قدم أداء «أوسكارياً» جميلاً ولافتاً

مايكل كيتون يطيح بالشقيقين ماكدونالد في «المؤسس»

صورة

هناك ممثلون اشتهروا في السبعينات ومازالوا محافظين على المستوى نفسه إلى اليوم؛ مثل روبرت ريدفورد وميريل ستريب. وهناك ممثلون اشتهروا في السبعينات، وفقدوا زخمهم خلال الألفية مثل روبرت دينيرو، ورفيق دربه ألباتشينو.

فيلم خالٍ من الزوائد

من المعروف أن مطاعم الوجبات السريعة مرتبطة بفكرة البدانة، لكن هانكوك نجح بجدارة في صنع فيلم محكم خالٍ من الزوائد، وكيتون أعطى أداء رائعاً هو كالصلصة التي تعطي الطعام مذاقا خاصاً.

8

سنوات تمثل مرحلة واحدة من حياة كروك ركز عليها الفيلم، تبدأ من عام 1954 وتنتهي في 1961.

وهناك ممثلون اشتهروا في الثمانينات ومازالوا يحافظون على مستوياتهم، لعلّ أبرزهم توم كروز وتوم هانكس ودنزل واشنطن. وممثلون اشتهروا في الثمانينات وضاعوا بعد ذلك، مثل فال كيلمر ونيكولاس كيج، وممثلون اشتهروا في الثمانينات واندثروا ثم عادوا ثم ضاعوا، مثل جون ترافولتا («الإمارات اليوم» 28 أبريل 2016). وأخيراً ممثلون انطلقوا في الثمانينات واندثروا خلال الألفية ثم عادوا إلى الساحة بقوة، أبرزهم مايكل كيتون بطل هذا الفيلم.

عودة كيتون كانت من خلال فيلم «بيردمان» الفائز بالأوسكار لعام 2014، ثم أدى بطولة فيلم «سبوتلايت» في العام التالي، وفاز أيضاً بالأوسكار، في مفاجأة أذهلت العالم عندما كان الجميع آنذاك يراهن على فوز فيلم «العائد من الموت».. الخلاصة أن كيتون صعد على مسرح الأوسكار مرتين متتاليتين.

الطريف في الأمر أن كيتون صعد إلى النجومية من خلال فيلم «باتمان» عام 1989، و«باتمان يعود» 1992، ورفض الظهور في «باتمان للأبد» عام 1995 بسبب سوء النص؛ ما يدل على أن كيتون اهتم بجودة النصوص أكثر من مسألة قبض أجره. وعودة كيتون كانت من خلال فيلم «بيردمان» عن ممثل أفل نجمه تدريجياً منذ أن ظهر في دور شخصية خارقة، أي إن الفيلم عن قصة كيتون الحقيقية. يذكر أن كيتون رفض الفكرة قبل أن يقنعه بها صانع الفيلم ومخرجه أليخاندرو غونزاليس إيناريتو.

عودة لجادة الصواب

اليوم كيتون يثبت أنه عاد إلى جادة الصواب في فيلم The Founder (أو المؤسس)، عن قصة الرجل الذي كان خلف عمليات توسع سلسلة مطاعم ماكدونالدز للوجبات السريعة. لم تصحب الفيلم أي حملة تسويقية ولم نشاهد أي مقاطع ترويجية (تريلر) له في الصالات المحلية، لكن توقيت طرحه للصحافة، الشهر الماضي، في الولايات المتحدة، ثم توزيعه في كل الصالات الأميركية لاحقاً هذا الشهر، يدلان على أن شركة «واينشتاين» الموزعة للفيلم تترقب موسم الجوائز، وبالتأكيد تأمل حصول كيتون على جائزة أفضل ممثل.

يبدأ الفيلم برجل كادح يدعى راي كروك (مايكل كيتون) متنقل بين الولايات الأميركية يبيع آلات صنع الميلك شيك، أو الحليب المخفوق. كروك متزوج من امرأة صبورة (لورا ديرن)، خصوصاً أنه ينشغل عنها كثيراً، لكنه استطاع تأمين حياة مريحة لهما. أكثر ما يحبط كروك ملاك المطاعم غير الطموحين، وانعدام كفاءة خدمة الطلبات واستلامها في السيارات.

يصل خبر إلى كروك أن مطعماً صغيراً طلب عدداً كبيراً من آلات صناعة الحليب المخفوق من الشركة التي يعمل فيها. يقرر كروك زيارة المطعم لمعرفة سبب الحاجة لكل تلك الآلات، فيكتشف أنه يسمى «ماكدونالدز»، ذو شعبية كبيرة جداً، أمامه طوابير من البشر، والمثير للاهتمام أن الطوابير تتحرك بسرعة رغم كثافتها.

يقف راي في الطابور، وعندما يأتي دوره يطلب، ثم ينظر حوله ويفاجأ بعد نصف دقيقة أن طلبه جاهز أمامه، فلا يستوعب السرعة المذهلة التي تم تحضير الطلب خلالها، وليس ذلك فقط، بل ينبهر بالجودة العالية للطعام وأصالة فكرة تغليفه بالورق، وتقديم المشروبات الغازية في كؤوس ورق مقوى، حيث يتم التخلص من كل هذه المواد بإلقائها في سلة المهملات بكل بساطة. وليس هناك أي صحون أو شوكات أو سكاكين وملاعق.

يقابل راي الشقيقين المالكين للمطعم، الأكبر يعمل بجد واجتهاد يسمى موريس ماكدونالد (جون كارول لينش)، والأصغر المعتمد في قراراته على حدسه ريتشارد ماكدونالد (نيك أوفرمان). يأخذ موريس راي في جولة داخل المطعم فيعجب الأخير بالأخلاق العالية للموظفين، ويستمع إلى شرح من ريتشارد عن اعتماد المطعم بشكل كامل على الجودة العالية للطعام والخدمة السريعة جداً في تحضيره.

بعد ذلك يقنع راي الشقيقين إعطاءه حق الامتياز للتوسع في المطعم، ثم شيئاً فشيئاً تبدأ رؤية راي في التبلور والظهور لتتجاوز طموحات الشقيقين بسنوات ضوئية، وتتوسع شبكته كوحش يكبر بشكل متزايد كلما تم إطعامه، ولا شيء يوقفه، حتى تمكن في النهاية من إزاحتهما وشراء الاسم، والتربع على عرش مؤسسة ماكدونالدز العالمية التي تنتشر مطاعمها في كل دول العالم بفضل عبقرية هذا الرجل.

سيرة ذاتية

نحن أمام فيلم سيرة ذاتية لا يحمل جديداً على صعيد القصة المعروفة والموثقة في كتب وأفلام توثيقية. المخرج جون لي هانكوك (أخرج ذا بلايند سايد 2009، والرائع إنقاذ السيد بانكس في 2013). ليس غريباً على هذه النوعية من الأفلام، وفعلاً يحسّن توظيف مهاراته في إخراج مادة سيرة ذاتية ستضيع لو وقعت في يد غير متمرسة.

أفلام السيرة الذاتية - كما هو معروف - تتبع معادلة الصعود والأفول (صعود شخصية وسقوطها)، لكن هانكوك يعلم تماماً كيف يتجنب المطبات، ويشق طريقاً سلساً ومتوازناً في عرضه. هانكوك اختار التركيز على مرحلة واحدة من حياة كروك تبدأ من 1954 وتنتهي في 1961، وهي قراره الدخول في مشروع ماكدونالدز ثم التوسع به في المرحلة الأولى فقط، وهو ما يذكرنا بما فعله ألان سوركن في فيلم «ستيف جوبز».

هناك مشهد لكروك جالساً مع الشقيقين ماكدونالد يستمع لقصة تأسيس المطعم، مكون من دقائق عدة فقط، يستخدم فيه هانكوك الحوار والمونتاج السريع لسرد تاريخ محاولات الشقيقين فتح مشروع تجاري. المشهد جاء موفقاً ويمكن اعتباره تحفة في فن صنع المونتاج السردي المضغوط، وأعطى التوازن المطلوب لطرف القصة الأول.

أما بالنسبة للطرف الثاني، كروك، فهو رجل شبه يائس ومحبط، يكافح في أميركا بعد الحرب العالمية الثانية (يذهب إلى السينما وحده لمشاهدة فيلم أون ذا ووتر فرونت) رؤيته تسبق عصره، ويعلم أنه بارع في ما يفعل، بمجرد أن يحصل على ما يريده يبدأ في التوسع من دون تردد، إلى درجة الإطاحة بأصحاب الفكرة الأصلية، بالضبط مثل شخصية وولتر وايت في المسلسل الشهير Breaking Bad (أو الانحراف). كروك يبيع طعاماً قد لا يكون مقتنعاً به بقدر اقتناعه بنوعية الخدمة التي يقدمها، كما نرى في مشهد له يوظف رجلاً كان يبيع كتباً دينية رغم أنها لا توافق معتقداته، ومشهد آخر لكروك جالساً مع زوجته يأكلان طعاماً عادياً مطبوخاً في المنزل وليس الهمبرغر الذي يبيعه في مطاعمه.

كيتون قدم أداء أوسكارياً جميلاً، فهو المحبط الذي يتحول باستمرار من طور إلى آخر، فهو الطموح والخبيث والعبقري والمخادع والفائز بذكاء بنهاية الفيلم، لكنه لم يقلد الشخصية تماماً كما فعل حينما جسّد شخصية روبي روبنسون، الذي لايزال على قيد الحياة في «سبوتلايت». الطريف أن كيتون أمضى وقتاً طويلاً في مطبخ مطعم ماكدونالدز الذي بني خصيصاً لتصوير الفيلم، إلا أنه لم يتناول أي طعام فيه بل قال إنه لم يرغب حتى في تذوقه.

تويتر