«القيد».. طاقات تمثيلية مهدرة

فكرة اتكاء النص على معالجة ظاهرة العبودية كانت الأكثر إشكالاً في العمل.                           تصوير: تشاندرا بالان

كل الشواهد كانت تؤشر إلى أن ليلة مهرجان دبي السابع للشباب ستكون مختلفة، فعصرها يشهد ندوة شديدة الأهمية تتحدث فيها شخصية العام للمهرجان الفنان ناجي الحاي الذي يعد أحد أبرز الفاعلين في مسار المسرح المحلي عموماً، وتحفيز المواهب الصاعدة في كل جيل بشكل خاص، فضلاً عن شهادات قدمها مسرحيون في الحاي أرادوها بمثابة لمسة وفاء للرجل الذي يشغل أيضاً منصب وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية، فيما كانت السهرة المسرحية المسائية مسرحية «القيد» لمسرح دبي الشعبي، من إخراج حمد الحمادي الذي يمتلك تجربة سابقة في مهرجان العام الماضي، وتأليف عبدالله صالح الذي اختير شخصية العام في دورة المهرجان السابقة، أما الممثلون فمعظمهم أسماء موجودة بقوة على الساحة المسرحية مثل: صوغة وغانم ناصر وعبدالله الباهتي وعادل خميس، وايضاً محمد السعدي الذي يمتلك تجربة إخراجية سينمائية، إلا أن «القيد» لم يستطع استثمار تلك الطاقات، وخرج العمل المسرحي أقل بكثير من قدرات المواهب التي جمعها.

الفعل المسرحي على الخشبة نقل الحضور إلى مشهد أسري يتنازع فيه ابن عاق «غانم ناصر» مع والدته القعيدة «صوغة»، على ضرورة بيع ما تبقى من ميراث الأب وهو البيت الذي يسكنونه، بعدما أضاع الابن كل الممتلكات الموروثة، وفي خلفية تلك العلاقة يظهر أحد خادمي البيت ذو البشرة السوداء على علاقة حميمة بالأم، قبل أن تكشف الأحداث أن هذا الرجل الذي تم تقديمه مسرحياً على نحو يشبه العبد الأسود، هو الأب الحقيقي للابن العاق، بعدما أجبره الثري الراحل على التنازل عن صغيره وزوجته، لكن موت الثري دفع بأحد إخوته إلى رفع قضية تشكيك في نسب الشاب الوحيد الذي يحمل اسمه على خلفية أن الفحوص الطبية السابقة تؤكد أنه عقيم، بهدف الحصول على ما تبقى من ميراث.

نمطية

القصة الدرامية تلك على الرغم من تكرار فكرتها في أعمال مسرحية وتلفزيونية كثيرة، كان من الممكن أن تنسج تفاعلاً جماهيرياً كبيراً معها في قاعة مسرح ندوة الثقافة والعلوم، لكن الحضور فوجئوا بأن الممثلة التي أجادت على خشبات مسارح عدة وفي أعمال تلفزيونية كان آخرها دورها الكوميدي المحوري في «عجيب غريب» لم تستطع أن تكون مقنعة في دور شديد النمطية على الرغم من محوريته، وهو أمر لم يخرج عنه أيضاً الممثلون الرئيسون الذين يعدون بالأساس مواهب تمثيلية واعدة على الخشبة، الأمر الذي دفع بعض الحضور للندوة التطبيقية يذهبون إلى أن المخرج الحمادي لم يستطع استثمـار طاقـات ممثليـه، وهـو أمـر وجـد اعتراضاً مخلصاً لممثلـة شابـة رأت أن «شماعة المخرج لا تستحق أن يُعلق عليها كل أخطاء العمل المسرحي»، إذ قالت الفنانة الصاعدة غوشة مبارك التي فازت بجائزة أفضل ممثلة في دورة المهرجان الأولى «ماذا سيفعل المخرج إذا لم يكن الممثل متحمساً لدوره، وساعياً للإلمام بتفاصيله. الممثل مسؤول عن تجويد ما يقدمه، ويفترض أن يُنسب النجاح أو الإخفاق في إقناع المشاهد بأدوارهـم للمؤدين انفسهم وليس المخرج».

اختزال

فكرة اتكاء النص على معالجة ظاهرة العبودية كانت الأكثر إشكالاً في العمل، في ظل مهرجان شاب تنتظره الكثير من القضايا، وهو أمر أكد المؤلف عبدالله صالح لـ«الإمارات اليوم» أنه لم يكن يقصد المعالجة المباشرة لقضية لم تعد من إشكالات العصر الحديث في ظاهرها، لكنها أخذت في الوقت نفسه أشكالاً جديدة بعيدة عن شكلها التقليدي، محيلاً أيضاً إلى ان بعض رواسب الظاهرة المعالجة مازال معاشاً، ولافتاً إلى أن هناك قضايا جزئية كثيرة عالجتها المسرحية بخلاف قضية العبودية، مثل عقوق الوالدين، وأصدقاء السوء، وغيرهما مما له تماس بقضايا الشباب المعاصرة، في حال عدم وصول المغزى الحقيقي للربط بين القضية المحورية ومهرجان يحتفي بالشباب.

وأشار صالح إلى أن النص الأصلي كما كتبه جرى اختزاله من قبل المخرج، الأمر الذي أفقده الكثير من الدلالات، مؤكداً أنه في هذا السياق فضل منح الحرية الكاملة للمخرج الشاب، لاسيما أن الإشراف العام على العمل لصالح نفسه.

على الرغم من ذلك حفل العمل بجماليات متعددة على الرغم من اشكاليات الإضاءة، ابرزها تمثل في هذا الربط اللا شعوري بين مفردات الديكور على قلتها، واسم المسرحية «القيد»، إلى الحد الذي جعل أشباه ضلوع القفص الخشبي المعلقة في أعلى المنزل على نحو عشوائي، تنسدل في المشهد الأخير ناسجة ما يشبه الزنزانة الخشبية أو القيد على الأم القعيدة، فيما امتدت حبال خطايا الماضي إلى الابن العاق على شكل ثعبان عملاق يتلوى، أما الاسترجاع الزمني لقصة سطوة الأب الراحل واستعباده لمخدومه وتجريده من ابنه وزوجته، فابتكر له المخرج حلاً رشيقاً عبر ظهور الأب نفسه ليقص بطريقة أشبه بتلك التي يمثل فيها المجرمون طرق ارتكاب جرائمهم الفظيعة أمام جهات التحقيق الأمني، ليكون الحكم البشري العادل هو التفاف الحبل الثعباني المخيف نفسه ليطوق ذلك الطاغية الذي رحل، وأيضاً الرجل ذا البشرة السوداء، لتكون سيادة حالة الموات والظلام بمثابة خلاص عادل للجميع، المفرط في حقه، ومنتهك هذا الحق.

مداخلات

الفنان مرعي الحليان تمنى في مداخلته لو أن المخرج حمل حلولاً أخرى تعالج فكرة القيد على نحو يربط القضية الأساسية بمشكلات أكثر معاصرة، أما الفنان أحمد الجسمي فرأى أن العرض طغى على الممثلين لأن المخرج لم يهتم باستثمار طاقاتهم التمثيلية، خصوصاً صوغة وعبدالله الباهتي، متمنياً من المخرجين الشباب اهتماماً أكثر بالطاقم التمثيلي من دون ان يكون الشكل المسرحي هو محور اهتمامهم الوحيد.

من جانبه، رأى الدكتور محمد يوسف أن هناك إسقاطات درامية مهمة لم يتمكن المشاهد من قراءتها على وجوه الممثلين، وهو أمر رأى أن الاتكاء على ضخ الدخان المستعار، أسهم في تفاقم تلك الإشكالية، مشيراً إلى أن إشكالات الإضاءة المصاحبة لـ«القيد» امتداد لإشكالية ممتدة عبر عروض معظم مسرحيات المهرجان هذا العام.

أما الفنان بلال عبدالله فطالب بالتماس العذر لأسرة «القيد»، خصوصاً في ما يتعلق بالجانب الفني والتقني الذي لم يتوافر له سوى 24 ساعة فقط قبل العرض من أجل التعايش مع مساحات مسرح «الندوة» سواء في ما يتعلق بالديكور أو الإضاءة وغيرها.

 

مطالبات

مطالبة المسرحيين حضور الندوة الخاصة بناجي الحاي الذي اُختير شخصية العام لمهرجان الشباب، كفنان قدير متمسك بوجوده المهم على الساحة الفنية، كانت واحدة من أكثر اللحظات المؤثرة في مدار أيام المهرجان السبعة الماضية، بعدما أشيع بأن الحاي توقف عن الإخراج والكتابة والتمثيل المسرحي بسبب ارتباطاته الوظيفية في وزارة الشؤون الاجتماعية.

الحاي وعد بالبقاء قريباً من «الخشبة»، معرباً لمقربين بأن التقاعد القريب من العمل الحكومي سيمثل انفتاحاً كبيراً على العمل المسرحي، فيما كشف مستشار هيئة دبي للثقافة والفنون الدكتور صلاح القاسم، أن هناك مشروعاً للهيئة يهدف إلى الاستفادة من خبرة الحاي المسرحية في توجيه الطاقات المسرحية الشابة، مشيراً إلى أنه عاد من أميركا التي قصدها بهدف استكمال دراسته خصوصاً ذات يوم لمشاهدة مسرحية «حبة رمل» للحاي.

شهادة الفنانة سميرة أحمد حملت أمنيات طالت من دون ان تتحقق، وهي أن تشارك في عمل يخرجه الحاي، بعدما رافقته سابقاً ممثلاً على خشبة المسرح، فيما ذكرت هدى الخطيب بخطوتها الأولى التي كانت مدفوعة بتقديم الحاي لها، أما محمد عبدالله فلفت إلى أن إنجازات المسرح المحلي لا يمكن أن تُذكر في سياق يبتعد عن ذكر الحاي الذي أشار الناقد السوداني المهم يحيى الحاج إلى تأثير دراساته في مجال علم النفس في عمله المسرحي إخراجاً وتأليفاً وتمثيلاً.



رحلة

شهدت الندوة الخاصة بالفنان ناجي الحاي وأدارها الفنان مرعي الحليان، عرض مشوار الحاي مع المسرح، والذي بدأ في عام 1978 عندما اتخذ مجموعة من تلاميذ ثانوية دبي قراراً بإقامة أول مسرحية في تاريخ المسرح المدرسي بالإمارة، واتفقوا على أن يكون عنوانها «عيادة الراحة»، وتولى أحد هؤلاء التلاميذ وهو سيف المري، الدور الرئيس في المسرحية، دور الطبيب الذي لا يشفى من يقصده للعلاج، بينما قام تلميذ آخر بدور الأخ المتزن لهذا الطبيب، وهو التلميذ ناجي الحاي، وشارك في هذه المسرحية التي كان أعضاؤها يتدربون في فناء المدرسة تلاميذ آخرون منهم أحمد الشيخ - المرافق الإعلامي لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ومدير عام مؤسسة دبي للإعلام حالياً - وآخرون، إلى أن وصل إلى إخراج مسرحية «باب البراحة» التي مثل بها الإمارات في مهرجان طرطوشة الدولي بإسبانيا.

في السياق ذاته يضيف الحاي لـ «الإمارات اليوم» «أشعر بذاتي مخرجاً اكثر من أي شيء آخر، وكأن حصاد عقود من التمثيل لم تكن إلا طريقاً للكتابة المسرحية، بينما الكتابة نفسها كفعل لم تستفزني إلا من أجل إخراج عمل أؤمن برؤاه، ولو وجدت هذا النص لما كتبت»، مضيفاً «عملي في وزارة الشؤون الاجتماعية يمثل نبراساً بالنسبة لي سواء في الكتابة أو الإخراج، فهو إطار زاخر بحالات إنسانية خاصة كل منها يشكل عالماً قائماً بذاته، ما بين مسنين إلى أيتام، ومن أرامل إلى مطلقات، ومعوزين وذوي احتياجات خاصة، إنه العالم الأهم في حياة المسرح حيث المهمشين والبسطاء والنماذج الحقيقية من البشر».

 
تويتر