Emarat Alyoum

«ويند ريفر».. دراما جيدة رغم تعثر المشاهد الأخيرة

التاريخ:: 13 أغسطس 2017
المصدر: عرض: عبدالله القمزي
«ويند ريفر».. دراما جيدة رغم تعثر  المشاهد الأخيرة

في مايو الماضي صرح صانع الأفلام الأميركي، الأسطورة كلينت إيستوود، بأنه لا يستبعد عودته لسينما الويسترن أو رعاة البقر (الكاوبوي)، وإيستوود هو الوحيد الذي أنعش «الويسترن» مرتين في التاريخ الأولى كممثل عندما تحالف مع سيرجيو ليوني في ما عرف بأفلام «سباغيتي ويسترن» في الستينات، والثانية كمخرج وممثل عندما صنع رائعته «غير مغفور» عام 1992، وخطف أوسكارات عدة، منها أفضل فيلم وأفضل مخرج.

أداة في النصف الأخير

أولسون كما إيميلي بلانت في «سيكاريو» تتحول إلى أداة قصة في النصف الأخير من الفيلم، ما يقلل من أهميتها كشخصية رئيسة، أي أن الشخصيات الأخرى تستغلها لتحقيق غرض معين ثم تنتفي الحاجة إليها، لكن في «سيكاريو» كانت لمسة فلنوف الإخراجية هي التي حققت لشخصية بلانت المكانة والعمق المطلوبين.

الدقيقة 45

شيريدان يفتقد اللمسة الإخراجية كما عهدناها في الفيلم السابق (هيل أور هاي ووتر)، فالفيلم يجرجر الخطى عند الدقيقة 45، وفجأة بعد الساعة الأولى يرمي مفاجآته بصور متتالية.

هناك أسماء لامعة أخرى تمكنت من إضافة لمسات ذكرتنا بأمجاد ماضي هذه الأفلام، أهمها جيمس مانغولد ( 3:10 تو يوما، ولوغان)، والمكسيكي أليخاندرو غونزاليس إيناريتو (ذا ريفينانت)، وكوينتن تارانتينو (جانغو طليقا والكارهون الثمانية).

نضيف إلى هؤلاء كاتب ومخرج فيلم اليوم Wind River تيلر شيريدان، وهو صانع أفلام أثبت نفسه جيداً كممثل وكاتب، وفي هذا الفيلم للمرة الأولى ككاتب ومخرج.

فيلم «ويند ريفر» يخرج «الويسترن» من السياق التاريخي، ويضعه في هذا الزمن (نقطة سنعود إليها لاحقاً هنا)، وهي قد تكون أهم إضافة لهذا الصنف منذ التسعينات، لقدرتها على إبراز قضايا مهملة وغائبة عن طبقة من المهمشين في المجتمع الأميركي.

في وايومينغ

الفيلم مستوحى من أحداث حقيقية في محمية ويند ريفر، يقطنها سكان أصليون (هنود حمر) بولاية وايومينغ الأميركية، خلال أول أيام الربيع نرى الصياد كوري لامبرت (جيريمي رينر)، الذي يعمل لدى مؤسسة الأسماك والبراري الأميركية، وهو يصطاد أسود الجبال التي بدورها تصطاد الماشية، وبينما هو كذلك يكتشف وجود جثة فتاة متجمدة، هي صديقة لابنته المتوفاة.

بسبب مسائل تتعلق بالصلاحيات الإدارية، يضطر رئيس الشرطة المحلية بين (غراهام غرين) لاستدعاء مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)، فيرسل المكتب أقرب عميل على الأرض، وهي جين بانر (إليزابيث أولسون)، التي تصل من لاس فيغاس لتقود التحقيق في الجريمة.

بانر لا تمتلك الخبرة الكافية، فتطلب مساعدة لامبرت (مصادفة جميلة جمعت أولسون وزميلها رينر في هذا الفيلم، بعد أن أديا دوري بطلين خارقين في أفلام ذا أفينجرز)، الذي لا يتردد، كونه يعرف أسرة الضحية.

مراجعة خاطفة

في أفلامه السابقة كان شيريدان محظوظاً بالعمل مع مخرجين جيدين، العام الماضي شاهدنا له Hell or High Water أو (مهما بلغت الصعاب) من إخراج ديفيد ماكنزي، وقبله «سيكاريو» من إخراج الكندي دينيس فلنوف، والفيلمان من أجمل ما تم صنعه في صنفيهما، الأول «ويسترن حديث» كهذا والثاني بوليسي.

عودة إلى النقطة المتعلقة بإخراج «الويسترن» من سياقه، لنفهمها علينا عمل مراجعة خاطفة لتاريخ «الويسترن»، وهو الصنف السينمائي الوحيد الأميركي المنشأ. سينما «الويسترن» تعرضت لأنواع من التجديد، الأول في شكل إنعاش كما فعل إيستوود، والثاني على شكل انقلاب على القيم كما فعل سام بينكباه وكوينتن تارانتينو، والثالث خروج من السياق التاريخي كما يفعل شيريدان اليوم.

انطلقت سينما «الويسترن» في الحقبة الصامتة، وازدهرت بشدة من الثلاثينات إلى آخر الستينات من القرن الماضي، على يد الأسطورتين الراحلين جون فورد وهاوارد هوكس، وكانت تلك حقبة «الويسترن» الرومانسي عصراً ذهبياً بامتياز. في وسط الستينات انطلقت موجة فرعية بتحالف إيستوود وليوني (سباغيتي ويسترن - اكتسب التسمية بسبب تصوير بعض الأفلام في إيطاليا أو إنتاجها على يد إيطاليين)، وهي مستلهمة من سينما الساموراي اليابانية.

في آخر الستينات، وبالتزامن مع موجة إيستوود، انطلقت موجة جديدة على يد الراحل سام بينكباه الذي انقلب على قيم فورد وهوكس، وصنع ما عرف لاحقاً بـ«ويسترن ظلامي»، وهو قاتم كئيب وصف بالواقعي تميز بوضع البطل في مواقف صعبة تتحدى أخلاقيات رجولته، وانتهت تلك الحقبة في الثمانينات.

بعد ذلك عاد إيستوود مجدداً في بداية التسعينات (رغم أن كيفن كوستنر سبقه في «الرقص مع الذئاب» إلا أن إرث إيستوود كان طاغياً). ثم حدث انقلاب جديد على القيم بدخول تارانتينو على الخط في هذا العقد من خلال «جانغو طليقاً» بجعل البطل أسود البشرة، بعد أن كان هذا العنصر عبداً في الكثير من أفلام «الويسترن» السابقة (مؤرخو السينما يفضلون تسمية تشويه على انقلاب في حالة تارانتينو). ثم جاءت إضافة شيريدان المهمة بوضع «الويسترن» في الزمن الحالي، بعد أن كان محصوراً بين عامي 1850 و1890، باستثناء أفلام بيكنباه التي وضعته بين 1900 و1914.

يفتقد اللمسة

شيريدان يفتقد اللمسة الإخراجية، كما عهدناها في الفيلم السابق (هيل أور هاي ووتر)، فالفيلم يجرجر الخطى عند الدقيقة 45، وفجأة بعد الساعة الأولى يرمي مفاجآته بصور متتالية، دون تمهيد، وبجرعات عالية من الأكشن.

شيريدان بارع في ضبط النبرة، لكن ليس بالضرورة توازنها وفي الكتابة، لكن عندما يتعلق الأمر بالإخراج تظهر نواقص الفيلم. لا يبدو شيريدان مهتماً بتفاصيل القصة، خصوصاً نقطة الغموض المتعلقة بكشف القاتل، إذ يدخل مشهد استرجاعي (فلاش باك) كان سيبدو طبيعياً لو اكتفى بالتلميح دون كشف هوية القاتل، لكنه نسف الغموض وخيب الآمال.

شيريدان يبدو مشتتاً كذلك بين نقطة الانتقام والحزن على الضحية، والتنوير بأهمية موضوع التهميش الاجتماعي، إذ جاءت كلها متداخلة، ما جعل الفيلم متعثراً في المشاهد الأخيرة.

مواجهة كلاسيكية

مشهد المواجهة المكسيكية Mexican standoff كما درجت تسميتها منذ دخولها إلى السينما الأميركية من خلال تارانتينو، وهي عبارة عن ثلاثة رجال أو أكثر يشهرون مسدساتهم في وجه بعضهم بعضاً، إذ لا يتمكن أحد من التقدم أو الانسحاب من الموقف، كان جميلاً في هذا الفيلم تنفيذاً، لكنه أيضاً يفتقد اللمسة الإخراجية التمهيدية، وأثناء المواجهة كانت كاميرا شيريدان مسلطة على المواجهة من مكان واحد، فلا نرى التشكيلة التي يقف بها المتواجهون بوضوح، وبالتالي لا يعطي الموقف ما يستحقه.

تارانتينو صورها في «كلاب المستودع» من زوايا عدة، ربما لأنها كانت صغيرة، لكنها هنا كانت بحاجة إلى صورة من فوق بزاوية عريضة. مشهد إطلاق الرصاص كان جميلاً جداً، لكنه لم يسلم من الكليشيه، فواضح أن الشخصية المتغيبة عنه رغم أهميتها ستتدخل في اللحظة الحاسمة، وهو ما يستطيع المشاهد المتمرس تخمينه قبل وقوعه بفترة طويلة.

أولسون جيدة عموماً، لكن لا نشعر بصراع الشخصية غير الخبيرة، ولا ارتباكها في موقف خطر، إذ لا تعلم من معها ومن ضدها، لم تتأثر كثيراً ببرودة الجو وهي القادمة من فيغاس الدافئة. بالمقارنة يشعر المشاهد بمعاناة شخصية ألباتشينو، جراء تغير الجو عليه عند انتقاله إلى ألاسكا للتحقيق في جريمة قتل في فيلم «إنسومنيا».

شيريدان يبرز وحشة المكان من خلال لقطاته الواسعة، ويبرز مشكلة الفئة المهمشة من خلال إرسال السلطات ضابطة غير مؤهلة إلى محمية بحجم ولاية رود آيلاند، لا يوجد بها سوى ستة أفراد شرطة، ويبرز مشكلة تداخل الصلاحيات كما فعل في «سيكاريو».

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.