وضعت معياراًًً ذهبياً لسينما الأبطال الخارقين

«مارفل» ترفع سقف التنافسية.. وتحتكر الوصفة السرية لأفلام التمازج

صورة

نقترب من اكتمال عام على إحدى أزمات العام الماضي في هوليوود، التي تسببت في إقالة عدد من التنفيذيين في مجلس إدارة شركة «وورنر بروس»، الأزمة هي الإخفاق الفني الكبير لفيلم «باتمان ضد سوبر مان: فجر العدالة». الفيلم سبب غضباً شديداً لعشاق الشخصيات، وإحباطاً أشد، نظراً لاستعجال الشركة في صنعه وطرحه بشكل غير مدروس جيداً، بسبب ضغوط المنافسة مع استوديوهات «مارفل».

الموضوع يستحق تسليط الضوء، خصوصاً في ظل نجاحات المنافس «مارفل»، التي لا يبدو أنها تصنع عملاً مختلفاً كثيراً عن إنتاجات «دي سي»، فالشركتان تتنافسان على صنع أفلام مقتبسة من قصص مصورة، والشركتان توظفان أحدث المؤثرات الخاصة لخدمة أفلامهما، والشركتان تتبعان النمط نفسه في عرض القصة، أي بخلط كل العناصر والشخصيات، ووضع عالمين مختلفين في واحد. فلماذا نجحت «مارفل» وأخفقت «دي سي»؟ للعلم أن «وورنر» طلبت من كريستوفر نولان التدخل مرات عدة، إلا أنه رفض معللاً أنه لا يريد إسباغ رؤيته التي شاهدناها في ثلاثيته الكلاسيكية (باتمان يبدأ 2005 وفارس الظلام 2008 ونهوض فارس الظلام 2012) على الأفلام الجديدة.

رفع سقف المنافسة

«حرب أهلية» فيلم استثنائي مصنوع ببراعة، ورفع سقف المنافسة كثيراً على «دي سي»، بل وضع معياراً ذهبياً لكيفية صناعة هذه الأفلام. «دي سي» أخفقت في صنع فيلم مكون من ثلاث شخصيات، فكيف ستكون الحال إذا أرادت وضع معظم الشخصيات في فيلم واحد كما هي الحال مع «مارفل»؟ «دي سي» بهذا المستوى لن تستطيع حتى إنتاج فيلم بنصف مستوى «حرب أهلية». الطريف في الأمر أن شخصيات «دي سي» التابعة لوورنر ناجحة تلفازياً وفاشلة سينمائياً، والأمر معكوس تماماً عند «مارفل».


- حقق فيلم (كابتن أميركا: حرب أهلية) نجاحاً كبيراً على الصعيدين الفني والشعبي، وأمن 181 مليون دولار من شباك التذاكر داخل الولايات المتحدة، وهو الفيلم الأعلى دخلاً عام 2016.

- (باتمان ضد سوبر مان: فجر العدالة).. الفيلم سبب غضباً شديداً لعشاق الشخصيات، وإحباطاً أشد، نظراً لاستعجال الشركة في صنعه وطرحه.

- محاولة قتل سوبرمان، لخلق صدمة للجمهور، لا تخدم أي هدف، لأننا نعلم أن هذه الشخصية أساساً ليست إنساناً بل مخلوق فضائي من كوكب آخر، وقتله يعني فشل كل خطة «دي سي» لعام 2020.

من ناحية أخرى، فإن «وورنر» لا تستطيع تعطيل أو تعديل خطتها الممتدة لعام 2020، نظراً لتعاقداتها العالمية مع شركات التوزيع السينمائي، وتصنيع ألعاب الأطفال. لتكون المقارنة أسهل، فلنستعرض نجاحات «مارفل» لنعرف أين أخفقت «دي سي».

حقق فيلم «كابتن أميركا: حرب أهلية» نجاحاً كبيراً على الصعيدين الفني والشعبي، وأمن 181 مليون دولار من شباك التذاكر داخل الولايات المتحدة، وهو الفيلم الأعلى دخلاً عام 2016. هذا يعني أن أربعة من أعلى ستة أفلام دخلاً في أيام الافتتاح في التاريخ هي لـ«مارفل» خلال الأعوام الخمسة الماضية.

بعيداً عن النجاح التجاري، فيلم «حرب أهلية» يعدّ استثناءً وليس معياراً في كل الجوانب، فعلى الرغم من وجود اسم كابتن أميركا في عنوانه، فإنه يكاد أن يكون من سلسلة أفلام «ذا أفنجرز» الشهيرة المملوكة أيضاً لـ«مارفل»، أي أن هناك مزجاً بارعاً بين سلسلتين، بحيث يصعب غالباً التمييز بينهما. الفرق بين «حرب أهلية» و«ذا أفنجرز» أن الأول يحذف شخصيتي «ثور» و«الرجل الأخضر»، والخلاف المركزي في القصة لا يتعلق بنهاية العالم.

بينما في حالة «باتمان ضد سوبرمان: فجر العدالة»، فإن الفيلم حقق نجاحاً مالياً كبيراً، لكنه أغضب عشاق الشخصيات، ونال أسوأ التقييمات من النقاد. النجاح المالي (872 مليون دولار بعد انتهاء عروضه) لم يكن المأمول منه، خصوصاً لو علمنا أن «وورنر» اعتادت تجاوز عتبة المليار في آخر فيلمين من ثلاثية نولان الكلاسيكية.

الموضوع لا يتعلق فقط بشخصيات «مارفل» المرحة الممتعة المكتوبة في فيلم عالي الجودة، بينما ما شاهدناه في «دي سي» كان جامداً وموحشاً وقاتماً، وغير مصنوع بصورة جيدة. العامل المشترك بين الفيلمين هي قصتهما المركزية المتمثلة في قتال أبطالهما ضد بعضهم بعضاً. لكن الاستثناء - كما أشرنا آنفاً - هو «حرب أهلية»، الذي يعدّ بمثابة خريطة طريق في كيفية صنع مثل هذه الأفلام بصورة صحيحة، وفي الوقت نفسه «حرب أهلية» دليل على أن «فجر العدالة» أخفق تماماً في صنع فيلم قائم على الفكرة نفسها.

العامل المشترك الثاني بين الفيلمين هو تحمل أبطالهما مسؤولية الأضرار الجانبية التي تحدث نتيجة الصراعين، هذا هو سبب كره بروس وين (باتمان) لسوبرمان (نتحدث عن مشاهدة وين تحطم بنايته كإحدى نتائج معركة سوبرمان ضد الجنرال زود)، وهو سبب انقسام أبطال «حرب أهلية» حول اتفاقيات سوكوفيا (نتحدث عن أحداث الدمار التي وقعت في أفلام «ذا أفنجرز 1 و2 وكابتن أميركا: جندي الشتاء،

وتحطيم سكارليت ويتش مبنى بالخطأ في افتتاحية «حرب أهلية»)، وهي الاتفاقيات التي نصّت على وضع الأبطال الخارقين تحت إشراف لجنة من الأمم المتحدة.

«حرب أهلية»استغرق سنوات في كتابة وتطوير النص، بينما المشكلة أن «باتمان ضد سوبرمان» يبدو كأنه لم يستغرق أكثر من ساعة في الإعداد في أفضل الأحوال. لدينا قرابة عقد استثمر في تطوير شخصيات «مارفل» هذه تحديداً، فعندما يختار «آيرون مان» الوقوف ضد «كابتن أميركا» بعد سنوات من التحالف، يكون للخلاف طعم ومعنى، ويستحق منا كل الاهتمام، ونشعر بثقل الحدث في الفيلم، بالضبط كما يحدث في العالم الواقعي عند وقوع أزمة سياسية حادة، أو حرب بين دولتين متحالفتين في السابق لفترة طويلة (أميركا وإيران، أو أميركا وبنما، أو التحالف المؤقت بين أميركا وبريطانيا والاتحاد السوفييتي أثناء الحرب العالمية الثانية بعد عقود من العداء)، فإن عناوين حدث كهذا ستحتل نشرات الأخبار.

في «باتمان ضد سوبرمان» الأمر ليس كذلك، لأننا نقابل الشخصيات في هذه الرؤية للمرة الأولى، مقارنة بتاريخ من التحالف بين فريق «ذا أفنجرز» شاهدناه في أفلام عدة منذ 2011 إلى الفيلم الأخير. سوبرمان الجديد عرفناه في فيلم «رجل من فولاذ» 2013، وفيلم واحد لا يكفي أبداً لخلق خلاف ملحمي بين أهم بطلين في عالم «دي سي»، خصوصاً أن باتمان في هذا الفيلم يعدّ غريباً على الجمهور بممثل جديد في عالم «دي سي»، وبحاجة إلى فيلم لوحده. ثم إن فكرة الخلاف بينهما قائمة على سوء تفاهم غبي لا أكثر حدث في آخر الفيلم السابق، الذي لم يظهر فيه باتمان أساساً، وليس على سنوات من عملية تطوّر الشخصيات قبل الوصول إلى نقطة الخلاف المذكورة.

الخلاف في «حرب أهلية» له معنى، وهناك توازن كافٍ لمشاهدة طرفي الخلاف بوضوح، «كابتن أميركا» يأخذ موقفاً يمينياً محافظاً برفض فكرة الخضوع لإشراف الأمم المتحدة، وتركها تملي على فريقه ما يجب فعله وما لا يجب فعله. بينما «آيرون مان» موقفه ليس أحمقاً، كذلك فهو يشعر بالذنب الشديد جرّاء ما حدث، وعلى الرغم من عيوب اتفاقيات سوكوفيا، فإنه يحاول أن يغفر لنفسه تهمة العار، خصوصاً أنه يستطيع لوم الأمم المتحدة بسهولة لو حدث شيء مماثل في المستقبل. موقف «آيرون مان» قوي، فهو تحت ضغوط الشعور بالذنب جرّاء سقوط قتلى في المعركة، وفي الوقت نفسه يتألم نتيجة انفصاله عن رفيقته (بيبر)، وعندما يظن المشاهد أن طرفي الخلاف سيتجاوزان المحنة، يميل الفيلم بشدة باتجاه اليسار عندما يتخذ «آيرون مان» موقفاً متشدداً من «باكي بارنز» صديق «كابتن أميركا»، الذي تعرّض لعملية غسل دماغ قام على أثرها بقتل أشخاص عزيزين على «آيرون مان»، وما يجعل الموقف أكثر حدة وتوتراً هو قرار «كابتن أميركا» تغطية الجريمة. يعدّ ما سبق سبباً وجيهاً ومقنعاً لنشوب حرب بين أعضاء فريق يتكون من مجموعة حلفاء، فعندما يقول «كابتن أميركا» لـ«آيرون مان» إن «الرجل - أي بارنز - مسلوب الإرادة، ولم يكن في وعيه عند ارتكابه الجريمة»، يرد عليه «آيرون مان» قائلا: «لا يهمني لقد قتل أمي». هذا النوع من دوافع الشخصيات هو الأصلح والأفضل لمثل هذه الأفلام، أي خلق خلافين مرتبطين ببعضهما بعضاً، الأول خلاف يضر المصلحة العامة (تكبيل الفريق باتفاقيات سوكوفيا)، والثاني خلاف شخصي بين أهم شخصيتين يعطي دافعاً داخلياً مقنعاً جداً للاقتتال.

في المقابل، لدينا صراع غير متماسك إطلاقاً في «باتمان ضد سوبرمان» يبدأ بالطريقة نفسها، عندما يظن بروس وين أو «باتمان» أن «سوبرمان» يشكل خطراً على المدينة، بسبب سقوط قتلى، نتيجة معركته ضد الجنرال زود، وأيضاً لأنه لو قرر سوبرمان اتخاذ موقف ضد الإنسانية (على اعتبار أنه مخلوق فضائي من كوكب كريبتون)، فإنه سيكون مستحيلاً وقفه.

المشكلة أن حل «باتمان» هو قتل «سوبرمان» بعينين مغمضتين مباشرة دون تفاهمات! حتى لو التمسنا له عذراً وهو أن هذه رؤية جديدة لشخصية «باتمان»، وتختلف عن كل الرؤى السابقة للشخصية، فإن ذلك الدافع هو بكل بساطة انقلاب على كل المفاهيم والقيم السابقة التي عرفناها عن الشخصية.

بالنسبة لـ«سوبرمان» فلا يبدو أن لديه أي دوافع سوى أن يضع حداً لكراهية الناس له، إضافة إلى إيقاف بعض التهديدات عند بروزها. ذلك يعود جزئياً إلى أن الشخصية لا تتمتع بمساحة كافية في الفيلم، إذ إن كل حوارها مؤلف من 40 جملة أو أقل (سبايدرمان حصل على حوارات أكثر من سوبرمان في فيلم «حرب أهلية»). في الحقيقة إن قتال «سوبرمان» ضد «باتمان»، من خلال الابتزاز يعدّ دافعاً ضعيفاً للغاية، على الرغم من أن مشهد القتال كان جيداً.

«باتمان ضد سوبرمان» عانى مشكلة أخرى رئيسة، وهي ضعف الشخصية الشريرة (ليكس لوثر)، التي أخفق في تجسيدها جيسي آيزنبيرغ، لأن ما يفعله ليس له أي معنى، غير أنه مبالغة لشخصية مارك وزكربيرغ التي مثلها في فيلم «ذا سوشال نيتوورك». لماذا يكره ليكس سوبرمان؟ لا يوجد سبب لذلك ما عدا خطب بلهاء غامضة عن القوى والسلطة. لماذا يريد ليكس من سوبرمان أن يقتل باتمان؟ لماذا يبني ليكس «دومسداي» (شخصية شريرة تشبه غودزيلا)؟ لماذا يريد ليكس تدمير وقتل كل شيء؟ لا توجد أي إجابات عن هذه الأسئلة.

أساساً، ليكس يعدّ من أذكى وأقوى الشخصيات الشريرة في عالم «دي سي» (نتحدث عن القصص المصورة)، لكنه في رؤية شنايدر تم تقليصه إلى مجرد شخصية شريرة بلا هدف، سوى إحداث تخريب ودمار بلا سبب.

في «حرب أهلية»، لدينا شخصية (زيمو)، الذي بالكاد نعرف اسمه بعد نهاية الفيلم، وحتى عشاق قصص «كابتن أميركا» المصورة قد لا يعرفون اسمه، على الرغم من أنه موجود فيها. (زيمو) في «حرب أهلية» شخصية هامشية بالكامل، جاسوس من منطقة «سوكوفيا» تلقى عائلته مصرعها في الفوضى الناجمة عن معركة فريق «أفنجرز» ضد نظام الذكاء الاصطناعي «ألترون»، وبالتالي هو يريد الانتقام.

دافع بسيط ومنطقي ومؤثر وواقعي لشخصية، على الرغم من أنها مهمشة، لكننا نهتم بها. خطة «زيمو» تقضي بإحداث صدع في فريق «أفنجرز» عن طريق توريط «باكي» في حادث تفجير مبنى الأمم المتحدة، ما يشعل التوتر الذي تم إحداثه أصلاً بمجرد خروج «اتفاقيات سوكوفيا» إلى العلن. ثم يعيد «زيمو» تفعيل «باكي» المغسول دماغه، أي يذكره بأشياء لا يجب أن يتذكرها في تلك اللحظة، ما يعزز انقسام الفريق، ثم يكشف ما يعرفه عن مقتل والدي توني ستارك (آيرون مان)، ما يشعل الحرب الأهلية التي سمي الفيلم عليها. لماذا يفعل «زيمو» ذلك؟ لأنه ضعيف ولا يستطيع محاربة فريق من الأبطال الخارقين، وهذا ما يجعله الشخصية الشريرة الأكثر اعتماداً على إيحاءاتها من أفعالها، ما يشير إلى أنه الشخصية الأنجح إطلاقاً على مستوى الفيلم، والوحيد الذي تمكن من إحداث ضرر في فريق لا يقهر دون أن يتضمن ذلك تدمير مدن. «حرب أهلية» لا يبدو فيلماً متضخماً، على الرغم من ازدحامه بالشخصيات، لأننا نستمتع بكل شخصية على حدة. الأدوار موزعة بدقة شديدة (معركة المطار هي الأفضل في تاريخ أفلام الأبطال الخارقين). «بلاك بانثر» منسجم في فيلم يظهر فيه لأول مرة، ويعد مقدمة ممتازة لفيلمه المستقل. «سكارليت» و«فيجن» لهما لحظاتهما الخاصة. «رجل النمل» يخطف الأضواء بالنكت التي يلقيها. «سبايدرمان» الجديد يتم تقديمه في أحد أفضل مشاهد الفيلم عندما يذهب ستارك لتجنيده. وبالطبع الخلاف الرئيس بين «كابتن أميركا» و«آيرون مان» هو الأقوى. هناك كثير من الأحداث في الفيلم، لكنْ المخرجان الشقيقان جو وآنثوني روسو، تمكنا من ربط كل القصص بإحكام.

على الجهة الأخرى، في «باتمان ضد سوبرمان» الفيلم يبدو مزدحماً وثقيلاً، على الرغم من وجود ثلاث شخصيات فقط، والثالثة «ووندر وومان» لا حاجة إلى وجودها أساساً، فبدت مقحمة لأن «دي سي» ترغب في طرح فيلمها المستقل هذا العام. ودورها في المعركة ضد «دومسداي» قتل ذروة الفيلم وأفقد الفيلم معناه، فالسؤال هو: لو كانت «ووندر وومان» قادرة على قتل «دومسداي» بسيفيها.. فلماذا تم صنع الرمح الكريبتوني وهو السلاح المخصص لقتل الوحش؟

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

محاولة قتل «سوبرمان» لخلق صدمة للجمهور لا تخدم أي هدف، لأننا نعلم أن هذه الشخصية أساساً ليست إنساناً، بل مخلوقاً فضائياً من كوكب آخر، وقتله يعني فشل كل خطة «دي سي» لعام 2020، فنحن نعلم أنه سيعود! فلماذا تم قتله أساسا؟ لأن رؤية شنايدر تريد إضفاء منظور أسطوري على الشخصية.

تويتر