بالصور.. سبعينية كان.. أمن أكثر.. دهشة أقل

صورة

أكثر من عامل جعل من الدورة ال70 من مهرجان كان السينمائي الدولي أن لا يكون أفضل دوراته، حسب متابعي المهرجان منذ سنوات، تلك العوامل من الممكن تلخيصها في الحالة الأمنية التي تعيشها أوروبا بشكل عام بعد الهجمات الارهابية ، وآخرها ما حدث في مانشيستر خلال أيام المهرجان، ومرورا بتأخير العروض التي تعتبر سابقة في آلية التعاطي مع الوقت، وليس انتهاء وهو الأهم أن برمجة الأفلام و تحديدا المشاركة في المسابقة الرسمية لم تكن على قدر التوقعات بالاحتفالية بالسبيعينة.
لكن السحر في الحالة العامة المأخوذة بعلاقة الفرد مع الأفلام ما زال حاضرا وبقوة ، تلمسه من خلال طوابير الانتظار التي تبدأ مع الساعات الأولى من النهار ومن متسولي التذاكر الذين يفترشون الأرض طلبا لتذكرة دخول وليس طلبا للنقود ، ومن حالة السجادة الحمراء التي يمشي عليها كبار صناع السينما الذين قدموا للبشرية قيمة  من الصعب نسيانها.

بريق الاخراج

ومع كل هذا فقدت هذه الدورة تحديدا عنصر الدهشة المرتبط بنوعية الأفلام التي تم عرضها ، و هنا الحديث عن الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية تحديدا ، و الحيرة في تفوق أفلام على أخرى خالفت التوقعات المسبقة كان حاضرا وبقوة
فالغالبية على سبيل المثال لا الحصر كانوا في انتظار فيلم المخرج النمساوي  ميشائيل هانيكه و حمل عنوان " نهاية سعيدة" خاصة بعد أن فاز فيلمه (آمور) على السعفة الذهبية قبل عامين ، لكن ووفق متابعين أن فيلمه الجديد لم يكن على قدر التوقعات ولم يكن على قدر قيمة (آمور) مع أن أحداث الفيلم تشير بذكاء أنه ليس أكثر من جزء ثاني لحكاية جان لوي ترانتينيان بطل الفيلمين ، مع ضرورة الاشادة بطريقة المخرج في جذب المشاهد في كل مشهد قام بصناعته  وخلق عنصر التنبه لكل تفصيل.
 في المقابل ومع عنصر الترقب يظهر فيلم (قتل الغزال المقدس) للمخرج يورغوس لانثيموس، الذي يجعلك منذ المشهد الأول تبني توقعات تتخالف مع كل حدث يأتي بعده، لتظل عالقا ومتيقظا وفضوليا ، وهي مشاعر اذا ما تم خلقها لدى المتلقي تعطي أهمية للفيلم ، خاصة اذا لم يرافق تلك المشاعر الملل، فالعلاقة بين فارل الطبيب المشهور و بين مراهق تجعلك تشك بعلاقة مشبوهة بينهما، لكن بعد ذلك تكتشف أنها ليست أكثر من محاولة تكفير ذنب الجراح الذي تسبب بموت والد المراهق بسبب اجرائه العملية وهو في حالة سكر، هي قصة عادية وتحدث كثيرا، لكن الغير عادي أنها تحولت الى جريمة كاملة فيها من الفناتازيا الكثير ومن حالة التتبع التي يخلقها الفتى المراهق لينتقم لموت أبيه، هذا الفيلم الاستعراض الاخراجي المذهل فيه هو البطل الرئيسي ، الضوء، التمثيل، اللقطات العابرة، توظيف الرعب ، كلها تؤكد على عبقرية المخرج الذي لم يتفوق عليه أي عنصر من الفيلم ، فالغالبية تحدث عن الاخراج ولم يتم التركيز مثلا على أداء الممثلين مثل بطلته نيكول كيدمان .

للشاشة الصغيرة

في حضرة الأفلام القائمة على العمق والتي ترى أن شاشات المهرجانات الكبرى هي التي تستوعب فكرتها ، لأن صناعتها تستدعي الكثير من الثقافة و الخبرة و الهدف منها يكون ساميا و متأملا بالتغيير، تجد فجأة أن فيلما مثل "حكايات آل مايروفيتز" للمخرج نواه بامباك أمامك في مثل هذا المهرجان العريق، والغريب أن كل اعتراضك بتواجده أنه من السهل مشاهدته في البيت على الشاشة الصغيرة اذا ما فاتتك مشاهدته في السينما التجارية ، مثل تواجد هذه الأفلام في حضرة الأفلام التي من الصعب الوصول اليها الا من خلال عروضها في كبرى المهرجانات تشعر أنها جرعة للتخفيف عن الضغط المرافق للمشاهدين ، بتقديم فيلم خفيف ولطيف ، وهو من بطولة آدم سيندلر الذي ستشاهده بطريقة مغايرة تماما وهو بالفعل شكل قوة للفيلم وتعجب لمتابعي تاريخ سيندلر  الهزلي في غالبية أدواره ، أحداث الفيلم تدور بشكل كوميدي حول عائلة آل مايروفيتز، التي تتميز باتقانها لعدة فنون من نحت وعزف واخراج ، ولكن من الواضح أن الحظ ليس حليفهم ، تشهد قصة النحات الذي أدى دوره داستن هوفمان وزوجته التي لا تصحو أبدا بسبب ادمانها للكحول والتي أدت دورها ببراعة كعادتها ايما طومسون ، وعلاقتهما مع ابناء الزوج الثلاثة الذين أنجبهم من زوجات مختلفات ، قصة مضحكة ، خفيفة الظل على العقل والقلب ، لكنها ببساطة لا تترك أثرا بعد انتهاء الفيلم مباشرة، هذا الفيلم هو الثاني من انتاج نيتيفلكس بعد فيلم أوكجا وكلاهما يشاركان في المسابقة ، وتعرضا لاستهجان الجمهور المعارض أن تكون نيتيفليكس جزءا من أفلام المهرجان


أفلام للفوز

الغالبية تبحث عن عنصر الدهشة بعد مشاهدة الأفلام، وهذا الشعور لم يكن حاضرا بقوة في سبعينية كان، ومع أن المهرجان الذي سيختم دورته بعد غد، و أمام المشاهدين فرصة لمشاهدة ما تبقى من الأفلام المشاركة في المسابقة و في الأروقة الأخرى، الا أنه وبعد مضي أكثر من ثلاث أربعاع المدة ، استطاع الفيلم الكوري الجنوبي (اليوم التالي)  للمخرج هونج سانجسو و الفيلم الياباني (اشعاع) للمخرجة ناومي كاواسي أن يحققا الدهشة الكاملة و الفرح لدى محبي السينما ومتابعيها في المهرجانات.
فمع فيلم (اليوم التالي) الذي تم تصويره بالأبيض و الأسود ، ستعيش لحظات مهمة ومشاعر متنوعة في كوادر مغلقة وليست واسعة تقتصر على حوارية ثنائية ونادرا ما تكون ثلاثية ، ضمن قصة تدور حول كاتب لديه علاقة سرية مع فتاة تكتشفها زوجته التي تشك بفتاة أخرى جاءت صدفة للبحث عن عمل في مكتب الكاتب المشهور، ثلاث نساء و رجل واحد ، ومكتب مليئ بالأوراق والغبار ، وجور بارد ، و طعام صيني كنوع مفضل للكاتب ، تفاصيل ستشعرك لوهلة أنك تقرأ كتابا وتتخيل المشاهد القادمة، مع أن المشاهد السوداء والبيضاء لم تكن فيها الحركة الكثيرة على قدر التركيز على لغة الجسد والصوت ، فيلم مدهش جعل الغالبية تتنفس الصعداء بعد أيام طوال في البحث عن هذا الشعور، ليأتي بعده مباشرة الفيلم الياباني (اشعاع) وهو اسم على مسمى لأنه يجعلك ببساطة توظف احساسك، خاصة مع الشخصية الرئيسية في الفيلم لمصور المحترف الذي فقد بصره ، والفتاة التي قررت أن تصنع فيلما وهي التي فقدت والدها، و يجمع بينهما شعور الفقدان كلا على طريقته و صورة التقطها قديما تظهر فيها الشمس بطريقة ساحرة تفجر الذكريات لكليهما، ليصبح البحث عن مكان تلك الصورة هو الفيلم.

الفيلمان يستحقان العديد من الجوائز ، ولن يكن مستغربا أن يحصدا أكثر من جائزة من بين تلك الجوائز أفضل سيناريو مثلا.

 

 

 

 

 

 

 

تويتر