‏أعمال لـ 7 عراقيين في «آرت سوا» دبي‏

‏«موطني».. «خبز» بالمساميـر‏

الفن يصور أسى الواقع وذكريات الماضي الجميل. تصوير: أسامة أبوغانم

‏عكست معظم الأعمال التي قدمها سبعة فنانين عراقيين في معرض «موطني»، الأوضاع السياسية التي تسيطر على العراق، فحكت أعمالهم قصص التهجير والمتفجرات، وصورت معادلات الصراع على كراسي الحكم، وعرضت صور الموت والشهداء كأرقام. وقد صورت أعمال المعرض الذي افتتح أخيراً في «آرت سوا»، اللحظة الآنية في العراق الذي اتسعت مقابره وسجونه، فكانت الأعمال مجرد أشياء لا يمكن ان تنسلخ عن حيثيات الزمان والمكان. وعلى الرغم من أن الفنانين المشاركين يعيشون في المنفى بعيداً عن بلدهم، إلا أنهم تمكنوا من رسم صورة لما يرونه ويسمعونه عن بلدهم، فكانت الأعمال بمثابة بيان احتجاجي على ما يجري في العراق، أو ضمن ما يمكن تسميته عتاب البلاد.

الأسى والتحدي

ويشارك في المعرض الذي يستمر حتى 17 أبريل الى جانب ضياء العزاوي صاحب فكرة المعرض، كل من نزار يحيى، كريم ريسان، محمود عبيدي، غسان غائب، ورافع الناصري. وقد حملت أعمالهم معاني الخراب، وبقايا ذكريات وأغراض تخلفها الحرب. بالإضافة إلى أنهم عملوا على الحلم، فكانت الأعمال مواساة لشعب العراق، أو كأنها أسلوب جديد للتضامن مع المقيمين في العراق. وحاول الفنان ضياء العزاوي، أن يبرز من خلال أشكاله أحوال الفساد، سواء في العراق أو أي مكان في العالم. كما أنه لم يتوان عن تقديم شيء من تراثه الشخصي بعرض صورة والده يرتدي العقال العراقي والذي وضع بقربه تمثالاً عالمياً يضع تصميم العقال نفسه. وعلى الرغم من اهتمام العزاوي بالنواحي الجمالية في العراق، إلا انه لم يبتعد عن السياسة في أعماله، فقدم الدبابة الأميركية وخريطة العراق الذي يسيطر عليه الدمار. بينما من جهته حاول الفنان غسان غائب، أن يجسد مشاهد الأسى والتحدي، فكانت صورة المرأة التي تجلس على الحطام، والرجل الذي يتحدى المستحيل بدفعه عجلة ثابتة لا تتحرك، فيما كانت صورة المتفجرات المتنقلة موضوعة تحت الدجاجة ومقرونة بالبيض، في مقاربة تعرض الحياة والوفاة في آن. ولم تتوقف مشاهد التفجير عند غائب، بل قدم الفنان نزار يحيى، مشاهد الخراب بوصفها «خبزاً جديداً»، حضره بالطريقة نفسها التي تحضر بها المتفجرات بالمسامير، وكأنه أراد أن يؤكد كيف باتت تحضر للعراقيين وصفات القتل لتبيد شعباً بأكمله.

 صور من الذاكرة

‏اشتمل المعرض على أعمال ارتبطت بالتراث والماضي بشكل مباشر، ومنها لوحات رافع الناصري التي صورت الطبيعة العراقية، وكأنه أراد أن يوقف الزمن عند هذه الصورة التي كونها عن بلده قبل أن يهاجر. فيما لجأ الفنان أحمد البحراني إلى الطفولة، فجسدت أعماله ذكريات حميمة كان يعيشها الفنان في طفولته على ضفاف الفرات. وقدم البحراني من خلال البلاستيك المحفور صوراً من هواجس طفولته، فكانت الأسماك والورود والفراشات، المتكررة، وعن مشاركته في المعرض، قال البحراني «على الفنان أن يقدم شيئاً ايجابياً، لأنه لا يمكن أن أعرف ما يحصل في العراق اليوم، فالصورة ضبابية». ولفت الى «وجوب نقل الواقع حتى لو لم اختبره، وأني أرفض ما يحصل في العراق، وبالتالي غادرت لأني رفضت الواقع، ولهذا حافظت على الصور الايجابية عن بلدي وطفولتي هناك، كما أن المعرض كله رسالة واضحة بأن الفنان العراقي مازال قادراً على الإبداع».

 

رمزية الزمن

وكان لافتاً في المعرض أعمال الفنان محمود عبيد الذي صور بمجسماته مظهر الموت، ولكن ليس بالخراب، بل حاول أن يربطه بقيمة الإنسان، فكانوا كلهم شهداء يحملون في مقابرهم، أو برادات الموت أو حين يلفون بالكفن أرقاماً وهم مجهولي الهوية. كما حملت أعمال عبيد رمزية أخرى تعلقت بالزمن الذي يتقدم، حيث رصفت الجثث على رفوف ومنح كل رف تاريخاً سنوياً محدداً، في إشارة إلى أن السنوات لا يمكن أن تحضر سوى مزيد من الشهداء، الذين حتى حين نبحث عنهم في محرك البحث الخاص به لن نجد أسماءهم. بينما من جهته حاول كريم ريسان أن يبرز ما تخلفه الحرب من ذكريات أليمة، فلم يصور صورة الشهداء، بل وضع أغراض وصناديق تخلفها الحرب محترقة، وهي إشارة إلى أن كل شيء يحترق وإن ذهب البشر ستبقى بقايا رماد لا تخلد سوى قصص من الألم.

وقال ضياء العزاوي عن فكرة المعرض، «عملت على الفكرة منذ مدة، وقد فوجئت بأن معظم الأعمال التي وصلتني كانت سياسية، وهذا فعلاً جعلني أرى أن هناك صلة بين الفن والواقع، علماً بأنه في معظم البلدان يكون الفن بعيداً عن الواقع». واعتبر أن الفنان مطالب بأن تبقى أعماله تتمتع بالقيمة نفسها حتى بعد اختفاء الأوضاع التي نشأت فيها، لأن هناك أعمالاً لا تكرر». ولفت إلى «أن طبيعة الموضوع هي التي حددت المواد التي يجب أن يستخدمها الفنانون، فكانت المواد المتنوعة وشملت الستانليس والخشب والقش والبلاستيك». بينما اعتبر من جهته محمود عبيد أن «الأعمال التي قدمها تعبر عن تأثره بالوضع في العراق، ولهذا وجد أن تصوير الشهداء هو الذي يمثل بلده، لأنه يجب أن يفكر في اللحظة الحالية». وتابع «لم أتخيل الورود، فقد فقدت أصدقائي في الحرب وبالتالي لا يمكن أن أقدم شيئاً ايجابياً». وأضاف إن «نقل الانطباع المباشر مهم جداً في معارض كهذه، ولهذا من الضروري أن يرتبط باللحظة الآنية، كما أن الفن أصبح وسيلة لأوصل رسالة للناس، وبالتالي ان دخولي للاستوديو لأعمل على فن جميل بات أمنية لي، فالفن أصبح بالنسبة لي يحمل هدفاً سياسياً أكثر منه جمالياً». ولفت إلى أن «تنفيذ أفكار أعمال تجمع مواد مختلفة يكون صعباً جداً، كما أن شحن الأعمال الفنية صعب لأنه لا يُعترف بهذه الأعمال على أنها فن، فلا يمكن أن أكتب عليها ألعابا كي يتم شحنها».‏

تويتر