إهمال شديد في السيناريو والإخراج

«المتحولون: الفارس الأخير».. ذروة الإفلاس الفكري في هوليوود

يشهد تاريخ هوليوود بأنه في آخر الثمانينات، شعر جمهور السينما بالضجر الشديد من أفلام الخيال والسحر، والمخلوقات الغريبة الخيرة والشريرة والوحوش القبيحة، ما دفعهم إلى الابتعاد عن الصالات، وكانت تلك لحظة مراجعة مفصلية، استوعبت هوليوود فيها الدرس، وعادت إلى أفلام الواقعية، فكان عقد التسعينات من بدايته إلى نهايته زاخراً بها.

مغادرة الصالة خَيارٌ ممتاز

من الواضح أن كتاب النص كتبوه دون التنسيق في ما بينهم، لأن التشتت والتخبط واضحان جداً بين أجزائه.

حيث يدخل الفيلم في تخبط شديد، وأفضل ما تفعله خلاله هو العبث بهاتفك الذكي إن لم تفكر في مغادرة الصالة وهو خيار ممتاز مع هذا الفيلم، خصوصاً أن 10 أشخاص حضروا الفيلم مع كاتب هذه السطور، غادر أربعة منهم الصالة، قبل اكتمال الساعة الثانية من أصل 149 دقيقة مدة الفيلم.


- لا نبالغ إن قلنا إن الإنسان هو العنصر المفقود في أفلام حقبة الإفلاس الفكري والإبداعي في هوليوود (2011- اليوم)

- لو أن ممثلاً من حقبة هوليوود الذهبية، عاش إلى اليوم، ورأى ما حدث للسينما، فإنه سيبكي حرقة على عصر أفلام ولى، كانت الشخصيات البشرية سائدة ومتسيدة فيه

- الخلل الرئيس يكمن في الإهمال الشديد في الإخراج والسيناريو.

- هوبكنز كشف أنه لم يفهم القصة أبداً، واكتفى بحفظ حواراته.

ويشهد التاريخ كذلك أن عقدي الإبداع السينمائي في هوليوود، بعد نهاية الحقبة الذهبية، كانا في السبعينات والتسعينات، من خلال مجموعة أفلام لم نعد نراها اليوم، أفلام تميزت بعنصر مهم جداً، لولاه لما نجحت السينما أساساً ولما كانت فناً، عنصر كان السبب الرئيس في ارتباطنا بتلك الأفلام، ذلك العنصر هو الإنسان! نعم لا نبالغ لو قلنا إن الإنسان هو العنصر المفقود في أفلام حقبة الإفلاس الفكري والإبداعي في هوليوود (2011- اليوم).

ولن نبالغ أبداً لو افترضنا أن ممثلاً من حقبة هوليوود الذهبية، عاش إلى اليوم، ورأى ما حدث للسينما، فإنه سيبكي حرقة على عصر أفلام ولى، كانت الشخصيات البشرية سائدة ومتسيدة فيه. نشاهد اليوم فيلم Transformers: The Last Knight أو «المتحولون: الفارس الأخير»، وهو الخامس في سلسلة المتحولون الغبية، والذي لا يقل سوءاً عن قراصنة الكاريبي، والملك آرثر، والمومياء، ويشترك معهم في عدم وجود شخصيات بشرية، نهتم بها، وبوجود مجموعة شخصيات لا نهتم بها، لأنها عبارة عن وحوش قبيحة. قد يقول أحد إن «المتحولون» عبارة عن سيارات تتحول إلى روبوتات وليست وحوشاً، ونقول هل رفعت تلك الروبوتات القبيحة مستوى الفيلم؟

مايكل باي، الملقب برائد سينما الفوضى والدمار مخرج الفيلم، وكذلك الأجزاء الأربعة السابقة، التي انطلقت عام 2007، يحاول إضافة الجديد إلى السلسلة منذ 2011، بتغيير الطاقم التمثيلي، وجلب فتيات جذابات إلى البطولة، وكذلك إسناد الأدوار الرجالية إلى نجوم صاعدين أو معروفين، بالإضافة إلى طاقم ممثلين مساعدين جيد، إلا أن ذلك لا ينجح في ظل غياب رؤية إخراجية وسيناريوهات ضعيفة، لا تعكس سوى اتفاق المخرج مع شركة الألعاب «هاسبرو»، لتسويق منتجاتها عن طريق تقديمها على شكل شخصيات في الفيلم، دون أن يكون لها دور مؤثر في القصة. باي نفسه صرح أكثر من مرة لمنتقديه قائلاً: لستم جمهوري، فأنا أصنع أفلاماً للصبية والمراهقين في كل العالم.

«الفارس الأخير» يبدأ من حيث انتهى سابقه، أوبتمس برايم (روبوت بصوت بيتر كولين)، عائد إلى كوكبه ليطلب منهم أن يتركوا كوكب الأرض. كيد ييغر (مارك وولبيرغ) مختبئ في مرآب سيارات ضخم، مع أصناف من الروبوتات المتحولة إلى سيارات، والقادمة من الفضاء الخارجي، ما يعني أنها مخلوقات فضائية أو وحوش أو لا نعلم ماذا.

المهم أن الروبوتات المتحولة أصبحت محرمة دولياً، وييغر - الذي لا يستطيع رؤية ابنته المراهقة لكنه يستطيع إنقاذ العالم - يحمي تلك الروبوتات، لأن البشر لا يميزون بين الصالح والطالح منها (نتساءل لو يقصد الفيلم البشر أنفسهم الذين دفعوا 3.7 مليارات دولار لمشاهدة الأجزاء السابقة).

جيمي (جيرود كارمايكل) مساعد ييغر الجديد، يعمل على إصلاح الروبوت المتحول «بمبلبيي»، وهناك فتاة مراهقة تدعى إيزابيلا (إيزابيل مونر- يبدو أن كتاب السيناريو أنفسهم أصيبوا بالإرهاق الشديد، فتكاسلوا عن تغيير اسم الشخصية التي تحمل اسم الممثلة نفسه)! المهم أن القصة تتوقف هنا، لأن لا شيء منطقياً يحدث بعدها.

ما فهمناه من الروبوتات المتحولة أنها أصبحت مطاردة من قبل البشر، ما يذكرنا بقصة فيلم ««لوغان». يدخل الفيلم في تخبط شديد بعدها، أفضل ما تفعله خلاله هو العبث بهاتفك الذكي لو لم تفكر في مغادرة الصالة وهو خيار ممتاز مع هذا الفيلم، خصوصاً أن 10 أشخاص حضروا الفيلم مع كاتب هذه السطور، وغادر أربعة منهم الصالة، قبل اكتمال الساعة الثانية من أصل 149 دقيقة مدة الفيلم.

ثم تنتقل أحداث الفيلم إلى لندن، ومن الواضح أن كتاب النص كتبوه دون التنسيق في ما بينهم، لأن التشتت والتخبط واضحان جداً بين أجزائه، المهم في لندن لسنا متأكدين إن كان الفيلم نفسه مستمراً أم ما شاهدناه هو شيء آخر.

تتعرض بروفيسورة تسمى فيفيان ويمبلي (لورا هادوك)، وهي (أقرب إلى فتاة إعلانات مستحضرات تجميل منها إلى شخصية أكاديمية) في جامعة أكسفورد للاختطاف، ثم ننتقل إلى مكان آخر في إنجلترا، حيث يظهر السيد إدوارد بنتون (النجم البريطاني آنثوني هوبكنز)، ليشرح كيف أن الروبوتات المتحولة هبطت على الأرض منذ أيام الملك آرثر، ولا نعرف كيف دخلت الأسطورة في التاريخ، ثم ظهر المتحولون مرة أخرى مع هتلر في الحرب العالمية الثانية! ولن نستغرب لو حاول باي مستقبلاً وضع شخصية «بمبلبيي» تقاتل هتلر أو موسوليني، في سياق هذا الإفلاس الذي تمر به هوليوود! ثم تحول الفيلم إلى المشهد الأخير من فيلم «الملك آرثر»ن ثم لا نعلم ما حدث، ولا يهم أصلاً.

الفيلم يبدأ وينتهي بفوضى، فالمشهد الأول يتضمن أجساداً بشرية متطايرة، ولهباً يخترق السماء، وكذلك المشهد الأخير عن أجساد متطايرة، وسط لهب ومعادن تخترق السماء، وهو سمة مشتركة في أفلام مايكل باي. بين المشهدين توجد فوضى عارمة، وأساطير، وجري وزعيق وضجيج، لقطات تعرض بالحركة البطيئة تعليقات عنصرية بهدف الضحك، ممثل قدير يضيع موهبته في تفاهة لقطات يعيد فيها شرح تاريخ غير قابل للشرح، ثم زعيق وضجيج مرة أخرى، لدرجة أن المشاهد قد يشعر برغبة في ضرب رأسه بالمقعد الذي أمامه، من أجل الحصول على راحة.

ليس الخلل في أن الفيلم يتبع معادلة معينة، بل الخلل في الإهمال الشديد في الإخراج والسيناريو، ونتحدى باي لو كان يستطيع سرد القصة من بدايتها إلى نهايتها، مروراً بكل التفاصيل! حتماً لن يستطيع لعدم وجود منطق، وهذا ما صرح به الممثل هوبكنز عندما كشف أنه لم يفهم القصة أبداً، واكتفى بحفظ حواراته.

حتى في أفلام الحركة (الأكشن) المتوسطة، مثل «جيسن بورن»، الذي شاهدناه العام الماضي، هناك على الأقل مشهد واحد فني نتذكر الفيلم به، وكان مشهد مطاردة وتدمير السيارات الرهيب في شوارع لاس فيغاس.

ويبدو أن عشاق السلسلة شعروا برداءة العمل، حيث كشفت التقارير الأولية أن إيرادات هذا الفيلم الساقط، هي الأكثر انخفاضاً في تاريخ السلسلة.

المخرج مايكل باي قال إنه يصنع أفلاماً للمراهقين، ونقول إن عقد الثمانينات كان الحقبة الذهبية للأفلام الموجهة إلى هذه الشريحة من الجمهور، والأهم أنها لم تتضمن روبوتات ولا وحوشاً، بل حققت نجاحات كبيرة، بسبب اعتمادها على الشخصيات البشرية فقط. هيمنة الوحوش والانحطاط الإبداعي لن يستمر في السينما، فالبشر سيعودون مجدداً لا محالة، لأن التاريخ يعيد نفسه بحقائق مختلفة.

تويتر