أفكار تائهة في سيناريو ضعيف

«حرب النجوم: الجيداي الأخير».. الحشو يدمر المجرة البعيدة في زمن سحيق

صورة

فيلم Star Wars: The Last Jedi (حرب النجوم: الجيداي الأخير)، هو الحلقة الثامنة من سلسلة حرب النجوم، والتاسع في المجموع الكلي (روغ ون كان قصة فرعية)، وهو الجزء الثاني في الثلاثية الثالثة! هل يبدو ذلك معقداً؟ لا غرابة إنه العقد الثاني من الألفية، عقد إفلاس فكري وإبداعي غير مسبوق في «هوليوود».

• أشرار بلا وزن

بعد ثلاثية لوكاس الثانية (1999-2005)، التي ركزت على قصة أناكين بشكل منفصل، ظهر «القوة تستيقظ» وهو أفضل من هذا الفيلم، الفيلمان ظهرا بقواعد أضعف، والأشرار لا وزن لهم، والقصة مألوفة جداً. الجديد في هذا الفيلم هو مجرد أفكار تائهة في السيناريو وكواكب إضافية، ما يعكس أن تلك المجرة البعيدة في زمن سحيق بدأت في التقلص.

• لورا ممثلة قوية لشخصيات بطابع معين.. وهذا أضعف أدوارها.

• بينيشيو ديل تورو قوي جداً.. لكنه غير مستغل إطلاقاً في هذا الفيلم.

اللافت في مواقع الأخبار المتخصصة في السينما، هو التفاوت الشاسع بين آراء النقاد الذين أحبوا الفيلم، وآراء معجبي السلسلة الذين كرهوه بشدة إلى درجة تقييمه 5 من 10 بالمعدل العام (حتى لحظة كتابة هذه السطور)، وهو تقييم ضعيف بالنسبة لاسم كبير مثل «حرب النجوم».

الكاتب والمخرج رايان جونسون (أخرج Looper، أحد أفضل أفلام عام 2012)، أضاف الكثير من التغييرات، لكنها ليست تغييرات بقدر ما هي استعارات من الأجزاء الأولى من «حرب النجوم»، وكذلك من أفلام الأبطال الخارقين (سوبر هيروز)، التي تسيطر عليها «ديزني» خصوصاً بعد الصفقة الأخيرة التي اشترت الأخيرة بموجبها استوديوهات «21 سنشري فوكس»، وحقوق أفلام «إكس من» التي ستنضم إلى «مارفل».

خيبة الظنون

الفيلم يبدأ من حيث انتهى الجزء السابق بعنوان «القوة تستيقظ» عام 2015، إذ تصل راي (ديزي ريدلي) إلى لوك سكاي وولكر (المخضرم مارك هاميل) فوق قمة جبل، وتمد يدها إليه حاملة السيف المضيء، وينتهي المشهد دون حوار. انتظرنا عامين متوقعين حواراً ملهماً، لكن خابت ظنوننا!

سكاي وولكر ليس متحمساً لتعليم راي أسرار قوة الجيداي أو العودة معها للانضمام للمقاومة، في حربهم الأبدية ضد النظام المسمى «فيرست أوردر»، الذي انبعث من أنقاض إمبراطورية المجرة. سكاي وولكر الذي يشبه في لباسه «أوبي وان كينوبي» من الأجزاء السابقة، ليس وحده على ذلك الكوكب المنعزل، ومن هم معه ليسوا بتلك الأهمية كذلك! هم مجرد مجموعة مخلوقات تشبه البطاريق، يبدو أنهم ضلوا الطريق إلى «بيكسار» وانتهى بهم الأمر في «حرب النجوم»! ودور تلك المخلوقات مهم في حياتنا الواقعية أكثر من خيال الفيلم، لأنها ستباع كألعاب.

بينما يلعب سكاي وولكر وراي لعبتهما المملة (سيدربها أم لن يدربها لتصبح جيداي)، تقع المقاومة في ورطة؛ إذ يبدو أن سفنهم في تناقص، والنظام يطارد فلولهم التي تغادر قاعدتهم السرية وخسائرهم فادحة. لكن قائدتهم الأميرة السابقة والجنرال ليا حالياً (الراحلة كاري فيشر في آخر دور لها) مصرة على استمرار المقاومة.

يشن الطيار الجريء بو داميرون (أوسكار آيزاك - في دور أقل من قدراته) هجوماً مضاداً ناجحاً، لكنه يتسبب في خسائر فتقع المقاومة في مصيدة. يستفيق فين (جون بوييغا) المصاب في الفيلم السابق من غيبوبته، ويتعاون مع روز تيكو (كيلي ماري تران)، والطيار بو، والروبوت بي بي 8، لتنفيذ مهمة سرية.

الأمور عند النظام - كما هي في الجزء السابق - حيث يوبخ القائد الأعلى سنوك (أندي سيركيس بالإضافة إلى مؤثرات خاصة) موظفيه كايلو رين (آدم درايفر)، والجنرال هوكس (دامنهول غليسون)، على تقصيرهما في القضاء على المقاومة.

هراء مصطبغ بفلسفة

الجيداي الأخير يعكس رؤية جونسون التي جددت «حرب النجوم»، وخلعت قالبها الكلاسيكي (ويسترن في الفضاء)، ووضعتها في شيء شبيه بالأبطال الخارقين، فمشهد تدريب راي على يد سكاي وولكر يشبه كثيراً قصص أصل الأبطال الخارقين في كيفية اكتسابهم قدراتهم، ومزج ذلك بهراء مصطبغ بفلسفة، صحيح أنه مرتبط بتطور الشخصية في ما بعد، لكنه كليشيه رأيناه عشرات المرات في أفلام «إكس من» على وجه الخصوص!

هذا المشهد تحديداً طويل جداً بمثابة قصة فرعية، وكان بالإمكان تخصيص فيلم لأجله، فهو يكاد يطغى على القصة الأصلية، وهو حتماً تسبب في إبطاء الفيلم وإطالته فوق الساعتين وربع الساعة. مواجهة راي ورين هي أفضل عنصر في الفيلم، فهو مقتنع بسحبها إلى قوى الظلام، وهي مقتنعة بسحبه إلى قوى النور. المشهد ليس أصيلاً رغم قوته، وهو نتيجة لما يحدث قبله، أو فلنقل إنه نسخة من نهاية فيلم «عودة الجيداي» عام 1983.

لو قارنا هذا الفيلم بالجزء الأول «القوة تستيقظ»، سنجد أن مخرج ذلك الفيلم جي جي أبرامز كان يلعب بحذر شديد، ويوظف النوستالجيا بقوة عن طريق ربطها بأحداث الفيلم الأول عام 1977.

جونسون بالمقابل مغامر يلعب بجرأة، ويجدد بلا حذر وبثقة عالية، لكنه يحترم إرث السلسلة إلى حد ما، ويربط فيلمه بالفيلمين الثاني والثالث «الإمبراطورية تهاجم مجدداَ» 1980، و«عودة الجيداي»، بالإضافة إلى القليل من «انتقام السيث» 2005، خصوصاً من ناحية المعارك.

جونسون كذلك يدفع ببعض عناصر الفيلم إلى نهايتها (لا شيء ينتهي في حرب النجوم أو الأبطال الخارقين، وما يغيب أو يموت أو يختفي يعود في شكل آخر، خصوصاً في عقد الإفلاس الفكري)، مما لا يترك شيئاً تقريباً لسيناريو الجزء الثالث (الحلقة التاسعة) عام 2019.

رغم ذلك.. فالفيلم لا يخلو من العيوب، أولها مدته والبطء الشديد في المنتصف، وثغرات غير منطقية في القصة ومونتاج سيئ وحقيقة لا يمكن تجاهلها أنه برمته لا يعدو محاولة لكسب الأموال من اسم قوي، هو الأكثر ربحية في تاريخ السينما.

الفيلم إجمالاً عبارة عن تسجيل لحظات ومواقف فقط، والسيناريو مجرد أداة للربط بينها. القصة بشكل عام ضعيفة، ومليئة بحشو، خصوصاً الساعة الأولى، وذلك لأن جونسون مشغول بقصة تدريب راي وشخصيتها أكثر من بقية الشخصيات. مهمة فين وبو وبي بي 8 السرية، هي الأخرى لا تعود بأي فائدة على القصة، وليست سوى حشو.

لورا ديرن ممثلة قوية لشخصيات ذات طابع معين، تظهر هنا بشعر بنفسجي كإشارة للتيار النسوي Feminism (هوليوود لا تتوقف عن تسييس أفلامها، لمواكبة حركة المواقف السياسية التصحيحية التي أطلقها أوباما)، وطبعاً هذا أضعف أدوارها. الأسوأ منها بينيشيو ديل تورو، وهو مثلها قوي جداً لكنه غير مستغل إطلاقاً في هذا الفيلم، ولا يظهر سوى في مشهدين أو ثلاثة في منتهى التفاهة. أما آدم درايفر فهو أضعف شخصية شريرة في سلسلة حرب النجوم، واختياره للدور خطأ فادح.

الملاحظ في «الجيداي الأخير» و«القوة تستيقظ» أن مؤلف السلسلة جورج لوكاس كان محقاً، عندما قال في 2005 إنه لن تكون هناك حلقة سابعة، لأنه لم يتبق هناك قصة تروى (سحب تصريحه بعد أن باع شركته لديزني).

«هوليوود» تستطيع إعادة هان سولو أو لوك أو ليا، لكن ذلك لا يعني أبداً وجود قصة قوية أو مقنعة. «عودة الجيداي» في الثمانينات رغم عيوبه كان النهاية المنطقية لرحلة سكاي وولكر وانتصاره، ونهاية أناكين والإمبراطورية والمتمردين.

تويتر