تميز بأداء قوي من باوار وباتيل

سارو يبحث عن والدته وعائلته بعد ربع قرن في «ليون»

صورة

فيلم Lion أو «أسد» يبدأ بطريقة مباشرة دون أي تمهيد، يضع الشخصية الرئيسة أمامك ويدعك تتعرف إليها بنفسك من خلال سلوكها وكلامها المؤلف من جمل محدودة. ليس هناك صوت راوٍ للقصة يتلو عليك كلاماً منمقاً عن معنى الحياة والفرص الضائعة، أو يخبرك بكلام ليبدو للسامع كمحاضرة مليئة بالحكم المكتوبة بأسلوب النثر كما نشاهد في معظم أفلام السير الذاتية.

دموع في الصالة

من أقوى نقاط هذا الفيلم وضعه المشاهد على قدم المساواة مع سارو، فلا نعلم شيئاً إلا عندما يعلمه هو. ديف باتيل كان بطل فيلم «سلم دوغ مليونير» الفائز بأوسكار أفضل فيلم لعام 2008، ومن غير المستبعد أن يترشح هذا الفيلم للجائزة نفسها، خصوصاً أنه يطرح قضية مهمة هي ضياع الأطفال. المشهد الأخير قوي للغاية، وستجدون أشخاصاً يذرفون دموعاً حولكم في الصالة، خصوصاً أن المشهد يُعرض مرتين: مشهد الفيلم، يليه المشهد الحقيقي الموثق في القنوات الإخبارية التي بثت الخبر عام 2012.

«أسد» يسحرك من اللقطة الأولى بأن يأخذك إلى هناك حيث ذلك الطفل الذي يصول ويجول مع شقيقه، لا تسمع سوى صوتهما والبيئة المحيطة بهما، كأنك تشاهد فيلماً توثيقياً في قناة «ناشيونال جيوغرافيك» وليس فيلماً روائياً مكتوباً بعناية. هذه قصة كونية كتلك القصص التي تحدث في الدول النامية أو الفقيرة، ربما نكون شاهدناها في السينما المصرية والهندية، وربما تكون كذلك في الدراما الخليجية، لكنها في كل تلك الأمثلة تكون مغرقة بالميلودراما والبكاء المصطنع الذي لا ينطلي على الأطفال، لكن هنا نشاهدها في غاية العفوية والواقعية، وهذا سر نجاح الفيلم.

نرى في المشاهد الأولى طفل يدعى سارو (سوني باوار - ممثل طفل من مومباي، يظهر للمرة الأولى في فيلم سينمائي دون أي تدريب)، يلعب برفقة شقيقه الأكبر غودو (أبيشيك باراتي)، بينما والدتهما تعمل في جمع الحجارة وترعى شقيقتهما. يذهب سارو وغودو لسرقة الفحم من القطارات ويقايضانه مقابل الحليب. في إحدى الليالي سارو يطلب من غودو أن يأخذه في جولاته داخل القطارات الخالية في المحطة، حيث يبحث غودو هناك عن قطع نقدية بين المقاعد أو أي مفقودات ممكن الاستفادة منها.

هناك يغالب الطفل سارو النعاس فينام على أقرب مقعد في المحطة، وعندما يستيقظ لا يجد شقيقه غودو، فيركب أحد القطارات بغرض البحث عن غودو إلا أن توقيته كان سيئاً، إذ تحرك القطار مسرعاً وضاع سارو وسط زحام الركاب. داخل القطار سارو يستغيث ويطلب النجدة، إلا أنه لا أحد يلتفت إليه إلى أن قطع القطار مسافة 1200 كيلومتر، ووصل إلى مدينة كولكاتا الهندية.

في كولكاتا الناس تتحدث البنغالية، وسارو لا يتحدث سوى الهندية، ولأنه طفل لغته بسيطة جداً ونطقه ليس صحيحاً فلا يستطيع أحد فهم ما يقوله عندما يسألونه من أين أنت؟ يتشرد سارو ويسرق الأطعمة من المعابد. يعثر أحد سكان المدينة على سارو ويأخذه إلى مركز شرطة حيث يتم تصويره ونشر صورته في الصحف المحلية، وعندما لا يستجيب أحد لإعلان البحث عن طفل مفقود تقرر الشرطة تحويله لإحدى وكالات التبني.

يأتي طلب التبني من أستراليا، حيث يتم إرسال سارو إلى والديه الجديدين بالتبني سو وجون بريرلي (نيكول كيدمان وديفيد وينهام) اللذين يربيانه ويعلمانه مدة 25 عاماً، وفي عام 2010 وبينما سارو (ديف باتيل يجسد شخصية سارو الشاب) جالس مع صديقته الأميركية لوسي (روني مارا) برفقة أصدقائه، يعترف بأنه لا يعرف أصوله لأنه تائه، فيقترح عليه أحدهم تجربة تطبيق «غوغل إيرث» لمحاولة العثور على منطقته وأهله.

«غوغل إيرث» لم يكن الدافع الوحيد لسارو للبحث عن عائلته، إنما هو قرار تبني العائلة لطفل آخر معقد نفسياً ويعاني نوبات عصبية ويتعاطى المخدرات. عندما عجز سارو عن تكوين علاقة ناجحة مع أخوه بالتبني، أصبح قرار العثور على شقيقه غودو والعائلة ملحاً للغاية.

لا بأس من سرد القصة في هذا الفيلم المقتبس من قصة حقيقية موثقة في كتاب بعنوان «طريق طويل إلى الوطن». يدخل بعدها سارو في صراع مع نفسه حول مكانة والدته البيولوجية مقارنة بوالدته بالتبني قبل أن يتخذ قراره بالذهاب إلى موطنه ولقاء عائلته. الفيلم مقسم إلى جزأين: الأول يقع في الهند ويشكل أول 45 دقيقة، والثاني في مدينة ملبورن الأسترالية.

الفيلم معتمد على الأداء في المقام الأول والعاطفي تحديداً، لأننا نتحدث عن شخص يغيب 25 عاماً ويعود بعدها إلى أهله، أي أننا بصدد مشاهدة رجل يمر بصدمة رغم أنه يتوقع حدوثها، لكنها رغم ذلك لا تفقد قوتها ولا تأثيرها العميق، فهي صدمة من العيار الثقيل على الطرفين، سارو ووالدته.

غارث ديفيس مخرج الفيلم ينجح في خلق التوازن المطلوب لكن رغم ذلك تبقى جزئية الهند أقوى بكثير من تلك التي تشمل أحداث أستراليا. أقوى من ناحية الأداء (باعتبار أن باتيل صور أقوى مشهد في الهند) وكذلك التصوير. أحداث أستراليا تحوي صراع سارو مع نفسه وصراعين آخرين ولو أنهما ثانويان: الأول مع والديه بالتبني، والثاني مع رفيقته لوسي، لكن غاريث حذر جداً من الانزلاق في فخ الميلودراما البائسة، وقدر الإمكان يهمش الصراعان الثانويان تحضيراً لقوة المشهد الأخير.

جزئية الهند أكثر من 45 دقيقة باعتبار أننا نرى مشاهد «فلاشباك» منها أثناء تذكر سارو لطفولته. هذه الجزئية تستمد قوتها الرئيسة من أداء باوار الاستثنائي والذي لم يسبق له مثيل في هذا العقد على الأقل. نحن نتحدث عن طفل يقف أمام الكاميرا من غير تدريب ولن نستغرب لو كان غاريث قصد عدم إعطائه التدريب اللازم ليأتي أداؤه في انسجام وتوافق تام بصورة لا تصدق، وكما ذكرنا آنفاً، أي كأن أداءه يتوافق مع أسلوب غاريث في تصوير تلك الجزئية بطريقة الأفلام التوثيقية (كاميرا تتبع طفل وتوثق معاناة ضياعه من وجهة نظره).

اللافت أن الجزئية بأكملها معتمدة على أداء هذا الطفل ثم علاقته بشقيقه غودو. (باوار فاز بالدور بعد اختبار آلاف الأطفال). باوار طبيعي جداً ووجهه معبر ويعكس حالته النفسية من مشهد إلى آخر دون أن يتفوه بكلمة. وبالإمكان القول إن أداء هذا الطفل شكل 50% من قوة هذا الفيلم.

ديف باتيل رائع ويتحول إلى تحفة في المشهد الأخير ولو لم يترشح أو يفز بالأوسكار عنه ستثار ضجة ضد هوليوود بسبب تهميش الممثلين من الأقليات. نيكول كيدمان جيدة (كيدمان هي أم بالتبني) وهذا أفضل أدوارها منذ سنوات لكن تلك الباروكة القبيحة على رأسها كانت عامل إلهاء. وينهام لم يحصل على لقطات كافية على الشاشة لكن لمن لا يتذكره فقد جسد شخصية فارامير في فيلم «ملك الخواتم». روني مارا غير مستغلة بتاتاً ويبقى أداؤها في فيلم «أعراض جانبية» 2013 لستيفن سودربيرغ هو الأفضل.

تويتر