المرئي و المسموع يتآلفــان في مؤسسة العويس

الأعمال التشكيلية دلت على اتجاهات فنية عدة. تصوير: موهان

تسمع عزفاً منفرداً على آلة القانون بأنامل أنثوية سورية، وترى مجموعات متنوعة من الأعمال التشكيلية المتباينة الأساليب والاتجاهات، وتصادف وجوهاً لفنانين محليين وخليجيين وعرب، ويمكن أن يستهويك أيضاً حضور أمسية شعرية لا تعدم ميزة التنوع أيضاً في التجارب الشعرية، بفضل انتماء أصحابها إلى مداس مختلفة، فيما يتمثل المشهد النقدي في ندوات تطبيقية حول اللوحات التي يضمها المعرض التشكيلي.

هذا ما يصـادف زائـر مؤسسـة العويـس الثقافية هذه الفترة التي تستضيف 80 فناناً وموسيقياً عربياً في مهرجان ثقافي بدأت فعالياته أول من أمس، في مقرها في دبي ويختتم اليوم بأمسية شعرية بعنوان «خماسي نغم شرقي» يشارك فيها الشاعران الإماراتيان سالم الزمر وإبراهيم محمد إبراهيم، والسعوديان مها سراج وأحمد زهراني، والمصري إبراهيم المصري. وشهد افتتاح الحفل حضوراً دبلوماسياً ممثلاً بنائب القنصل الكويتي حسن محمد صالح ومستشار رئيس المكتب الثقافي السعودي الدكتور سعد صالح شلاش اللذين رافقهما المدير التنفيذي لمؤسسة العويس الدكتور عبدالإله عبدالقادر والدكتور محمد المطوع عضو مجلس الأمناء، جاء مذيباً للفواصل والحواجز الوهمية بين الكلمة الشعرية واللون التشكيلي والنغم الموسيقي، وفي الوقت الذي استعذب الحضور إبداعات عازفة آلة القانـون السـورية مايا يوسف، كان الحضور نفسه يستمتع بموجودات المعرض التشكيلي في الوقت نفسه، متسائلين عن موعد الأمسية الشعرية.

للعرض فقط

الفنانة الإماراتية منى الخاجة شاركت في المعرض بلوحتين فقط من الأكريليك المنجز على القماش، لفتتا الأنظار بمجاورتهما لعبارة «للعرض فقط»، وهو ما علقت عليه لـ«الإمارات اليوم» بأنها خصت بهما ولديها، قبل أن تشارك بهما في المعرض. وفيهما حافظت الخاجة على ميلها إلى الألوان الصارخة والصريحة التي تراها الأقرب إلى همها التشكيلي الذي تسعى عبره إلى الغوص في أعماق النفس البشرية، من أجل البحث عن «اللؤلؤ البشري» على حد تعبيرها، والمتمثل في القيم الإنسانية الإيجابية، وهو ما رمزت إليه في إحدى اللوحتين بحركة الخطوط على مسطح لوني شديد الحمرة، ضاماً تغييراً لونياً يميل إلى الأبيض اللؤلؤي على سطح مساحات، في إشارة إلى سيادة مشاعر الحزن والألم التي تنشغل بعكسهما الخاجة.

الفنانة السعودية نجلاء فيلمان التي أسهمت تنظيمياً في إقامة المعرض واحدة من القلائل اللائي يملن إلى التعبير باستخدام مواد معدنية، شاركت أيضاً بعملين أحدهما احتل مساحة شديدة البروز في فضاء المعرض وهو تشكيل منجز بمادة الحديد وليس القماش، كمعظم موجودات المعرض مستغلة جماليات الفراغ المركب لخلق جدلية تشكيلية، بعيداً عن الفرشاة والألوان، وهو ما علقت عليه قائلة «أشعر بأن صرخاتي لا تستوعبها الطريقة التقليدية في إنجاز أعمال تشكيلية، لذلك لجأت إلى المادة الأقسى، وهي الحديد الذي يتشكل ويتطاوع مع أنامل امرأة في الوقت الذي لا يبدو كذلك المجتمع العالمي الذي يمارس سلطات عقابية كثيرة على الثقافة العربية».

الفنانة السعودية التشكيلية نجوى قرباني تشكل تجربتها حالة فريدة في الفن التشكيلي السعودي، حيث لم تبدأ قرباني بإنجاز لوحات تشكيليلية سوى قبل عامين فقط، رغم اقترابها من منتصف العقد الرابع من عمرها، وتشارك في المعرض بلوحتين أيضاً من الباستيل اختارت لهما عنواني: «الأمل» و «تضارب أفكار»، وهو ما بررته بقولها «لم توهب لي موهبة الرسم أو إنجاز أعمال تشكيلية فجأة بالطبع، لكنني لم أكن مهيأة نفسياً لدخول هذا العالم الثقافي المهيب المحتفي بالأعمال التشكيلية، في الوقت الذي كنت فيه شديدة الانشغال بحياتي الخاصة، وعملي الوظيفي اللذين اكتشفت بأنهما لن يحققا لي ذاتي، بعيداً عن الفرشاة والألوان، مهما توالت النجاحات».

وتتعدد موضوعات لوحات المعرض الذي يختتم اليوم، وكذا أحجام لوحاته بين الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، فيما تراوح الأسعار ما بين 1000 دولار و5000دولار. فما بين لوحة تحوي مجموعة غريبة من القطط الصغيرة محاطة بقطين سمينين للدكتورة آمنة النصيري، ووجهين آدميين متقابلين على خلفية مآذن تراثية ومدينة قديمة لمهدية أبو طالب، ورصد لوجوه مجموعة من النساء وثيابهن واللائي يقتربن بشفافيتهن اللونية إلى الفكرة عن الهيئة الملائكية المتخيلة. وكذلك رصد يقين الدليمي وجوها متباينة التعبير على 18 قطعة تشكيلية صغيرة، ورصدت سارة القاسمي لعلاقة أمومة بين بقرة وصغيرتها بألوان سادها الأبيض والأسود وغيرها من مقتنيات المعرض تباينات كثيرة، رصدها الفنان يوسف إبراهيم وآلف بينها في جدلية لوحة استأثرت باهتمام الحضور، يظهر فيها جزء من ملامح وجه بشري ركز فيه على لغة العين، فيما فاجأ المتذوق باستبدال مؤخرة الرأس محل الشق الأيمن من الوجه، في الوقت الذي تحتضن تلك المشهدية أياد متعددة، في ظل خلفية لونية شديدة التداخل،رصدت سماء معبأة بسحب حمر .

عزف أنثوي

بأنغام فيروزية وكلثومية وتركية وآذربيجانية، أبهرت عازفة القانون السورية مايا يوسف حضور مهرجان العويس الثقافي، ليس من حيث التنوع الأدائي في معزوفاتها والتنقل عبر أجواء نفسية متباينة في مقطوعات متتاليةفقط ، بل لجهة تناغم معزوفاتها المتنوعة مع تباين المشهدية اللونية الممتعة في المعرض التشكيلي، وعلى الرغم من حداثة سنها الذي لا يتعدى 24 عاماً، فإن خبرة مايا مع تلك الآلة تتجاوز 10 سنوات، بدأتها بدراسة أكاديمية في أحد المعاهد السورية المتخصصة بالموسيقى.

تخرج مايا ما في أصابعها من قطع صلبة تساعدها على العزف، تعرف اصطلاحياً «كشاتبين» وتقول لـ«الإمارات اليوم» : علاقتي بالقانون بدأت مصادفة أثناء سماعي لمقطوعة موسيقية في تاكسي دمشقي، وحينما سألني مدرس الموسيقى عن آلتي التي أنوي التخصص فيها، قفزت إلى مخيلتي جماليات تلك المقطوعة فاخترت القانون». وقبل أن تعاود يوسف مداعبتها لآلتها حرصت على ارتداء الـ«كشتبان» مضيفة « من دونه سوف تقطع الأوتار والريش أصابعي، ولن يعزف القانون».

تويتر