أداء قوي من جميع الممثلين

دينزل واشنطن يعلق بين المسرح والسينما في «حواجز»

المسرح هو أول وأعرق فن ترفيهي في التاريخ، ويسمى أبوالفنون، ومنه يتأسس الممثل، ومن ثم ينتقل إلى الأوساط الترفيهية الأخرى، مثل السينما والتلفزيون.

«الفيلم يلتقي مع الدراما الخليجية في كل شيء من ناحية القصة، إلى درجة احتوائه على الكليشيه الأكبر في تلك الدراما التعيسة».


قبول عربي

يمكن أن يلاقي فيلم «حواجز» قبولاً لدى الجمهور العربي، نظراً لأنه يشبه كثيراً قصص الدراما الخليجية. كما أن «سياجات» في قائمة الترشيح لجائزة أوسكار أفضل فيلم عن عام 2016، وفيولا ديفيس - التي فازت بـ«البافتا» - هي المرشحة الأقوى لأوسكار أفضل ممثلة مساعدة.

لكل وسط نقاط قوته وقصوره، المسرح معتمد بالدرجة الأولى على الممثلين، فلا يحمل مسرحية سوى قوة أداء ممثليها، بل إنه يكاد لا يملك شيئاً غير الممثلين، أما السينما فهي فن البصر، وتعتمد على الصورة في تأسيس كل عناصر السيناريو، وتمتلك أدوات أكثر من المسرح؛ وتلك الأدوات تتطور مع تقدم التقنية. التلفزيون تقريباً كالسينما؛ والفارق أنه يأخذ وقتاً أطول في تأسيس القصة، وإعداد الممثلين من خلال تعدّد الحلقات، وإن تمت العملية بشكل صحيح فهو قد يتفوق على عجالة السينما.

نقول هذا الكلام لأننا بصدد مناقشة فيلم Fences أو «حواجز» المقتبس من مسرحية كتبها الراحل أوغست ويلسون عام 1983 وعرضت في برودواي - نيويورك، للمرة الأولى عام 1987، وأعيد عرضها بممثلَين جديدَين، هما دينزل واشنطن وفيولا ديفيس عام 2010، وواشنطن قرر اقتباسها سينمائياً في هذا الفيلم عن طريق

المؤلف نفسه، وبمشاركة ديفيس، وإنتاج وتمثيل وإخراج واشنطن نفسه.

عن نصف الحكاية

تقول القصة إنه في مدينة بيتسبيرغ بولاية بنسلفانيا الأميركية في خمسينات القرن الماضي رجل يدعى تروي ماكسون (دينزل واشنطن) أميركي من أصول إفريقية يعيش مع زوجته روز (فيولا ديفيس)، وابنهما كوري (جوفان أديبو).

تروي يعمل في جمع النفايات مع زميله وصديقه جيم بونو (ستيفن هندرسون). تروي قدّم طلباً لترقيته ليصبح سائق سيارة نفايات، وهي وظيفة حسب قناعته تعطى للبيض. شقيق تروي الأكبر غابرييل (ميكيلتي ويليامسون) مصاب في رأسه من الحرب العالمية الثانية، ونتج عن ذلك اختلال في عقله، ما أدى إلى تسريحه من الجيش وتعويضه بمبلغ 3000 دولار من الحكومة قبضه تروي، واشترى به منزلاً لعائلته. منذ ذلك الحين غادر غابرييل المنزل، لكنه يعيش في الجوار ويتجول في الحي، حيث يتعرض لسخرية الأطفال.

من خلال حوارات الفيلم نفهم أن تروي في شبابه كان لصاً، بعد ارتكاب جريمة قتل أثناء عملية سطو مسلح ألقي به في السجن، حيث التقى ببونو وأخبره أنه أصلاً لاعب بيسبول موهوب كان يلعب في دوري المحترفين الأميركيين من أصول إفريقية، لكن لم تتم ترقيته إلى دوري الدرجة الممتازة.

السبب يعود إلى كبر سنه، لكن تروي مقتنع بأن سبب إبعاده هو لون بشرته. ابن تروي الأكبر ليونز من زواج سابق (راسل هورنزبي) عازف جاز لا يأتي إلى المنزل إلا يوم دفع الرواتب، حتى يقترض من والده مبلغ 10 دولارات، بينما الأخير يحب إذلاله قبل الدفع له. أما كوري فلديه مقابلة مع مدرب مهتم بضمه إلى فريق بيسبول، لكن والده لا يسمح له بذلك ويضغط عليه للحصول على وظيفة، بينما الابن يتهم أباه بالغيرة؛ كون الأخير لم ينجح في اللعبة، ولا يريد أن يكون ابنه أفضل منه، وهذه المسألة تسببت في توتر العلاقة بينهما.

هذا كان نصف الفيلم ولا حاجة لسرد المزيد، هناك سؤال: هل أن سرد قصة كانت تعتبر في الخمسينات همّ تلك الطبقة من المجتمع مناسب في هذا العصر؟ في وقت عرض المسرحية كان الفاصل الزمني 30 عاماً، وذلك معقول، لكن اليوم أصبح الفاصل 60 عاماً ونشك في وجود مهتمين أو فلنقل وجود ارتباط بين ما تعيشه الشخصيات في ذلك الزمن وهموم يومنا هذا.

نقل.. لا اقتباس

قرار واشنطن نقل المسرحية إلى السينما لم يكن موفقاً تماماً، ولن نقول اقتباسها، لأن ما شاهدناه لم يكن اقتباساً متعارفاً عليه، بل كان نقلاً بكل العناصر من المسرح إلى شاشة السينما، وذلك من خلال التالي: أولاً، الفيلم كله يدور في منزل تروي، أحياناً في الفناء الخلفي أو الصالة أو المطبخ، وإن خرجت الكاميرا فهي إما في شارع مجاور، أو في وزارة الأشغال العامة، حيث يعمل تروي. ثانياً، الفيلم كله معتمد على حوارات سردية هي الوسيلة الوحيدة لكشف تفاصيل القصة، ولا يستخدم واشنطن أي أدوات سينمائية أخرى.

ثالثاً، الحوارات مكتوبة كأنها قصيدة شعرية، ويغلب عليها الطابع الرومانسي أو الحكم وهذا ما نزع منها عامل الواقعية.

رابعاً، الأداء ميلودرامي جداً إلى درجة النكدية، والممثلون يحرصون على المبالغة في إبداء ردود أفعالهم وإلقاء بعض أجزاء الحوار على شكل محاضرات أو مونولوغ، وهذه نقطة سنعود إليها لاحقاً.

هذه العناصر الأربعة جاءت من المسرحية؛ أي إننا شاهدنا مسرحية مصورة أو بالأحرى مسرحية معاد تصويرها لتسمى فيلماً. الآن، لعل القارئ يتساءل عن سبب التقييمات العالية للفيلم؟ علينا أن نضع في الاعتبار عوامل عدة لنجاح الفيلم فنياً، أهمها وجود أفضل ممثل أميركي من أصول إفريقية في بطولته وإخراجه، ثم إن الفيلم هو الأحدث في سلسلة أفلام تناولت معاناة الأميركيين من أصول إفريقية انطلقت عام 2011 بفيلم «المساعدة» و«12 سنة عبداً» و«فروتفيل ستيشن» و«رئيس الخدم» و«سيلما» و«مولد أمة»، وهذا الفيلم، و«أعداد مخفية» الأسبوع المقبل، وكلها أفلام تتماشى مع موجة المواقف السياسية الصحيحة التي أطلقها الرئيس السابق باراك أوباما، وهذه الموجة تحولت إلى ثقافة هذا العصر، وتتمتع بتأييد ضخم في الولايات المتحدة.

العامل الثاني هو أن المسرح يعتبر مصدر اقتباس يتمتع بهيبة خاصة؛ كونه منصة ترفيهية تتمتع بالعراقة والغنى الثقافي بالضبط كما هي الحال مع الأفلام المقتبسة من مسرحيات ويليام شكسبير.

لكن ذلك لا يعني أن فيلم «حواجز» غير قابل للانتقاد، بل نقول إن واشنطن لم يُحسن فعلاً عندما حوّل الفيلم إلى مسرحية كاملة، واستغنى عن كل الأدوات السينمائية المتاحة، فالنتيجة أن الفيلم لم يتميز بأي شيء غير الأداء.

واشنطن - غالباً بسبب التزامه بالنص - يحرص على تصوير كل ردود الأفعال للشخصيات رغم عدم حاجته إلى ذلك، في السينما ردة الفعل دائماً إيحائية، غالباً صامتة معتمدة على تعبيرات الوجه، وليس لتخبرنا بصوت عالٍ بما تشعر به الشخصية كأنها على المسرح. عودة إلى الأداء الميلودرامي، ما الفارق بين هذا الفيلم وأي مسلسل دراما خليجية؟ فارق واحد فقط هو أن الدراما الخليجية البائسة أداء الممثلين فيها مبتذل وسيئ بلا استثناءات ولا ينطلي حتى على الأطفال، والمونولوغ في الدراما الخليجية يتحدث الممثل فيه مع جدار والممثلون واقفون خلفه، ويستمر 10 دقائق يستطيع المشاهد استغلالها لفعل أي شيء آخر غير مشاهدتها لأنها صنعت للحشو فقط.

هذا الفيلم يلتقي مع الدراما الخليجية في كل شيء من ناحية القصة إلى درجة احتوائه على الكليشيه الأكبر في تلك الدراما التعيسة ولا داعي لذكره تحديداً، لكن دائماً ما يتبع ذلك الكليشيه مشهد إغماءة لزوجة الشخصية عندما يأتيها الخبر! تلك الإغماءة موجودة تقريباً في هذا الفيلم عندما تكاد امرأة أن تقع فور تلقّيها الخبر قبل أن تنطلق في مونولوغ!

تويتر