يعاني رتابة شديدة ولا يحمل جديداً

«دعوة الوحش».. ثقيل للأطفال ومبالغة في التبسيط للكبار

صورة

خرجنا من عام 2016 مشبعين من أفلام مليئة بالوحوش والمخلوقات الغريبة، كان أبرزها فيلم «الوحوش المذهلة وأين تجدها»، أو الأحرى المضجرة، وكان هناك فيلمان عن طفل يصادق وحشاً، الأول فيلم «العملاق الودود» الذي صادقته صوفي، وبييت الذي صادق تنينا في فيلم يحمل اسم الاثنين.

ميلودراما مظلمة

أداءً، كل الممثلين يؤدون أقل المطلوب منهم، ولا يبثون مشاعر حقيقية باستثناء ماكدوغال الذي يعطي أفضل ما عنده. الفيلم ميلودراما مظلمة أقرب إلى بؤس قصص الدراما الخليجية، لا يحمل جديداً، ومؤثراته الخاصة عادية، وهو فيلم مضجر ذو رتابة شديدة، كل ما يفعله هو إعادة لقطاته لإخبارنا بما لا نحتاج إلى معرفته. طوال الفيلم يقول كونور للوحش مرات عدة إنه لا يفهم المغزى من كل تلك القصص، وهو بالضبط الشعور نفسه عند المشاهد، أو على الأقل كاتب هذه السطور.

الآن نشاهد كونور، ذا الـ12 ربيعاً، يصادق وحشاً على شكل شجرة في فيلم A Monster Calls أو «دعوة الوحش». الفيلم عن فتى بريطاني يدعى كونور أومالي (لويس ماكدوغال - في ثاني فيلم له)، يعاني مشكلات كثيرة، أبرزها مرض والدته (فيليسيتي جونز) بالسرطان، بينما يستعد والده (توبي كيبيل) للهجرة إلى أميركا.

معاناة كونور واكتئابه يتسببان في إيقاظ وحش على شكل شجرة (صوت ليام نيسن) تقبع خلف نافذة غرفته، تقتلع الشجرة، أو الوحش، نفسها من الأرض، وتمشي باتجاه منزل كونور (من المفترض أن يكون مشهداً مخيفاً) لكن لم يخف كونور، ولا حتى نحن (المشاهدون).

الوحش يتفق مع كونور على أن يحكي له ثلاث قصص مقابل أن تكون الحكاية الرابعة من كونور إلى الوحش. هل تشعرون أن القصة مرت عليكم من قبل؟ نعم، هو كذلك، لأن الفيلم غالباً موجه للأطفال رغم أنه جاد جداً في نبرته، إلا أن الجدية قد لا تستحوذ على اهتمام الكبار.

3 أجزاء

ينقسم الفيلم إلى ثلاثة أجزاء: الأول الجزء الواقعي هو مرض والدة كونور، وعدم قدرة الفتى على تحمّل مشاهدة أمه تستسلم للمرض، وبالتالي عدم تقبله تلك الحقيقة وإنكاره الدائم لها.

الثاني: القصص التي يحكيها الوحش لكونور، والتي من المفترض أن تحمل حكماً، إلا أنها مربوطة بشكل سيئ بالقصة الرئيسة، أو فلنقل مربوطة جيداً لكن ليس هناك حكمة منها، لأن كل شيء واضح أمامنا، ولسنا بحاجة إلى كل اللف والدوران لنعلم أن الأم لن تنجو! لأنه ليس من الحكمة صنع فيلم فلسفي وهو أصلاً ليس كذلك، وليست هناك حاجة إلى صنع فيلم لإخبارنا ببديهيات ومسلّمات.

الجزء الثالث - ولا نعلم ما الحكمة منه - هو أن كونور فتى يتعرض للتنمر في المدرسة من صبية أكبر وأطول منه، وهو ما شاهدناه في أفلام كثيرة.

عامل نفسي

دعونا نحلل الفيلم بطريقة مبسطة أكثر: لا وجود للفيلم من دون الوحش، لكن حتماً هناك فيلم بوجود كونور ووالدته ووالده وجدته (النجمة سيغورني ويفر) التي تحاول أن تكون صديقته الوحيدة قبل النهاية المحتومة، وطبعاً يرفض في البداية قبل أن تجبره الظروف على القبول.

وجود الوحش عاملاً نفسياً ضروري حتى لا يتحطم كونور بسبب الاكتئاب، لكنّ هناك طرقاً أفضل بكثير لسرد هذه القصة (صداقة إنسان مع مخلوقات غريبة من خياله)، كان أبرزها رائعة غوليلرمو ديل تورو Pan’s Labyrinth عام 2006، أو لو تحول الفيلم بالكامل إلى «أنيميشن». المخرج الإسباني جي إيه بايونا (أخرج فيلم «دار الأيتام» 2007 و«المستحيل» 2012، وهذا الأخير كان مضجراً كهذا الفيلم)، يبدو أنه يريد إضفاء نوع من الهيبة والرعب على المَشاهد التي يدخل فيها الوحش ليواجه كونور، لكن الرعب سرعان ما يتحول إلى رتابة وضجر.

كونور متوتر ينظر إلى أغراضه (بينها لعبة تدور ويتسبب دورانها في تحرك خيال رجل مرسوم عليها، شاهدناها في فيلم The Conjuring 2)، ثم ينظر إلى الساعة فتشير إلى 12:07 صباحاً أو مساء (شاهدنا ذلك في فيلم The Conjuring الجزء الأول عندما توقفت كل ساعات المنزل عند 3:07 صباحاً وهو وقت ظهور الشياطين)، ويدخل الوحش!

مع تكرار المشهد غير المخيف أو المثير أصلاً، تولدت رتابة قتلت أي شعور أو أمل تبقى في أن يكون لقصة هذا الفيلم أي أهمية.

يبدأ الوحش في سرد قصصه المضجرة، ويخرج بايونا من الواقع، ويأخذنا إلى خيال شاهدنا أفضل منه في أفلام سابقة، القصة الأولى كليشيه عن ملك فقد أبناءه الثلاثة، والثانية عن صيدلي، يستخدم الأعشاب الطبيعية، يتعرض عمله للخسارة بسبب قس أقنع الناس بعدم تلقي العلاج من الصيدلي، والثالثة عن رجل خفي.. لا يهم ما يحدث له.

القصتان الأولى والثانية تشتركان في نقطتين، الأولى أن موت شخص عزيز شيء يحدث في الحياة ويجب تقبله، والثانية أننا أحياناً يجب أن نتخذ قرارات حتى لو كانت تخالف معتقداتنا أو قيمنا، وكأن هناك جديداً في الموضوع!

القصة الثالثة عن رجل خفي تعب من معاناة تجاهله من قبل الآخرين، ويتحول فجأة إلى كونور، ويهجم على الفتى المتنمر في المدرسة ويبرحه ضرباً! حتى الآن لا نعلم ما علاقة هذه القصة ببقية القصص سوى أنها جزء من بناء شخصية كونور التي نعلم أيضاً أنها ستحدث لا محالة. القصة الثالثة هي الوحيدة التي أحسن بايونا سردها في البداية، لكن يبدو أنه وقع في مأزق يتعلق بالميزانية، أو ربما أجبر على تقليص مدة الفيلم، فكانت هي الأضعف. أما القصة الرابعة التي يطلب الوحش من كونور أن يحكيها له فهي قصة الفيلم أساساً، لكن ما يريده الوحش أن يتعلم كونور أن الموت من بديهيات الحياة، وأنه ليس خطأ أو عيباً أن نحزن على موت شخص عزيز، بالطبع لم نفسد شيئاً لأنه لا يمكن إفساد ما هو بديهي.

تويتر