أخفق في شبّاك التذاكر بسبب توقيت عرضه السيئ

تشاستين تكشف الجانب المظلم من واشنطن في «الآنسة سلون»

صورة

لا يعنينا الشأن السياسي الداخلي الأميركي بأي شكل من الأشكال، ولا نفتي أو نصدر أحكاماً عليه، لكن «الآنسة سلون» هو فيلم سياسي جديد لا يتردد في إظهار احتقار هوليوود للسياسة الأميركية ومؤسسات الحكم الديمقراطية هناك، وكنا قد تناولنا هذا الموضوع في هذه المساحة («الإمارات اليوم» 30 نوفمبر).

شخصية مختلفة

من اللافت في الفيلم شخصية فورد (جيك لاسي)، شاب يعمل في مهنة وضيعة غير أخلاقية هو الوحيد الذي يتعامل مع (سلون) كإنسانة؛ والمفارقة أنه الوحيد الذي يتمتع بضمير أخلاقي رغم مهنته، وبخلاف كل شخصيات الفيلم.

ليبرالية ساذجة

غوغو مباثا رو في دور إزم مانوشاريان، مساعدة لسلون، امرأة ليبرالية ساذجة من السهل استغلالها، تصبح في الفيلم وجهاً إعلامياً حين يتم استغلال محنة من ماضيها لتسويق أجندة الحملة.

بِل.. وليثغو

أليسون بِل في دور مساعدة سلون السابقة وذراعها اليمنى التي تعمل ضدها، وتسعى لتدميرها بناء على طلب جماعات ضغط السلاح. وجون ليثغو في دور عضو الكونغرس الفاسد والمخترق من قبل جماعة دوبونت.

كأن هوليوود تقول لنا إنه من الصعب عليها ترك السياسة جانباً، الفيلم ليس عن التعديل الثاني في الدستور الأميركي الذي يقر بحق تملّك السلاح، وليس عن محاولات تنظيم أو ضبط حمل السلاح رغم كل تلك التلميحات، بل هو عن سهولة فرض القوي تأثيره في واشنطن، والمدى الذي سيخاطر أعضاء جماعات الضغط في خوضه لأجل فرض أجنداتهم.

الفيلم عن السلطة وسوء استغلالها، المخرج جون مادن (أخرج فيلم «شكسبير في الحب» 1998، و«ذا بيست إكزوتيك ماريغولد هوتيل») غالباً لن يمانع مقارنة فيلمه بأحداث فيلم «العدالة للجميع» 1979، أو «الحكم» 1982، فبينما تلك الأفلام سعت لرفع شأن مهنة المحاماة المحتقرة، انصرف هذا ليعربد في الحوض القذر، وهو ممارسات جماعات الضغط في واشنطن.

قائدة جماعة ضغط

رغم أن النهاية تحوي خطاباً طويلاً، ومشهداً تقلب فيه الطاولات على الخصم في لقطة شبيهة بمشاهد دراما المحاكم، إلا أن الفيلم يقر النظرة الساخرة لدى الكثير من الناس في الشعب الأميركي عن كيفية سير العمل في مقر الكونغرس الأميركي الكابيتول هيل. كل شيء يتعلق بالأموال والعقود، والشخص الذي يبرع في التزلج عند الحافة المملوءة بالحفر دون أن يقع فيها فهو الذي ينجح.

القصة عن قائدة جماعة ضغط تدعى إليزابيث سلون (جيسيكا تشاستين) ذات الممارسات العدائية، والتي يتطلب تجنيدها فواتير عالية. سلون اكتسبت كل الصفات والأساليب التي تمكنها من فقدان الأصدقاء وتهميش الناس. عندما يطلب منها رجل محسوب على رابطة السلاح الوطنية تمثيله في الكونغرس، تتخذ قراراً صادماً باستقالتها، والانتقال للعمل لصالح مجموعة ضغط أخرى تعمل على صنع سياسات تنظيمية وضبطية لقوانين حيازة السلاح في الولايات المتحدة.

المجموعة الأخرى يمتلكها المليونير وفاعل الخير رودولفو شميدت (مارك سترونغ) الذي يقدر نتائج عمل سلون، قبل أن يبدأ في احتقار أساليبها. بعد ذلك تجد سلون نفسها تتعارك مع زملائها السابقين، وعلى رأسهم رئيسها السابق جورج دوبونت (الممثل القدير سام ووترستون من مسلسل «القانون والنظام»)، وينتهي بها الأمر أمام لجنة استماع في الكونغرس تحقق في أنشطتها.

النظام هناك فاسد

أفضل ما في الفيلم هو تجسيد تشاستين لشخصية تلك المرأة المهووسة بعملها لدرجة عدم تفكيرها في تكوين أي علاقة عاطفية، امرأة أذكى من جميع منافسيها على الساحة بقدر ما يبدو ذلك غير واقعي، خصوصاً أننا في زمن الرئيس المنتخب دونالد ترامب، وهذه نقطة سنعود إليها لاحقاً.

حسب الفيلم؛ فإن سلون ضميرها مثقوب، ولديها قدرات غير إنسانية في إحداث الأضرار الجانبية لخدمة أجندتها. سلون تتصرف بدقة متناهية كأنها روبوت مبرمج، فهناك لحظات إنسانية تحصل ولا تخطر على بال المشاهد، ليفاجأ بأنها من تخطيط هذه المرأة.

القصة لا تحمل جديداً، فهي تحوي حيلاً سياسية استخدمت في أعمال أخرى، أبرزها مسلسل «هاوس أوف كاردز»، ولا تتردد في اتباع العرف السينمائي المتمثل في وضع مشاهد المحاكمة في ذروة القصة، أو كما يفعل المؤلف جون غريشام عادة في أفلام الدراما القانونية المقتبسة من رواياته.

الفيلم ليس عما إذا كانت سلون مع أو ضد قوانين ضبط السلاح، بل هو عن توجهات قوى جماعات الضغط السياسية وقوة استمالتها للسياسيين في واشنطن، وقدرتها على وضعهم في الجيب، كما يكشف الفيلم ويعيد ويكرر أن النظام هناك فاسد.

الفيلم يفعل المطلوب لشد انتباه المشاهد، رغم أن معظم الأحداث مبالغ جداً فيها، وهي أقرب إلى خيال جامح منه إلى ما يحدث على أرض الواقع في العاصمة الأميركية.

نعود إلى نقطة عدم واقعية الفيلم، ودعونا نربطها بإخفاق الفيلم الشديد في شباك التذاكر. الفيلم يعرض من وجهة نظر ليبرالية أو ديمقراطية غير متلائمة مع الواقع السياسي الأميركي الذي قضى بهزيمة هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية الماضية، وكذلك توقيت عرضه كارثي (بعد أسبوعين من أبشع انتخابات في تاريخ الولايات المتحدة)، وعندما كان يكتب ويصور كان التصور وقتها هو أن كلينتون هي الرئيسة المقبلة.

الجمهور الأميركي الذي انتخب ترامب سئم تماماً من الخطاب الديمقراطي ودعاته من النخبة السياسية اليسارية التي تنظر إلى الجمهور بفوقية، وهناك الكثير من المسائل الجدلية التي تعبر عن وجهة النظر الديمقراطية تم إدخالها في حوارات الفيلم، خصوصاً مشهد المناظرة التلفازية التي تهين فيها سلون الدستور الأميركي، وتقول إن كل كلمة فيه قابلة للتعديل؛ وهو ما ترفضه شريحة كبيرة من الشعب الأميركي، خصوصاً المحافظين ومناصري حمل السلاح.

من ناحية أخرى، بالإمكان أن نجادل في النقطة المذكورة آنفاً من خلال سلوك شخصية سلون، وليس أحداث القصة وسياقها السياسي، القناعات السياسية لسلون غير معروفة، هي تعمل لتحقيق الهدف المطلوب منها، لكنها ليست بالضرورة مقتنعة به. سلون ليست مثالية ولا ناشطة وليس لها قناعات حرة واضحة خارج سياق القصة، إلا أنها تريد الفوز.

هذه المرأة مستعدة لفعل أي شيء كي تفوز، ستستغل زملاءها وستكذب وستخون من أجل الفوز. وهذا ما يضع الفيلم في صنف دراسة سلوك الشخصيات، وهو الجانب الأكثر إثارةً للاهتمام.

تويتر