رزيقة طارش: الدراما المحلية تـتهيأ لنقلة تاريخية

رزيفة طارش..أداء درامي متنوع عبر عشرات الأعمال التلفزيونية والإذاعية والمسرحية.تصوير: أسامة أبو غانم

حضورها الإعلامي قليل، ولا يعكس حجم وجودها المؤثر في الساحة المحلية والخليجية في شتى مجالات العمل الدرامي إذاعياً وتلفزيونياً وأيضاً مسرحياً، من خلال أداء احترافي عالٍ تُفاجِأ به المخرجون الذين يتعاملون معها للمرة الأولى دائماً، فالإماراتية القديرة رزيقة طارش التي نشأت موهبتها الفنية وترعرعت على خشبات المسارح المحلية، لا تحتاج في الغالب سوى نظرة سريعة على السيناريو من أجل التفاعل مع طبيعة الشخصية المنوط بها تجسيدها على اختلاف تنوع ملامحها الإنسانية، وهو ما ترجمته عملياً خلال خمس شخصيات جسدتها دفعة واحدة، عبر خمسة أعمال درامية عُرِضت على شاشات محلية وخليجية خلال شهر رمضان الماضي، ومنذ ظهورها المتألق في السبعينات من القرن الماضي، مازالت تلعب على وتر التنوع الذي أتاح لها فرصاً أكبر من نظيراتها لإظهار موهبتها التمثيلية.

لكن مسلسلات طارش الأخيرة ليست سوى إحدى محطاتها الفنية، التي مازالت تحوي الكثير، أقربها متعلقة بأعمال مرتبطة بالعرض على شاشتي دبي وأبوظبي الفضائيتين خلال رمضان المقبل، ورغم تنامي صناعة الدراما المحلية في السنوات الثلاث الأخيرة إلا أن الفنانة المخضرمة تخشى على هذا المنحنى التصاعدي من آفة «تفاقم ظاهرة المشروعات الفردية، وعدم الالتفاف حول جهود مؤسساتية واضحة في مجال الإنتاج»، مضيفة أن «الإنتاج الكويتي ظل مسيطراً في مجال الدراما التلفزيونية الخليجية لعقود طويلة، ومازال بسبب وجود الدعم والتخطيط المؤسساتي الذي يتعدى مجرد الأمنيات الطيبة، إلى السعي لخلق قاعدة تدعم هذه الصناعة، من خلال إنشاء معاهد تخرّج ممثلين مؤهلين للمشاركة الفاعلة في الأعمال الدرامية»، مؤكدة في الوقت ذاته أن «هناك اهتماماً رسمياً بدأ يفصح عن وجوده إماراتياً دفع الدراما المحلية إلى مشارف مرحلة جديدة من الإبداع».

«كسولة»
طارش التي عرفت طعم التكريم الخليجي في أكثر من مناسبة أبرزها مهرجان المسرح الخليجي في البحرين منذ نحو ثلاث سنوات، بصفتها رائدة في مجال الدراما الإذاعية والتلفزيونية والمسرحية، مازالت بعيدة عن مجال التكريم المحلي وأيضاً العربي بشكل عام، وهو ما كان محور تساؤل لـ«الإمارات اليوم»، أجابت عنه بدموع محبوسة وإجابة غير منطقية هي «ربما لأني كسولة.. أو مقصرة في التواصل مع وسائل الإعلام المكتوبة بشكل خاص»، من دون أن تتيح فرصة لمزيد من التفاصيل في هذا الخصوص.

انطباع أول
وحول الآلية التي تحكم خياراتها الفنية في النصوص التي تعرض عليها قالت طارش إن «النص هو الانطباع الأول الذي أعول عليه في هذا المجال، ثم يأتي بعد ذلك اسم المخرج وجهة الإنتاج؛ لأن هذه هي أضلاع أي عمل درامي، ومن خلال تجربتي فإن النص الجيد منفرداً لا يمكن أن يخلق عملاً جيداً، حتى وإن توافر له طاقم تمثيلي جيد، كما أن الرؤية الإخراجية المتقنة لا تصنع بمفردها مجداً تمثيلياً مهما دعّمتها طاقة إنتاجية استثنائية».

وأضافت طارش أن هناك معياراً آخر «شديد الأهمية بالنسبة لي، وهو تنوع الأدوار، لاسيما في ما يتعلق بالمسلسلات التي من المتوقع أن تُبث بشكل متزامن، لذلك سيجد المتابع اختلافاً في طبيعة دوري في ما يتعلق بالمسلسلات الخمسة التي قدمتها وعُرضت خلال رمضان الماضي، حيث شاركت في 10 حلقات من «حاير طاير» كان لكل واحدة منها طابعها الخاص، فيما حمل مسلسل «عائلة بوسالم»، الذي عُرض على قناة الكويت وشاركني في بطولته غانم الصالح ومنى شداد وعبدالرحمن العدل وسعاد علي، طابعاً مأساوياً تمثل في المشكلات المادية التي تنشأ عن الشراكة بين الإخوة والنزاع على المال حينما يختلط برباط القرابة».

وتضيف طارش «هنا المحتوى الدرامي مختلف تماماً عن مسلسل «بقايا الأمس» الذي شاركني في بطولته غازي حسين ومحمد المنيع وفخرية خميس وشمعة محمد، وقُدم على القناة نفسها، أما مسلسل «حظ نصيب» الذي عُرض على «دبي الفضائية»، في التوقيت نفسه أيضاً، فقد أعادنا إلى خمسينات القرن الماضي في أجواء قصة إنسانية شديدة الخصوصية دارت حول شخص (نصيب) الذي تغيرت خصاله الإنسانية بتغير حالته المادية ليبدل الوفاء الزوجي بخيانات بعد توافر المال لديه».

ويبقى مسلسل «أبلة نورة» الذي عُرِض أيضاً على «دبي الفضائية» بمثابة حالة خاصة بالنسبة لطارش التي قالت: «هذا المسلسل تحديداً أُنتج كي يُعرض خلال رمضان قبل الماضي، لكن لظروف إنتاجية تم تأجيله إلى رمضان الماضي، فضلاً عن أنه ينتمي لنوعية الأعمال التي لا يجوز عرضها بالنسبة لي؛ لأنه مع العملاقة حياة الفهد التي تحرص على مشاركتي في كل أعمالها الأخيرة بدءاً من «عندما تغني الزهور» مروراً بـ«الفرية»، وغيرهما».

في هذا الإطار برّرت طارش تكرار مشاركتها في أدوار غير رئيسة أحياناً مع الفنانة حياة الفهد بقولها: «العمل مع الفهد في حد ذاته إحدى الشهادات الفنية التي يعتز بها أي ممثل خليجي، فضلاً عن أنها معروفة بحسن اختيارها للنصوص والجهات الإخراجية والإنتاجية، في الوقت الذي يطمئن كل أفراد اسرة العمل لمجرد وجودها بأن متابعة جماهيرية واحتفاء خاصاً من القنوات الفضائية سوف يكونان بانتظار العمل، وبالنسبة لي فإن دعوة الفهد لي بشكل خاص للاشتراك في المسلسلات التي تقوم ببطولتها غير قابلة لأن ترد خائبة مهما كانت ظروفي الخاصة أو درجة ارتباطي بأعمال أخرى».

«الله يا دنيا»
وحول أبرز الأعمال المسرحية بالنسبة لها اعتبرت طارش أن مسرحية «الله يا دنيا»، التي قدمتها مع جمعة الحـلاوي وأشرف عليها المسرحي الكويتي القدير صقر الرشود عام 1975 ستظل شديدة الخصوصية بالنسبة لها، فيما تذكرت باعتزاز وأسى مسلسل «أشحفان» مع الفنان الإماراتي سلطان الشاعر الذي يلازم فراش المرض منذ سنوات طويلة.

طارش التي اشتهرت أيضاً بعدد كبير من المسلسلات الإذاعية أشهرها «عنزة لو طارت» من تأليف البحريني محمد ياسين، وبثته إذاعة أبوظبي للمرة الأولى عام 1977 و«عذاب الضمير» الذي قامت بكتابته ومشاركة سميرة أحمد وأحمد الجسمي وعائشة عبدالرحمن في بطولته عام 1975 دعت في الوقت نفسه إلى إعادة الاهتمام بهذا النوع من الأعمال الدرامية الذي أوشك أن تستخرج له شهادة وفاة إبداعية في مختلف الإذاعات المحلية.

الرأي الآخر
«مَنْ كان منكم أعلى من مستوى النقد فقط عليه ألا يحفل بآراء الآخرين»، بهذه العبارة المختزلة دعت الفنانة الإماراتية رزيقة طارش الجيل الشاب من الممثلين والممثلات إلى السعي للاستفادة من خبرات الآخرين وتقبل

آرائهم وإرشاداتهم، مضيفة «أخشى على هذا الصرح الدرامي الصاعد بناؤه في الإمارات من مشكلات تضخم الأنا، لدى الجيل الذي يمثل مستقبل الدراما الإماراتية، فكلنا بحاجة إلى التعلم وبحاجة إلى التوجيه والإرشاد

حتى تستقيم تجاربنا، لكن الكثير من الصاعدين في مجال الدراما حالياً يتعاملون مع النصيحة بمفهوم خاطئ يخرج بها من مجال النقد إلى الانتقاد».

 معجبة 
اقتحمت لقاء «الإمارات اليوم» بالفنانة رزيقة طارش في فندق إنتركونتننتال دبي، فتاة إماراتية شابة، من دون الالتفات كثيراً لخصوصية إجراء حوار صحافي، واندفعت إلى عناق طارش بشكل مؤثر، تلته قبلات وعبارات ثناء شديدة الإعجاب بأداء الممثلة المخضرمة، وبعد مرور نحو 10 دقائق تذكرت «المعجبة» أنها قطعت حواراً صحافياً خاصاً رصدتها خلاله كاميرا الزميل أسامة أبوغانم.

المعجبة الشابة التي تشغل منصباً إدارياً في بنك الإمارات رفضت ذكر اسمها أو نشر صورة اللقاء العفوي الحار، مضيفة أنها نشأت على مسلسلات رزيقة طارش التي تحتفظ بكل أعمالها على اسطوانات مدمجة، و«تمنيت لقاءها لأعرب لها عن تقديري ولو مصادفة، وها هي أمنيتي قد تحققت».

تويتر