فيلم فوضوي ونهاية غير منطقية

الذهب يفقد بريقه في ثرثرة «غولد»

لطالما كانت قصص المثابرة والنجاح مصدر إلهام لأفلام كثيرة في هوليوود، منذ فجر صناعة السينما؛ وذلك بسبب جاذبية هذا النوع من الأفلام للجمهور، ومَن لا يستلذ بقصص الكفاح للوصول إلى هدف، مَن لا يستمتع بمشاهدة رجل يسعى لتحقيق أحلامه ويحارب كل المعوقات التي تعترض طريقه في سبيل ذلك، هذا بالضبط ما جُبلت عليه النفس البشرية.

ليس هناك شيء يدل على أن الشخصيات التي تظهر هي لعمال مناجم! ولا حتى في مشهد، غير أنهم ينسبون لأنفسهم تلك الصفة.


لا نرى أداء حقيقياً من مكوناهي كالذي فاز عنه بالأوسكار، بل يبدو مصطنعاً، يحاول إبراز كرشه.


احتيال

مهزلة هذا الفيلم الفوضوي في نهايته، إذ بقدر ما تبدو سخيفة وغير منطقية فإنها تصلح لتأسيس الفيلم للانطلاق باتجاه قصة بوليسية. وكما يستوحي الفيلم أحداثه من أشهر واقعة احتيال في القرن الـ20، فإنه هو نفسه يحتال على المشاهدين بتجاهل الشق البوليسي من القصة، وإبراز الشق الاقتصادي الأخلاقي غير المقنع في أفضل أحواله.

عام 1993 اشترت شركة التعدين الكندية «بري إكس» موقع «بوسانغ» في إندونيسيا بهدف التنقيب عن الذهب. أعلنت الشركة اكتشافها وجود المعدن الأصفر وارتفعت أسهمها، ما أدى إلى ارتفاع قيمة الشركة السوقية بعد ستة أشهر. في عام 1997 تم اكتشاف أن عينات الذهب المستخرج تم تزويرها؛ ما أدى إلى فضيحة كبرى وانهيار الشركة.

رغم أن فيلم Gold أو «ذهب» يستعير القصة المذكورة، إلا أنه يضع أحداثه في ثمانينات القرن الماضي، والكثير من عناصره من وحي الخيال وفي مقدمتها الشخصية الرئيسة. الفيلم هو الأحدث ضمن سلسلة أفلام يظن صانعوها أن قصصاً عن رجال يتحكمون أو ينقلون أموالاً، يدوياً أو إلكترونياً، أو يسرقونها أو تسرق منهم، هي قصص «رائعة» بالفطرة!

كيني ويلز (ماثيو مكوناهي) يرث شركة والده (كريغ نيلسون) لكنه يتعثر، فيقرر السفر إلى إندونيسيا ليتعاون مع جيولوجي اسمه مايكل أكوستا (إدغار راميريز) للعثور على الذهب تحت أدغال منطقة تسمى بورنيو.

ليس هناك أي شيء يدل على أن هذه الشخصيات التي تظهر في الفيلم هي لعمال مناجم! ولا حتى في مشهد واحد، غير أنهم ينسبون لأنفسهم تلك الصفة، بل إن ويلز يقول في أحد المشاهد لشخصية أخرى: «هل تعلم شعور الرجل الذي ينزل إلى الأرض ويحفر بيديه؟» لكن لا نرى أياً من ذلك، ولا حتى مشهد معول يحرث الأرض أو «بولدوزر» أو انفجار لتحطيم الصخور.

ما نراه هو فقط مشاهد ثرثرة على شكل محاضرات عن ارتفاع الأسهم وهبوطها، ومفاوضات للاستحواذ على شركة ما، وتقارير إخبارية عن صعود أو هبوط أسعار أسهم، أي كل المشاهد تعكس شيئاً واحداً؛ هو فرح الشخصيات لزيادة أموالها أو قلقها لخسارة تلك الأموال.

إعادة ما سبق

«ذهب» هو العثرة.. عفواً الفيلم الجديد للمخرج، ستيفن غاغان، الذي عودنا على أفلام تنافس على منصة الأوسكار كان أحدها «ترافيك» عام 2000 الذي كتبه، و«سيريانا» 2005 الذي كتبه وأخرجه، وكلاهما فيلما دراما رفيعا المستوى.

هذا الفيلم إما أنه كتب من دون مراجعة، ودخل مرحلة التصوير بمجرد انتهاء كتابته، أو أن غاغان سلم النسخة النهائية قصيرة، وأصرت الشركة المنتجة على أن يمده إلى أكثر من ساعتين قليلاً، فلم يجد أمامه سوى إعادة تصوير مشاهد سابقة بطريقة مختلفة، أي إن المشاهد المختلفة لا تضيف جديداً، بل تعيد ما ذكر سابقاً.

ليس القصد أن الفيلم باعث على الملل، لكن لا شيء مبهراً فيه، القصة أعيدت كثيراً، والأداء عادي جداً، والفيلم لا توازن فيه، والثرثرة طاغية على كل المشاهد من دون أن تكون عنصراً ضرورياً؛ كما هي الحالة الخاصة لأفلام كوينتن تارانتينو المعتمدة على الحوارات.

بالإضافة إلى أن غاغان يركز بشدة على شخصية مكوناهي، ويهمل شخصية أخرى مثيرة للاهتمام، هي أكوستا، كما أنه يهمل جوانب أخرى في القصة بمجرد بروزها، وينصرف إلى التركيز على الجوانب الضعيفة.

أداء مصطنع

بالتأكيد ليس هذا أفضل أداء من مكوناهي بعد عودته القوية، في أعقاب حقبة إخفاق انتهت بفيلم «أشباح صديقات الماضي» 2009. وعاد الرجل بقوة في فيلم «محامي لينكولن»، وأقوى في «نادي دالاس للمشترين» 2013 الذي جلب له أوسكاراً مستحقاً، ثم ظهر في رائعة «إنترستيلار» 2014 قبل الفيلم المتواضع «ولاية جونز الحرة» العام الماضي. في هذا الفيلم لا نرى أداء حقيقياً من مكوناهي كالذي فاز عنه بالأوسكار، بل هنا يبدو مصطنعاً أكثر، يحاول إبراز كرشه في بعض اللقطات كأنه يريد تذكيرنا أنه دخل في برنامج غذائي لتكبير ذلك الكرش، أي إنه تلاعب بجسده كما فعل في «نادي دالاس للمشترين» عندما فقد الكثير من وزنه لتقمّص شخصية رون وودروف المصاب بالإيدز.

الممثل الجيد يتقمص الشخصية ولا يتصنع أداءها، يؤدي الدور بشكل كامل ولا يعطي نصف أداء كأنه يقول: «أنظروا إلي أنا ممثل»، ثم يبرز الكرش أمام الكاميرا في حركة لا ضرورة لها سوى تذكيرنا أن الممثل اضطر لتكوينها لغرض الاستعراض فقط! الممثل الجيد يعلم كيف يخلق حالة التكامل بين أدائه وشكل جسده، وعندما يفعلها بالطريقة السليمة فإنها تظهر مقنعة لأن حركة الجسد تكون إيحائية، كما هي الحال مع شخصية وودروف، وليست مصطنعة كما نشاهدها هنا.

في الفيلم - ولا نفهم سبباً لذلك - ويلز يفكر بصوت عالٍ، وهذا سبب الخلل الكبير فيه. ويلز يثرثر كثيراً معنا عن طريق سرد القصة بصوته، ويخبرنا عما ينوي فعله، ثم في المشهد التالي نراه يثرثر مع الشخصيات الأخرى ليخبرها عما ينوي فعله ثم يفعله! نحن كمشاهدين نعلم عما ينوي فعله قبل وقوع الفعل بثلاث دقائق على الأقل! وهذا الخلل لم يتسبب فقط في إطالة مدة الفيلم بلا داعٍ، بل أعاد لقطتين مرتين! البراعة في سرد القصة تكون في وضع المشاهد والشخصية على قدم المساواة، فلا يعلم الأول شيئاً قبل أن تعلمه الأخيرة. ويلز لا يتوقف أبداً عن التعبير عن نفسه بالثرثرة، ومكوناهي لا يكلف نفسه التعبير عن شيء بجسده على الأقل! وعندما قال ويلز في بداية الفيلم إنه دفع آخر مبلغ مالي تبقى له إلى أكوستا كي يستمر العمل في الحفر، فإنه عاد وكرر تلك الجملة في آخر الفيلم! ربما غاغان نسي أن هناك تقنية في سرد القصة اسمها «فلاش باك»! ولا نفهم لماذا يُجري مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي «إف بي آي» تحقيقاً مع ويلز في غرفة فندقية، والمفترض أن يكون هو في مقر المكتب! أياً كان تفسير ذلك، فإن «ذهب» يخفق في الإجابة عن سؤالين مهمين: لماذا الفيلم عن هذه القصة؟ ولماذا هذه الشخصية الرئيسة في وسطها؟

ربما تكون الإجابة أن هذا الفيلم الفوضوي يراهن على جذب الجمهور بإبراز علاقة ويلز مع رفيقته كاي (برايس دالاس هاوارد - جيدة لكن غير مستغلة أبداً في الفيلم)، كدليل على أن الرجل طيب القلب وحنون. لكن إجمالاً فإن ويلز في الفيلم ظهر كقرش صغير في حوض مليء بقروش أكبر؛ مثل شخصية المصرفي برايان وولف (كوري ستول) والمنافس الأكبر منه مارك هانكوك (بروس غرينوود).

تويتر