التعاون الثالث بين البطل والمخرج في 3 أعوام

«بوسطن» تطارد الإرهابيين في «يوم الوطنيين»

صورة

للمرة الأولى منذ السبعينات نشاهد مجموعة أفلام مقتبسة من عناوين الأخبار، وتكون الفترة الزمنية بين الحدث والفيلم سنوات عدة فقط، فخلال العام الماضي شاهدنا التالي:

فيلم «13 ساعة» تابعناه في بداية العام الماضي لمايكل باي عن الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي بليبيا يوم 11 سبتمبر 2012، الذي قتل فيه السفير الأميركي كريس ستيفنز.

فيلم «سولي» شاهدناه في سبتمبر الماضي عن القرار البطولي والحكيم للطيار الأميركي تشيسلي سولينبرغر بالهبوط اضطرارياً في نهر هدسون في نيويورك، بعد تعطّل محركي طائرته إثر اصطدامها بسرب طيور في يناير 2009.

فيلم «ديب ووتر هورايزون» شاهدناه في أكتوبر الماضي عن انفجار منصة النفط التابعة لشركة بريتيش بتروليوم قبالة سواحل نيو أورلينز في أبريل 2010.

واليوم نشاهد فيلم Patriots Day أو «يوم الوطنيين» عن التفجيرين اللذين وقعا عند خط نهاية سباق الماراثون في مدينة بوسطن الأميركية في أبريل 2013، ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وأوقع مئات الجرحى.

حدث تراجيدي

ليست هناك قصة لـ "يوم الوطنيين" نوردها في هذا الصدد، لأن الحدث التراجيدي شهد تغطية مكثفة في كل وسائل الإعلام العالمية خلال الأسبوع الأول من التفجيرين إلى أن تم إلقاء القبض على الإرهابي الشيشاني جوهر تسارانيف بعد أكبر مطاردة وعملية بحث في تاريخ المدينة التي أسفرت عن إغلاق بوسطن بأكملها، لكن بإمكاننا طبعاً مناقشة القصة من خلال سيناريو الفيلم.

 

جيد جداً

الفيلم جيد جداً رغم تحفظنا على وجود شخصية سوندرز الخيالية التي لم تضف شيئاً، ويستحق المشاهدة لمحبي أفلام الحركة والمطاردات، خصوصاً أن قصته حقيقية وموثقة ولاتزال في الذاكرة.

يبدأ الفيلم بمشهد لشرطي يُدعى الرقيب تومي سوندرز (مارك وولبيرغ) في مداهمة روتينية لعملية مخدرات، الهدف من المشهد هو إخبارنا أن سوندرز كان له شأن في شرطة بوسطن قبل تعليقه عن العمل ثم تحويله لأداء مهمة لا تليق بمركزه، وهي الوقوف عند خط نهاية ماراثون المدينة، وهو مشهد كليشيه شاهدناه في أفلام كثيرة.

ينتقد سوندرز وضعه، خصوصاً أنه يعلم أن خبرته أهم من أن يكون في هذا الموقف، لكن ذلك لا يدوم طويلاً، إذ بعد ساعتين يقع الانفجاران، ويجد سوندرز نفسه في قلب الحدث. سوندرز هو الخلل الرئيس في هذا الفيلم لأنه العنصر الوحيد الخيالي في القصة الحقيقية والقوية أصلاً دون الحاجة إلى وجوده. قصة التحقيق والمطاردة تحوي الكثير من النماذج البطولية من قلب الحدث، فهناك الكثير من رجال الشرطة والمحققين عرضوا حياتهم للخطر بالتأكيد لإيقاف الإرهابيين تسارانيف، وليس الأمر مقتصراً على تلك التفجيرات، بل إن كل كارثة تقع في أي مكان في العالم تولد أبطالاً يهرعون لتقديم المساعدة والتضحية ومد يد العون للغير. أما لماذا قرر مخرج الفيلم بيتر بيرغ وضع شخصية خيالية وسط فيلمه؟ الإجابة سهلة، حتى يفعل ما يحلو له ولا يحاسبه أحد على الدقة والصدقية.

بيرغ ووولبيرغ تجنبا هذا المطب بنجاح في تعاونهما السابق «ديب ووتر هورايزون» عندما ركزا على الحدث نفسه، ونتائجه على العاملين في منصة النفط. المشكلة هنا أن سوندرز رغم أنه الشخصية الرئيسة إلا أنه - نوعاً ما - ضائع بين مجموعة كبيرة من الممثلين المحترفين أبرزهم جي كي سيمنز الحائز جائزة أوسكار منذ عامين.

الأدوار موزعة

لا يمكن القول بسهولة أن وولبيرغ هو بطل هذا الفيلم، وهذا الممثل أصلاً من مواطني مدينة بوسطن لأن الأدوار موزعة بشكل جيد بين أفراد شرطة بوسطن وعملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي وسياسيي المدينة، بالإضافة إلى شرطة مدينة «ووتر تاون» المجاورة، إذ تم العثور على جوهر تسارانيف مختبئاً في قارب. في الحقيقة إن هذه القصة الحقيقية هي التي أنقذت الفيلم وليس سوندرز وقصته الخيالية وشخصياتها غير الضرورية. سوندرز أساساً لم يكن له دور أو أهمية ويمكن إلغاؤه بسهولة دون أن تتأثر القصة وهو مقحم طوال الفيلم إلا في مشهد واحد عندما يتصادف وجوده مع شخصية كان لها دور مهم في تغيير مسار التحقيق. وفي مشاهد كثيرة لا يقول سوى: الويل لذلك اللعين، سألقنه درساً. لا أكثر. وحتى في مشهد إطلاق النار الرهيب بين الإرهابيين تسارانيف ورجال الشرطة فإن أبطال المشهد كانوا رجال شرطة غير معروفين وجي كي سيمنز ولم يكن هناك دور يذكر لسوندرز في ذلك المشهد الحابس للأنفاس.

في مشاهد التحقيقات والصراع على الصلاحيات بين الشرطة ومكتب التحقيقات الفيدرالي (أيضاً كليشيه في معظم الأفلام الأميركية البوليسية) فإن دور سوندرز محدود للغاية، ونجما هذه المشاهد كانا الرائعين كيفن بيكن وبدرجة أقل جون غودمان.

على الطرف الآخر نشاهد الإرهابيين جوهر تسارانيف (أليكس وولف) وشقيقه تاميرلان (ثيمو ماليكيدز)، قابعين في شقتهما الكئيبة يشاهدان مقاطع فيديو لمتشددين يشرحون كيفية صنع قنبلة مسامير في المنزل باستخدام قِدر الضغط، بينما زوجة تاميرلان (ميليسا بينويست) توبخ زوجها لعدم شرائه الحليب المناسب.

براعة.. وخلل

قصة الإرهابيين بدت كأنها من فيلم آخر قبل أن تندمج تدريجياً في القصة الرئيسة بشكل سلس وجميل، وهذه براعة تحسب لبيرغ الذي تمكن من إدارة الفيلم بشكل ممتاز رغم الخلل المذكور أعلاه للأسباب التالية:

أولاً: بيرغ بسّط الفيلم بتركيزه على الوقائع الحقيقية وهي التحقيق والمطاردة فقط. التحقيق من خلال معاينة كاميرات المراقبة ومقاطع الفيديو المصورة بواسطة هواتف الشهود. ثانياً: التحقيق مؤلف من ثلاثة أسئلة: هي من الفاعل؟ وأين هو؟ وهل هناك المزيد من القنابل؟ ثم وضع أشخاصاً محترفين أكفاء ليؤدوا عملهم ومن هذه النقطة تحديداً استمد الفيلم زخمه.

ثالثاً: بيرغ رسم مطاردة من أجمل ما يكون، تخللها مشهد إطلاق نار في أحد شوارع بوسطن بدا كحرب شوارع، تلك المطاردة احتلت نصف الفيلم الثاني بأكمله وهذه تحديداً هي منطقة اختصاصه.

ثم هناك موسيقى الفيلم (ألفها ترينت ريزنور) التي تجعل المشاهد مشدوداً ومتوتراً رغماً عنه (بالضبط كموسيقى فيلم سيكاريو). ولا ننسى مشهد الانفجار المفاجئ ــ رغم أنه متوقع ــ الرهيب الذي يعيد إلى الأذهان مشهد تفجير فيلم «داي هارد 3» الافتتاحي الشهير (المقارنة من حيث حجم الانفجار ومساحة المكان، أي انفجار متوسط في مساحة صغيرة).

هذا التعاون الثالث بين الممثل مارك وولبيرغ والمخرج بيتر بيرغ في ثلاثة أعوام، وبه تكتمل ثلاثيتهما المقتبسة جميعها من قصص حقيقية، الأول كان فيلم Lone Survivor أو «الناجي الوحيد» عام 2013 عن إخفاق مهمة فرقة قوات خاصة تابعة للجيش الأميركي في جبال أفغانستان، والثاني «ديب ووتر هورايزون» منذ ثلاثة أشهر وهذا الفيلم.

تويتر