الفيلم يعزّز الشخصية المحبوبة على حساب المعقدة

«أقوى».. نجح في اختبار الإرادة ووقع في فخ المعادلة

صورة

طَرْح فيلم Stronger، أو «أقوى»، في هذا الشهر، وفي مهرجان تورنتو السينمائي، معناه انطلاق موسم الجوائز، ووجود النجم الأميركي الشاب، جيك ييلنهيله، في البطولة يشير بلاشك إلى رغبته في الحصول على التمثال الذهبي.

الفوز بـ«الأوسكار» أصبح معقداً، فلم تعد المعايير واضحة، هل يفوز الممثل بسبب قدرته على تقمّص الشخصية والأداء القوي، كما يفعل ييلنهيله هنا، أم يفوز بسبب قدرته على التحول الجسدي إلى مخلوق يصدم الجمهور بشكله وخوض اختبارات قدرة، كما فعل النجم ليوناردو ديكابريو في فيلم «ذا ريفينانت»؟ الجواب لايزال غامضاً.

القصة.. تكبر

للإطلاع على الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.


جمهور أميركا.. والواقعية

قد يتقبّل الشعب الأميركي هذا فيلم «أقوى» لأنه عن بومان، أي شخصية مكافحة من الطبقة العاملة، لكن ينبغي التنويه بأن جمهور أميركا ما بعد 11 سبتمبر أصبح لا يفضل مشاهدة أفلام مقتبسة من عناوين الصحف، أي واقعية عن هجمات إرهابية أو كوارث تقع على الأراضي الأميركية، والدليل الإخفاق الشديد لفيلمَي المخرج بيتر بيرغ «ديب ووتر هورايزون» و«يوم الوطنيين» وهو أيضاً عن تفجير ماراثون بوسطن، وكلاهما العام الماضي، وأدى بطولتهما مارك وولبيرغ، وكانا إخفاقين غير مستحقين.


فيلم «أقوى» يروي قصة المواطن الأميركي جيف بومان (ييلنهيله) الذي تعرّض لقطع قدميه عندما كان يقف عند نهاية خط ماراثون بوسطن لحظة انفجار قنبلة على شكل طنجرة ضغط في أبريل عام 2013.

يبدأ الفيلم ببومان يحاول الخروج من ورطة في عمله للحاق بمباراة فريقه المفضل ريد سوكس. ينتقل الفيلم إلى الحانة لنتعرف إلى والدته باتي (ميراندا ريتشاردسون) ووالده (كلانسي براون). هناك أيضاً صديقته إيرين (الكندية تاتيانا ماسلاني - من مسلسل أورفان بلاك)، التي ينفصل عنها ويعود إليها بين فترة وأخرى، ويتصادف أنها تشارك في الماراثون، ووقوف جيف عند خط النهاية كان محاولة منه لكسب ودها مجدداً والتصالح معها.

يقع الانفجار وينقل جيف إلى المستشفى حيث تتجمع عائلته، ويخبر الطبيب والديه أن جيف على قيد الحياة لكنه فقد قدميه. تكبر قصة جيف عندما يتمكن من مساعدة محققي مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف.بي.آي) بوصف شكل أحد الإرهابيين، الذي كان قريباً منه، وعندما يخرج من المستشفى تبدأ معاناته مع جلسات العلاج الطبيعي التي يفوّت الكثير منها، ومع محاولاته إعادة التأقلم في حياته الجديدة، إذ أصبح معاقاً بحاجة إلى مساعدة إلى مرحلة تركيب ساقيه الاصطناعيتين.

سلاح ذو حدين

أفلام السِّير الذاتية مثل سلاح ذي حدين، فأنت تعلم أنك تشاهد دراما قوية وأداء يرشح صاحبه لنيل جائزة تقديرية، لكن في الوقت نفسه أنت تعلم القصة، خصوصاً لو كانت في عناوين الصحف منذ سنوات قلائل، وأنت تعلم كذلك أن الممثل الذي تراه لن يخذلك من ناحية الأداء.

بكلمات أخرى، كل ما تشاهده متوقع في هذا الفيلم وعشرات غيره؛ وبالتالي قد يراودك شعور أن هناك شيئاً ما ليس على المستوى المطلوب. هذا الشعور صحيح تماماً، وكي نعبر عنه بكلمات أدق فهو أنك تشاهد معادلة تكررت في عشرات أفلام السير الذاتية سابقاً، وأنت قد ضجرت منها.

المخرج الأميركي ديفيد غوردون غرين - أخرج فيلم Our Brand is Crisis أو «شعارنا أزمة» منذ عامين - يحاول صنع دراما ملهمة مقتبسة من كتاب لجيف بومان، ويظهر أن غرين ظن أن أداء ييلنهيله وحده سيكفيه لصنع هذا النوع من الدراما، واكتفى بذلك فوقع في فخ المعادلة.

المعادلة في أفلام السيرة الذاتية نوعان: الأول مشاهدة شخصية من لحظة الصعود، مروراً بالذروة إلى مرحلة الأفول، والثاني هو التركيز على مرحلة أو مراحل، أو أزمة أو أزمات، من حياة الشخصية لتصوير صراعها مع تلك الأزمة، ثم التغلب عليها لتمهد للنهاية السعيدة المنتظرة. النوع الأول استُهلك تماماً، أما الثاني فبحاجة إلى مخرج صاحب رؤية ثاقبة.

كسر نمط، أو تغيير قالب، أفلام السير الذاتية، كتابة وإخراجاً، حدث بنجاح في فيلم «ستيف جوبز» منذ عامين، عندما ركّز الكاتب، ألان سوركن، على ثلاث مراحل فقط من حياة جوبز، وهي ما يحدث خلف الكواليس قبل إطلاقه ثلاثاً من منتجات شركة «أبل»، وتمكن المخرج الإنجليزي، داني بويل، من مواكبة ذلك السيناريو بإخراج تشويقي حركي لا يترك فرصة للشعور بالضجر.

أدوار لافتة

ييلنهيله يعطي أداء قوياً في الفيلم، ونحن نعلم أنه يستطيع فعل ذلك، لكن هذا الممثل في الآونة الأخيرة أصبحت له عادة تعمد الظهور في أدوار لافتة، كأنه يلمح إلى رغبته في الحصول على «الأوسكار»، وهو من حقه، إلا أن هناك أدواراً استحق فعلاً خلالها الترشح للجائزة، وهي أدوار أقوى بكثير حتى من دوره في هذا الفيلم.

في رائعتَي الكندي دينيس فلنوف «عدو» و«سجناء» عام 2013، قدم ييلنهيله أداء مذهلاً، في الأول كرجل يكتشف أن له شبيهاً طبق الأصل لم يعرف عنه من قبل، فيذهب للتعرف إليه (ييلنهيله أدى الدورين)، وفي الثاني أخذ دور المحقق لوكي الذي يحاول حل لغز اختفاء فتاتين.

بعدها قدّم ييلنهيله أداء استثنائياً في فيلم Nightcrawler أو «متسلل الليل»، عن لص يبحث عن شهرة من خلال تصوير الحوادث والجرائم في مدينة لوس أنجلوس ليلاً، وبيعها على قنوات الأخبار، وكان أكثر دور استحق عليه «الأوسكار»، إلا أنه لم يُرشح. ثم ظهر في فيلم «ساوثبو» في دور ملاكم، وكان يطمح إلى الجائزة من خلال تحوله جسدياً وتضخيم عضلاته. ثم ظهر في الفيلم الفلسفي «ديموليشن» قبل دوره المتميز في Nocturnal Animals أو «حيوانات ليلية»، الذي أدى فيه دوراً معاكساً لدوره في «نايت كرولر».. من دون مزيد من الاسترسال ييلنهيله يستطيع تنويع شخصياته كما يشاء، ويؤدي الشخصية الطيبة (حيوانات ليلية) والشريرة (عدو - ومتسلل الليل)، وهنا يؤدي شخصية رجل الشارع العادي. لو فاز ييلنهيله عن هذا الدور فسيسجل التاريخ ذلك، لكن السؤال لو لم يفز فهل سيتذكر النقاد والجماهير هذا الدور؟ أم دوره الأبرز كلص متسكع في لوس أنجلوس؟ أو حتى دوره المميز في فيلم «نهاية المناوبة» عام 2012؟

إخراجياً، غرين لم يأتِ بجديد أو مميز، وفيلمه بلا نكهة، ويركز على معاناة بومان من جهة، وصراع صديقته ووالدته على الاعتناء به من جهة أخرى. يركّز الفيلم أيضاً على وقوف مدينة بوسطن خلف بومان في إصابته واعتباره بطلاً قومياً، بينما هو لا يشاطرهم الرأي.

هناك مشكلة في هذه الجزئية، وهي أن هوليوود ترفض التخلي عن تعزيز بطولة الشخصية الأميركية المحبوبة، على حساب تقديم شخصية معقدة، وهو المطلوب في الدراما.

وتأتي مشكلة أخرى في آخر الفيلم، إذ تبدو النهاية السعيدة مقحمة جداً (قدوم مولود للزوجين جيف وإرين) لتتماشى مع قصة نجاح هذه الشخصية في عبور الأزمة الجسدية بفضل الإرادة الحديدية، لكن الواقع الذي تتجاهله هوليوود أن بومان وإرين تطلقا! ويا لها من نهاية.

تويتر