«المسرحية».. دراما تكشف هموم الخشبة الإماراتية

«المسرحية» تختتم عروض الدورة الثالثة من المهرجان. تصوير: زافير ويلسون

برؤية إخراجية أرادها مروان عبدالله صالح، كاشفة لهموم خشبة المسرح الإماراتي، مستفيداً من نص الكاتب طلال محمود الذي تأثر بمسرحيات عالمية، اختتمت مسرحية «المسرحية» العروض المشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان دبي لمسرح الشباب في دورته الثالثة، ليبقى إعلان قرارات لجنة التحكيم وتوصياتها، وتسليم جوائزه اليوم.

الملفت في «المسرحية» حتى قبل عرضها هوية أسرة عملها التي كانت تقريباً لمبدعي مسرحية «عنبر» أنفسهم المشاركين في دورة المهرجان السابقة، باستثناء خروج الممثل إبراهيم أستادي من الثنائية التي جمعته بالفنان حسن يوسف، نظراً لأن السياق الحدثي هذه المرة جمع بين رجل تم تقديمه في بداية العمل على أنه فنان مسرحي وامرأة جاءت خصيصاً لإنجاز الأعمال الخاصة بالماكيير والماكياج له قبل العرض، وهي الصاعدة بدور. وظل الإخراج والتأليف لصاحبي «عنبر» نفسيهما مروان عبدالله وطلال محمود، على الرغم من أن الإنتاج في تلك المسرحية التي جنت معظم جوائز المسابقة العام الماضي كان لمسرح دبي الأهلي، على خلاف «المسرحية» التي يراهن عليها هذا العام مسرح الشباب للفنون، في مؤشر أيضاً على ظاهرة تكامل المسارح المحلية، وتنافسها أيضاً من أجل احتضان الجيل المسرحي الصاعد.

عمل مركب

مسرحية داخل مسرحية، يعيش فيها المتلقي والمبدع على الخشبة حالة تلاحم وجداني خاصة، يعري فيها الممثلان الوحيدان هموم المهنة وأرقها اليومي، لتنكشف الستارة الرئيسة لمسرح ندوة الثقافة والعلوم التي تستضيف الحدث عن مسرح آخر وستارة أخرى، ومساحة منزوية لاستبدال الملابس، ومجموعة كتب مصفوفة بنظام رتيب على جانب آخر، وشنطة فنان تحتوي على أقنعة متلوّنة وإكسسوارات متباينة تساعده على إقناع المشاهد بتلوّنات شخوصه، فيما يتسمر هو أمام مرآة عتيقة مستسلماً لفرش امرأة تضع على وجهه الماكياج الأنسب لشخصية اليوم.

تلك المساحة الزمنية في الكواليس بين الاستعداد للعرض والعرض نفسه رصدها المخرج من جوانب عدة، اهتم فيها بفضح الدقائق النفسية المضطربة للممثل، بين العبقرية والجنون، الضحك والبكاء، الكراهية الشديدة والعشق إلى حد الوله، الاعتداد بالنفس والسخرية الموجعة من انتمائه للمسرح، وعدد هائل من ثنائيات دفع بها مروان، من دون أن ينسى الزج بنا في تضادات حسية أخرى، تعلق أحدها بعنصر الإضاءة التي تحوّلت في لحظة من شديدة الإبهار، إلى كاملة العتمة في توقيت درامي مبرر.

«مخرج يبحث عن جوائز المهرجان هماً أولياً له، وممثل لا يحترم مواعيد التمارين المسرحية ظناً منه أن التأخير ثمة الكبار، ومهندس إضاءة ليس خبيراً بفنيات عمله».. توصيف مرير لبطل «المسرحية» للوسط الذي ينتمي إليه، لكنه يصر دائماً على أن «المسرح هو الحياة وصوت الشعب وحاوي همومهم وأسرارهم معاً»، لكن ضحكة ساخرة يطلقها تحيل كل هذه القناعات للضد أيضاً وتنقلنا إلى أنها أقاويل معكوسة لقناعة رجل قابع خلف المرآة.. خاضع لماكياج جديد بأنامل امرأة.

ليس كل ما يربط المحتوى الدرامي للعمل ويميزه عن أعمال عالمية مشابهة هو الإحالة للإعلام المساهمين في تأسيس المسرح المحلي، كما يمكن أن تنقله قراءة أولى، بل إن مخرج العمل يرى بأن ثمة تشابه بين كل فنان مسرحي إماراتي وملامح بطله النفسية في لحظة الكشف وسقوط الأقنعة داخل الخشبة، وتصريح البطل بأنه ليس بطلا، أو بالأحرى ليس ممثلاً أو مخرجاً أو فنيا، بل هو فقط «فراش المسرح» الذي اقترب من كل أسرار العمل المسرحي من دون أن يجرؤ على ممارسته، وقرأ كتب تفصل فنيات كل المدارس المسرحية، من دون أن يتمكن من مجرد إبداء وجهة نظر فنية، يقدم الشاي والقهوة لمن يأمره، في حين أنه يمتلك حسب اعتقاده قدرات أكبر بكثير من المخرج والممثلين والأطقم الفنية جميعاً.

التشابه الذي يؤكد عليه مروان بين بطله والفنان الإماراتي يجعله يصرح لـ«الإمارات اليوم» «نعم الفنان الإماراتي في (المسرحية) هو فراش المسرح بكامل ملامحه وإحباطاته، وأيضاً طموحاته التي لم تتحقق»، مشيراً أيضاً في سياق آخر إلى أن «الفنان الإماراتي المحترف كثيراً ما يضطر إلى الوقوف على الخشبة، من دون مقابل يتناسب مع قدره الفني على نحو يجعل مستواه الاجتماعي متعادلاً مع مرتبة الفراش»، طارحاً تساؤلات حول الطفرة الأدبية أو المادية لمسرحيين مهمين، قادوا المسرح المحلي إلى التمثيل الدولي، مثل الفنان ناجي الحاي وغيره.

درس مخلص

واعتبر الناقد المسرحي يحيى الحاج أن العمل يعد درساً مخلصاً لتقنيات الممثل المسرحي، لافتاً إلى أنه «لا يعتبر بوجود كبير تناص بين (المسرحية) وأعمال عالمية قريبة، مثل نص لتشيكوف يغوص في أعماق مهرج مسرحي»، مشيداً بشكل خاص باختيار المخرج لثنائي المشهد التمثيلي، حسن يوسف وبدور، معتبراً أنهما إضافة حقيقية لثنائيات فنية كثيرة موجودة في المسرح الإماراتي الذي وجه إليه تحذيراً فنياً بقدوم موجة مميزة من الشاب الموهوب الذين يقدمهم مسرح الشباب، طارحاً أمامهم فرصة مهمة لمنافسة الكبار في أيام الشارقة المسرحية.

ورأى الفنان مرعي الحليان في العمل مساحة مشروعة لمناقشة هموم الفنانيين الإماراتيين قطاعاً مهماً وعريضاً في المجتمع المحلي، في عمل مسرحي رآه خارجا عن نمطية المألوف على نحو أكثر عمقاً من مسرحية «أحلام مسعود» لسالم الحتاوي، لكنه أشار إلى إشكالية عدم وصول الممثلين، وخصوصا بدور، إلى مرحلة تقنع المتلقي بتلقائيتهما، وبشكل خاص من خلال أحاديث حقيقية تدور في الكواليس، معتبراً المسرح الآخر الذي تحتويه الخشبة الحقيقية، كان من المفترض أن يكون مساحة مثالية للتطهير والكشف، وهو أمر لم يكن موجوداً بسبب ابتعاد الممثلين عن الواقعية في التمثيل على الرغم من أن الفرصة كانت سانحة لأن يظهروا بذواتهم الحقيقية.

مفاجأة المتلقي

في المقابل، رأى رئيس لجنة المشاهدة الفنان حسن رجب، أن هناك خبرة وطاقة تمثيلية أكبر لدى كل من الممثلين، لم يتم استثمارها على النحو الأفضل. واعتبر أن التركيز على قضية وحيدة رئيسة ميزة افتقدها المؤلف الذي عرج بنا لقضايا متعددة، واصفاً تجربة مروان عبدالله بشكل عام بـ«المغامرة الجيدة».

وانتقد الفنان أحمد الجسمي بشكل خاص وصول العمل إلى درجة من المباشرة، إلى الحد الذي يجعل المتلقي يكتشف بمفاجأة أن البطل الرئيس الذي يتم تقديمه في العمل على أنه ممثل ليس سوى فراش في سياق الحدث الدرامي، وهو أمر كان من المفترض أن يظل بمثابة المفاجأة للمتلقي، لافتاً إلى أن المخرج أيضاً فاته أن يضيق مربع التمثيل على المسرح الذي انفتح على نحو مبالغ فيه، وسبب تشتيتاً ملحوظاً لفنيي الإضاءة، ومن ثم الجمهور.

وأكد رئيس المهرجان عمر غباش أن التجارب التي تم تقديمها في دورة المهرجان كشفت عن مواهب شبابية ناضجة قادرة على منافسة «الكبار» بالفعل، معتبراً مروان عبدالله وطلال محمود وحسن يوسف الذين يعملون معاً للعام الثاني على التوالي مثلثا مسرحيا شابا ستغدو منافسته شدية الصعوبة على خشبات المسارح المحلية، في حال استمراريته في التألق وتجويد أدواته الفنية.

 أضواء وحميمية 

 

خضعت خشبة مسرح ندوة الثقافة والعلوم في دبي لموجة تهنئة لم يقطعها سوى حلول الموعد المقرر للندوة التطبيقية عن مسرحية «المسرحية» التي عاشت أسرتها أجواء النجومية في ظل أضواء تختلف عن التي استخدموها في عملهم المختتم لعروض مهرجان دبي لمسرح الشباب في دورته الثالثة الخاصة بالمسابقة الرسمية، وهي أضواء اللقاءات التلفزيونية الحصرية لـ«سما دبي»، باعتبار مؤسسة دبي للإعلام الراعي الإعلامي الحصري للمهرجان، فضلاً عن عدسات مصوري الدوريات الصحافية.

وكان عدد كبير من المنتمين للوسطين الثقافي والفني حاضراً على الخشبة، وعلى حافتها بانتظار تقديم التهنئة، وهو أمر لمست حميميته «الإمارات اليوم» في لقطات متعددة وصلت إلى حد البكاء بالنسبة للمشرف العام على العمل الفنان ناجي الحاي، وأحد أكثر الداعمين للجيل الشاب، وأيضاً نائب رئيس مجلس دبي للثقافة والعلوم الأديب محمد المر، ومدير المشاريع في الهيئة سعيد النابودة، والمستشار الثقافي للهيئة الدكتور صلاح القاسم، والمدير التنفيذي للثقافة والفنون في وزارة الثقافة والشباب وخدمة المجتمع بلال البدور.

وكان الحضور الفني أيضاً هائلاً، فالفنانة هدى الخطيب، مثالا، رصدتها الكاميرا للمرة الأولى في عروض المهرجان، وجاءت أم الفنانين الإماراتيين مريم سلطان أيضاً للمرة الثانية. وكان الإعجاب النقدي بادياً على وجوه أعضاء لجنة التحكيم، سميرة أحمد ومحمد سعيد السلطي وعبدالإله عبدالقادر، وهم سيجدون صعوبة كبيرة في توزيع جوائز كثيرة بين «الطين والزجاج» للمخرج حمد عبدالرزاق، و«المسرحية» لمروان عبدالله، من دون أن يخلو «شبابيك» صاحبة العرض الافتتاحي و«عندما تتنفس الصخور» من حضور ما على منصة توزيع الجوائز اليوم، وفق رؤية لا تستبق النتيجة النهائية لثالث دورات مهرجان الشباب.


 

تويتر