فيلم مكرّر ومضخّم.. ومضجر

سفينة «قراصنة الكاريبي» تغرق في الجزء الخامس

صورة

هناك ثلاثة أسباب لعدم مشاهدة فيلم «قراصنة الكاريبي.. انتقام سالازار»: أولاً الفيلم جزء خامس بلا سبب مقنع، ثانياً هوليوود في حالة إفلاس فكري وإبداعي غير مسبوق، ثالثاً جوني ديب تدهور مستواه بشكل كبير في هذا العقد، ولا يبدو أنه قادر على العودة حتى من خلال هذه السلسلة، وهي الخيار الوحيد الذي تبقى له.

ديب ليس الشخصية الرئيسة.. مجرد قبطان مخمور كما عهدناه بالأجزاء السابقة، تجبره الصدف على التدخل لمصلحة الشخصيات الرئيسة.

320

مليون دولار ميزانية فيلم «قراصنة الكاريبي.. انتقام سالازار».

أسئلة قبل قرار مشاهدة الفيلم

لماذا تدفع الناس لمشاهدة مثل هذا الفيلم؟ هل راودنا سؤال عن الاتجاه الذي سيسلكه جاك سبارو بعد نهاية الجزء السابق، وجعلنا ننتظر هذا الفيلم بتلهف؟ هل الأفلام الصاخبة المسببة للصداع تعد ترفيهية ومطلوبة إلى هذه الدرجة؟ هل تجعلنا نضحك أو نهتم بالشخصيات؟ هل نشاهدها من أجل انتظار مفاجآت؟ للعلم، المشاهدُ ليس بحاجة للتركيز من شدة بساطتها. هذه مجموعة أسئلة مهمة لكل مشاهد قبل أن يقرر دخول هذا الفيلم، ومن الصعب الإجابة بنعم على أيٍّ منها، أما الإجابة المنطقية وهي لا، فتدلنا - بلا أي شك - على أن هذه السلسلة مفلسة، وعدم مشاهدة هذا الفيلم المكرر من الأجزاء السابقة والمضخم بلقطات إبهار والمضجر، لن يفوت علينا شيئاً.

نقول: لا عزاء لهوليوود، خصوصاً في موسم الصيف، إذ تمتلئ دور العرض بالأبطال الخارقين والوحوش الفضائية ومخلوقات مشوهة بسبب لعنة سحرية وروبوتات وزومبي ومخلوقات حمراء وخضراء وزرقاء وصفراء، ومخلوقات لا اسم لها.

انعدمت الحوارات وأصبحت الجمل القصيرة هي البديل، صراخ وزعيق وانفجارات وضجيج شديد، وكل هذا من أجل الإبهار، ظناً من صناع الفيلم أنهم حققوا إنجازاً سينمائياً! كل الأفلام الكبيرة أصبحت تعتمد سيناريو أقرب إلى لعبة فيديو، لم نعد نشاهد فيلماً عقلانياً يناقش مسألة حياتية مهمة، لم نعد نشعر بأن الفيلم انعكاس لواقعنا، لم نعد نتعرف إلى الشخصيات، ونرتبط بها عاطفياً.

لا جديد

قصة «قراصنة الكاريبي 5» تبدأ من.. لا يهم، نتحدى جوني ديب لو كان قادراً على شرح الخط الزمني لهذه السلسلة، لو كان قادراً على تفسير مصير الشخصيات من الجزئين الثالث والرابع فقط. نقول ذلك لأن هذا الفيلم يعلم ألا جديد يقدمه، فيعمد إلى الاستعارة من عناصر الأجزاء السابقة، خصوصاً الثاني، ويعيد تدويرها.

القصة تبدأ مع طفل يدعى هنري تيرنر، يتسلل من منزله ليلاً لتجديف قاربه إلى موقع إحداثيات لسفينة تسمى «فلاينغ داتشمان»، تخرج من عمق المحيط فيصعد هنري عليها، يقابل هنري والده ويل تيرنر (أورلاندو بلوم) على متنها، ويخبره بأنه علم الطريقة التي يحرره بها من اللعنة السحرية التي أصابته كي يخرجه من السفينة. لا يصدق ويل ابنه ويأمره بمغادرة السفينة وعدم العودة إليها مجدداً. بعد تسعة أعوام يحصل هنري (برينتون ثويتس) على وظيفة في البحرية الملكية البريطانية، وأثناء مطاردته لسفينة قراصنة يدرك هنري أن القبطان متجه إلى ما يسمى «مثلث الشيطان»، وهو مكان خطير وملعون، يتجاهل القبطان تحذيرات هنري، (وهذا التجاهل من علامات إفلاس كتّاب نصوص الأفلام في هوليوود)، وبمجرد دخول سفينتهم في المثلث، تدبّ الحياة في حطام سفينة مجاورة وتخرج منها أشباح بحارة بقيادة القبطان سالازار (خافيير بارديم).

تهجم الأشباح على السفينة البريطانية، وتقضي على من يقف في طريقها، يتم الزج بهنري في زنزانة، ويأتيه سالازار ويلاحظ صورة على ملصق لقبطان مطلوب القبض عليه يدعى كابتن جاك سبارو (جوني ديب) في الزنزانة. يقرر سالازار عدم قتل هنري آملاً أن يخبر الأخير جاك سبارو عن سالازار. نعلم لاحقاً أن سالازار تورط في مثلث الشيطان بسبب سبارو، وأنه يريد الانتقام منه.

في الوقت نفسه هناك فتاة وعالمة فلكية اسمها كارينا سميث (كايا سكوديلاريو) محكوم عليها بالإعدام بتهمة السحر. تتمكن كارينا من الهرب من زنزانتها - تصطدم بجاك سبارو الذي ينوي سرقة مصرف بالتعاون مع عصابته - في طريقها للعثور على هنري المحكوم عليه بالإعدام هو الآخر بتهمة الخيانة (على ما يبدو بسبب الاشتباه في نيته كونه الناجي الوحيد من هجوم سالازار). تخبر كارينا هنري بأنها تعلم كيف تعثر على أداة تمنح مالكها القدرة على السيطرة على البحار، والتي ينوي هنري استخدامها لكسر لعنة والده. بالمختصر هي تلك القصة القديمة.

سلسلة بلا إرث

هناك حقيقة سنقولها وهي أن سلسلة «قراصنة الكاريبي» لا وزن لها رغم إيراداتها التي تخطت ثلاثة مليارات دولار، لو قارناها بالسلاسل الأخرى مثل Alien و«حرب النجوم» و«رجال إكس» و«آيرون مان»، وكل شخصيات عالم مارفل ومنافسه «دي سي»، والسبب هو أنها تفتقد وجود الإرث، بينما كل الأمثلة التي ذكرناها تتمتع بإرث تاريخي واجتماعي في الثقافة الشعبية الأميركية والعالمية، أما «قراصنة الكاريبي» فسلسلة مقتبسة من لعبة في متنزهات ديزني.

جوني ديب ليس الشخصية الرئيسة في الفيلم، هو مجرد قبطان مخمور كما عهدناه في الأجزاء السابقة، تجبره الصدف على التدخل لمصلحة الشخصيات الرئيسة، وبالتالي يقاسمها اللقطات. الشخصيات الرئيسة هي كارينا وهنري، وهما الشخصيتان الجديدتان اللتان تحاول السلسلة تقديمهما للجيل الجديد من المشاهدين على اعتبار أن السلسلة تقترب من إكمال عقدين على إطلاقها. الفيلم الذي أخرجه النرويجيان يواخيم روننغ وإسبن ساندبيرغ معتمد على لقطات الضجيج والصخب الشديد، لتحقيق أكبر قدر من الإبهار، كل اللقطات تلقى في وجه المشاهد بعنف شديد كأن الفيلم يزأر قائلاً لن تشاهدوا هذا في أي فيلم آخر! في الوقت نفسه يقع الفيلم في دائرة مكررة من اللقطات الصاخبة المتشابهة إلى درجة أن المشاهد قد يفقد الاهتمام بما يجري أمامه.

القصة التي كتبها جيف نيثنسن مبالغ جداً في تبسيطها لمصلحة لقطات الضجيج حتى يفهمها من لا يتحدث الإنجليزية، والحوارات مختصرة إلى كلمات مثل: اقض عليه، تخلص منها، اهجم عليهم، بينما الهجوم الحقيقي يقع على المشاهدين. ديب يظن نفسه لاعب أكروبات في مشهد سقوطه من المقصلة، وربما لا يعلم أن جاكي شان صنع مشاهد أفضل من مشهده بكثير وبثمن بخس وبنفسه دون الاعتماد على ممثل أدوار مجازفة ودون مؤثرات خاصة، مقارنة بجوني ديب في هذا الفيلم الذي تخطت ميزانيته 320 مليون دولار، طبقاً لمصادر مطلعة، للعلم فإن الرقم المذكور في موقع ويكيبيديا غير دقيق، وهذا الرقم يجعله ثاني أغلى فيلم كلفة في تاريخ السينما، ولا يسبقه سوى الجزء الرابع من هذه السلسلة!

تويتر