تعاني قلة النجوم والتكرار الشديد

سينما الكوميديا تتراجع تحت هيمنة الأسواق الخارجية على قرار هوليوود

صورة

لو نظرنا إلى أنجح أفلام عام 2016، فسنجد أن العديد منها أعمال متوقع نجاحها، في مقدمتها صنف الأبطال الخارقين، والرعب وأفلام «الأنيميشن» العائلية، وكذلك أفلام «الأكشن» ذات الميزانيات الكبيرة. والملاحظ أن هناك نقصاً في القائمة المذكورة آنفاً، وكذلك في خطط هوليوود الإنتاجية، هذا النقص يتمثل في التراجع الشديد لأفلام الكوميديا.

منذ 10 أعوام، كانت أفلام الكوميديا من نوع «البلوكباستر» (تتمتع بميزانية ضخمة، وبطولتها مسندة إلى نجوم) عنصراً رئيساً في خطة أي استوديو لدر الأرباح، بسبب رخص إنتاجها، مقارنة بالأصناف الأخرى، وميلها إلى البقاء في الصالات، اعتماداً على عامل الترويج، من خلال تداول أو حديث الناس عنها. اليوم تغير الوضع، حيث أصبحت أولويات هوليوود هي تلبية رغبات الأسواق الخارجية: (الصين، والشرق الأوسط)، وبالتالي تلك الأسواق غير مهتمة بالأفلام الكوميدية.

هوليوود عانت، في السنوات الأخيرة، تراجع مبيعات تذاكر الأفلام الكوميدية في الأسواق الخارجية، إلا إذا احتوت تلك الأفلام على عنصرين: الأول أن يكون في بطولتها نجم معروف عالمياً، والثاني أن تحوي مشاهد «أكشن» خلابة مبهرة ومكلفة مالياً، ما أدى إلى ميل بعض المنتجين هناك إلى الابتعاد عن صنع أفلام كوميدية ودراما متوسطة الميزانية، لمصلحة صنع سلسلات أفلام معروفة جماهيرياً، قادرة على جذب كل أفراد العائلة، بدل التركيز على شريحة معينة. لكن لو استمرت هيمنة الأسواق الخارجية على صنع القرار في هوليوود، فإنه من المتوقع اختفاء الأفلام الكوميدية بشكل كامل من دور السينما. أما الأصناف الأقل ربحية غير الكوميديا، فسيتم إنتاجها بصورة مستقلة أو ستتحول إلى أعمال تلفزيونية.

يعتبر ويل فاريل (أكبر نجم كوميديا أميركي في العقد الماضي) مثالاً جيداً لما يدور في هوليوود حالياً، فمنذ انطلاقه إلى النجومية، من خلال فيلم «إلف» عام 2003، ظهر بعدها في تسعة أفلام أخرى كلها كوميدية، حققت 100 مليون دولار في شباك التذاكر الأميركي. فيلم فاريل «تالاديغا نايتس: ذا بالاد أوف ريكي بوبي» 2006 حقق نجاحاً كبيراً ومفاجئاً في الولايات الديمقراطية والجمهورية على حد سواء، رغم سخريته من عناصر ومكونات وقيم المجتمع الأميركي، وحصد 148 مليوناً في شباك التذاكر، إلا أنه عالمياً لم يجنِ سوى 14 مليوناً، ما يعادل 9% من إجمالي إيرادات الفيلم.

في عام 2016، أصبح معتاداً، بل حقيقة، أن الفيلم عموماً يحصد أكثر من 60% من أرباحه من الأسواق الخارجية، ويظهر ذلك من خلال أكثر الأفلام ربحية هذا العام: (زووتوبيا، كابتن أميركا: حرب أهلية، كتاب الأدغال، باتمان ضد سوبرمان: فجر العدالة). فلننظر إلى الأعمال الكوميدية بالمقابل، وسنجد المعادلة مقلوبة: فيلم فاريل الأخير «داديز هوم» حقق 150 مليون دولار في أميركا، لكن 90 مليوناً فقط في كل الأسواق الخارجية، وذلك يعني 37% من إجمالي دخله.

«ترين ريك» من أقوى الأفلام الكوميدية، العام الماضي، حصد 110 ملايين دولار في أميركا، مقابل 30 مليوناً فقط في الأسواق الخارجية. هذا معناه أنه عندما يخفق الفيلم الكوميدي داخل الولايات المتحدة، فإنه بالتأكيد لن يستطيع الاعتماد على الدولارات المتدفقة من الأسواق الخارجية لإصلاح الخلل، كما يحدث في بقية الأصناف الأخرى من الأفلام، مثل «الأكشن»، وأفلام الأبطال الخارقين.

فيلم «ووركرافت» يعد فيلماً فاشلاً بجدارة، إذ حقق 433 مليوناً إجمالاً، 10% منها في الولايات المتحدة. ويعد فيلم «باسيفيك ريم» عند البعض خيبة أمل، ويجري العمل الآن على صنع جزء ثانٍ له بسبب نجاحه الكبير في الصين فقط. هل نستغرب لو علمنا أن جزءاً جديداً من فيلم «قراصنة الكاريبي» سيطرح العام الجاري، رغم أن قصته فقدت زخمها؟ سبب صنع الجزء الجديد أن السابق والرابع في السلسلة حقق 77% من إيراداته خارج الولايات المتحدة.

- السبب الرئيس في إخفاق الأفلام الكوميدية، اليوم، هو قلة النجوم فيها.

- الفراغ الحاصل بدأ تدريجياً منذ انحسار الأفلام الكوميدية بعد «ذا هانغ أوفر» عام 2009.

وأكثر الأفلام الكوميدية ربحية هذا العام، كان «سنترال إنتيليجنس»، الذي مزج الكوميديا بالأكشن من دون تردد، حتى أصبح صعباً تصنيفه كوميدياً بحتاً أو «أكشن» خالصاً، والأمر نفسه ينسحب على فيلم «جاسوس» لميليسا مكارثي العام الماضي. ورغم أن الفيلمين السابقين حققا الشرطين المطلوبين للنجاح خارج أميركا (بطولة نجوم + مشاهد أكشن متعددة)، فإنهما لم يحصدا المتوقع من الخارج.

والسبب الرئيس لإخفاق الأفلام الكوميدية داخل الولايات المتحدة، اليوم، هو نفسه خارجها، أي قلة وجود النجوم فيها، فمثلاً ساشا بارون كوهين، الذي اشتهر بسبب فيلم «تالاديغا نايتس»، وحقق نجاحاً منقطع النظير في فيلم «بورات»، تعثر كثيراً في السنوات الأخيرة كنجم كوميديا. وفيلمه الأحدث «الإخوان غريمسبي» حقق 25 مليون دولار فقط في كل أنحاء العالم، ما تسبب في تهميشه من قبل الاستوديوهات، ولجوئه إلى السينما المستقلة.

مشروعات العام الجاري

العام الجاري سيشهد مشروعات كوميدية عدة: «روك ذات بادي» لسكارليت يوهانسون، و«باستاردز» مع أوين ويلسون وإيد هيلمز، و«ذا هاوس» مع ويل فاريل وإيمي بويلر.

ومعظم استراتيجيات صناعة السينما تعمل بطريقة دورية، أي أننا من الممكن أن نشاهد عودة محتملة للأفلام الكوميدية، لو قدر لنا مثلاً أن نشاهد فيلماً واحداً كوميدياً ناجحاً جداً داخلياً وخارجياً، مثل «ذا هانغ أوفر»، يرفع مؤشر أسهم استوديو معروف في هوليوود عالمياً، قبل أن نرى سلسلة من الأفلام الكوميدية اللاحقة، وهذا ما يؤكد قيمة أحاديث الناس المتداولة عن فيلم معين ناجح في الترويج له.

ولننظر إلى الوضع منذ 10 أعوام، من ناحية أكثر الأفلام ربحية عام 2006، فهناك العديد من النجوم، الذين لم يعد بمقدورهم الظهور في فيلم اعتماداً على سمعتهم وحدها. آدم ساندلر (فيلمه الناجح في ذلك العام كان «كليك»)، أصبح اليوم يظهر في أفلام بميزانيات ضئيلة، لا تستطيع حتى الولوج إلى قائمة الموزعين السينمائيين، وانتهى بها الأمر في خدمة «نيتفليكس» لأفلام الفيديو على الإنترنت، والأسوأ أن كل فيلم منها أشد رداءة من الذي قبله.

أما فينس فون (فيلمه الناجح عام 2006، كان «ذا بريك أب») فأصبحت أدواره ثانوية اليوم، وآخر فيلم ناجح له كان «خلوة أزواج» عام 2009. وماثيو مكوناهي (بطل فيلم «فشل الانطلاق» عام 2006)، كان نجم أفلام كوميديا رومانسية في العقد الماضي، ولم يظهر في فيلم من هذه النوعية منذ «أشباح صديقات الماضي» عام 2009، ولا يبدو أنه سيعود لو علمنا أنه حاز «أوسكار» أفضل ممثل من فيلم السيرة الذاتية «دالاس بايرز كلوب» عام 2013، ما يعني أن تقدير موهبته لم يأتِ إلا عندما خرج من الكوميديا.

وكان تايلر بيري، أحد نجوم الكوميديا المتبقين في الصنف، شهد نجاحاً غير متوقع لفيلمه الأخير «بوو» في أكتوبر الماضي. وحافظت ميليسا مكارثي على نجاحاتها في الكوميديا، وكذلك على تهريجها في فيلم «ذا بوس»، الذي حصد أكثر من ضعف ميزانيته، رغم أن إيراداته بلغت 63 مليون دولار في أميركا، و15 مليوناً فقط في الخارج.

ولاتزال هناك أفلام كوميدية ناجحة، لكنها لا تنتج من قبل الاستوديوهات الكبيرة، فـ«أمهات سيئات» الذي شاهدناه في الصيف، كان إحدى مفاجآت 2016، إذ أنتج من شركة صغيرة تسمى «إس تي إكس»، وهي تحاول سد الفراغ الحاصل في السوق الأميركية، لإنتاج أفلام متوسطة الميزانية من نوعية الدراما والكوميديا.

والفراغ الحاصل بدأ تدريجياً منذ انحسار الأفلام الكوميدية بعد «ذا هانغ أوفر» عام 2009، لكن «أمهات سيئات» الذي حقق 23 مليون دولار في الافتتاح بأميركا وكندا، لم يكن قوياً بما فيه الكفاية لقلب حالة اللامبالاة التي أصابت الجمهور تجاه الأفلام الكوميدية.

وفيلم «مطاردات الأشباح» عانى في شباك التذاكر، إذ حصل على 106 ملايين دولار بعد ثلاثة أسابيع من العروض، رغم أن في ترسانته ثلاثاً من الممثلات الأكثر شعبية في أميركا، وأيضاً «مايك وديف بحاجة لمواعيد زواج» أخفق كذلك بحصده 44 مليوناً فقط بعد شهر من عروضه.

ومشكلة الأفلام الكوميدية أنها تكرر بعضها بعضاً كثيراً، فمثلاً «مطاردات الأشباح» كان النسخة النسائية من «ذا هانغ أوفر»، والفيلم لم يأتِ بجديد بل أعاد استنساخ فكرتين سابقتين (إحداهما فكرة الفيلم الأصلي 1984) وقدمها على أنها فكرة جديدة. إن ما يحتاج إليه الفيلم الكوميدي هو لمسة تحديثية عصرية على فكرة قديمة لينجح، وليس إعادة تقديم الفكرة في القالب نفسه مع تغييرات هامشية بسيطة، وهذا سبب فشل معظم الأجزاء التالية لمعظم الأفلام الكوميدية.

وإن أقوى مثال في هذا الصدد هو فيلم كوميديا الكبار «تيد» عام 2012، الذي تزامن مع فيلم الدراما الكوميدية «ماجيك مايك»، وحقق الاثنان إيرادات عالية جداً لكن «تيد» تجاوز كل التوقعات بمبلغ خيالي، بلغ 549 مليون دولار عالمياً، وتخطى بذلك إيرادات فيلم «ذا هانغ أوفر» و«برايدزميدز».

وقال محللو شباك التذاكر في الولايات المتحدة إن التراجع بدأ العام الماضي، بعد انتهاء عروض فيلم الجزء الثاني من «تيد»، بإيرادات بلغت 217 مليون دولار عالمياً، أي بتراجع 61% عن الجزء الأول من الفيلم. والجزء الثاني من «ماجيك مايك» حصد 123 مليون دولار عالمياً، أي تراجع 27% عما حققه الجزء الأول.

إن المراقب المتابع للوضع عن كثب، سيلاحظ أن الموجة الحالية من الأعمال الكوميدية الموجهة للكبار فقط، تعاني صعوبة في عملية التسويق، فإذا كان الفيلم من طاقم ممثلين رجال، فإنه يسوق كفيلم «أكشن» كوميدي، ويتم إدخال العنصر النسائي لإحداث نوع من التوازن، وبالتالي تكون للفيلم فرصة ولو ضئيلة، للوصول إلى الجمهور المطلوب.

وهذا ما أدى إلى فكرة صنع أعمال من بطولات نسائية مطلقة، خصوصاً بعد نجاح فيلمين من هذه النوعية العام الماضي: الأول كان «Pich Perfect 2» الذي حقق 288 مليون دولار عالمياً، والثاني «ترين ريك» بمبلغ 141 مليوناً. وهذا العام «مطاردات الأشباح» و«أمهات سيئات»، وتستمر الموجة بفيلم «أوشنز 8»، المؤلف من بطولة نسائية مطلقة سيطرح عام 2018.

وبالنسبة للكوميديا ذات البطولات الرجالية المطلقة، لم تعد الاستوديوهات تفكر في أعمال أصلية، أو الاستمرار في صنع أجزاء تالية من أفلام ناجحة، بل تفضل إعادة صنع أعمال كلاسيكية، فمثلاً «وورنر بروس» تحاول إعادة إنتاج فيلم «كادي شاك - 1980». أما أفلام الكوميديا العائلية المتعلقة ب” الكريسمس” فالوضع لايزال مطمئناً بالنسبة للاستوديوهات، ففي العام الماضي كان هناك «داديز هوم» بإيرادات 240 مليون دولار، وهذا العام هناك «أولموست كريسماس»، و«أوفيس كريسماس بارتي»، و«واي هيم».

وممثلو الكوميديا ذوو الأجور العالية أنفسهم يريدون إثبات قدراتهم في أصناف أخرى من الأفلام، إذ اتجه كيفن هارت لأفلام «الأنيمشن»، وأعار صوته لفيلم «الحياة السرية للحيوانات الأليفة» صيف هذا العام، وكذلك فيلم «كابتن أندر بانتس» العام المقبل، بالإضافة إلى إعادة للفيلم العائلي «جومانجي».

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

وبعد فيلم «ترين ريك»، اتجهت الممثلة إيمي شومر للدراما في «ثانك يو فور يور سيرفيس»، والأمر نفسه ينطبق على ميليسا مكارثي، التي ستخوض الدراما في فيلم «هل من الممكن أن تسامحني»، لكنها ستعود إلى الكوميديا في «لايف أوف ذا بارتي» عام 2018. للعلم مكارثي أدت دوراً جاداً في فيلم «سانت فينسنت»، منذ عامين.

تويتر