحة تجعل المرء قادراً على نقل الواقع وربما السخرية منه أو الثورة عليه، ضمن إطار اللوحة المربعة.

الطبيعة

وقال الفنان هيمت علي عن أعماله: «حاولت أن اقدم الطبيعة بأسلوب مختلف، لأن الطبيعة موجودة في اعمالي دائما، منذ بدايتي كان اسمي الانسان والارض ومع الوقت اختفى الزمن، ولم تبق سوى الارض التي أراها تعوض الانسان، ولهذا أقدم الطبيعة، هذا الفضاء بين السماء والارض، والذي أراه ليس فارغاً». وحول الكتب الفنية التي قدمها، قال: «طرحت السؤال على عدد من الشعراء العرب والعالميين، وكتبوا كلهم رسائل الى عشتار، وبالتالي هذا الكتاب الفني اعمل عليه منذ 10 سنوات، وفيه وضعت رسائل الشعراء لعشتار مع تمثالها. واعتبر ان الكتب، تعتبر مذكرات، وأحيانا أرى الكتب الفنية أجمل من اللوحات». واعتبر علي أن عمله تلقائي، لكنه عبارة عن مخزون داخلي أيضا، وبالتالي هذا الذي يجعل الناس تقدم أشياء جديدة، معتبراً ان «التكرار قد يكون موجوداً أحياناً، ولكن الزمن يختلف، ولهذا ارى انه حتى التكرار يختلف، وأعتبر الاعمال غير المباشرة أكثر عمقاً في الطرح». بينما اعتبر الفنان عمار داوود، أنه «يختصر أعماله بكلمة الاركولوجيا البصرية، فكما التوسع في الحفر يجعلنا نكتشف أشياء جديدة، وبالتالي هذا يعتمد على قراءتنا للصور في حياتنا اليومية».

ولفت الى ان الرسام حاله كحال الناس، يمر بتجارب متعددة، وبالتالي قد يضع في لوحاته إشارات، لأنه عندما تنتهي سلطة الكلام، تكون الصورة هي البديلة. ولفت الى ان اللغة البصرية، لا يمكن استبدالها بالشعر، يمكن استبدالها بالموسيقى، ولا يمكن فهمها بشكل كامل، لأنه حتى الفنان حين يرسم لا يفهم لوحاته كاملاً.

تويتر