«ستارة» المسرح أعاقت العرض.. واستدعاء الإسعاف للممثلة الرئيسة

«في أعالي الحب».. المخرج في شَرك النص «الملتبس»

صورة

هل كان قرار جمعية دبا الحصن للثقافة والتراث بالموافقة على اختيار نص مسرحية «في أعالي الحب» للكاتب العراقي، فلاح شاكر، ليقوم الممثل الشاب، محمد بن يعروف، لتكون أول محاولة إخراجية للممثل الشاب محمد بن يعروف؟ هذا هو السؤال الذي فرض نفسه على جمهور العمل الذي انفرد بمنصة مهرجان دبي لمسرح الشباب، مساء أول من أمس، الذي تنظمه هيئة دبي للثقافة والفنون، ويمتد على مسرح ندوة الثقافة والعلوم حتى أواخر الشهر الجاري.

بن يعروف: أفكر في المهرجان المقبل

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/10/554419.jpg

حالة من الغضب الذي وصفه بعض حضور الندوة التطبيقية بـ«الانهيار»، أصاب بن يعروف بسبب الخلل الذي أصاب «ستارة» العرض، ضاعفته الأزمة الصحية التي ألمت بالممثلة (نوال)، وكادت تسقط مع نهاية المشهد الأخير أرضاً قبل أن يتلقفها زميلها شعبان سبيت.

لم يتنبه بن يعروف لما يحدث في بداية الأمر، وظل يحثهم على مغادرة المسرح، قبل أن يسرع للاطمئنان على (نوال)، ويؤشر إلى أنها بحاجة عاجلة لاستدعاء سيارة إسعاف، التي وصلت بالفعل على نحو عاجل، وقامت بنقلها إلى المستشفى.

مدير الندوة التطبيقية، الفنان محمد محمد الكشف، قال إن بن يعروف الذي ظل صامتاً فترة طويلة في مستهل الندوة التطبيقية، قال له بالنص فور انتهاء العمل: «أفكر في المهرجان المقبل».

رائد الدلاتي: العرض سيئ

حفزت مداخلة مشيدة بالعمل تقدم بها الفنان الشاب، حسن يوسف، قال فيها إن اليوم شهد ولادة مخرج، زميله الفنان رائد الدلاتي، على أن يطلب من زملائه تحري الصدق في توجيه النقد الإيجابي من دون مجاملة.

وأضاف «العمل سيئ، وهناك مشكلات كثيرة يجب أن نتحدث عنها، كي نفيد صديقنا بن يعروف ويطور من أدواته، ثم يعود على نحو أفضل في الدورات المقبلة».

وتابع: «أزعجني كثيراً اللجوء إلى استخدام مقولات ذات مفارقة، وهو تكنيك بحاجة إلى ممثل ذي مَلَكة، وبمواصفات خاصة، كما أن مخارج الحروف كانت غير واضحة، والرؤية الفنية لم تصلني».

محمود أبوالعباس: ظاهرة صحية

التقط الفنان العراقي، محمود أبوالعباس، إقبال مخرجين مشاركين بأعمال مختلفة لهم، للشد من أزر زميلهم ومنافسهم، محمد بن يعروف، خلال الندوة التطبيقية، وقال: «هذه ظاهرة إيجابية مهمة يجب أن نتوقف عندها لنحيي روح المنافسة الإيجابية».

وقال أبوالعباس إن مشكلة الستارة لم تكن هي المؤثرة في إشكالات العرض، مضيفاً: «النص كان بحاجة إلى فهم أكثر عمقاً، وبن يعروف لم يوظف جغرافية المكان على النحو الفني الملائم».

الوقوع في شَرَك النص «الملتبس»، وفق تعبير الفنان العراقي، محمود العباس، كان بمثابة فرضية معلومة مسبقاً، لمن يعلم طبيعة أعمال فلاح شاكر، الذي جاء الكثير من أعماله غامزاً وغير مصرح بانتقادات، بعضها سياسي لنظام الحكم في بلاده، سعى إلى تمريرها بعيداً عن وعي الرقيب، الذي غالباً ما يقف عند المستوى الأول من التحليل، من دون الغوص في التأويل.

العرض، كما بدا أمس، يشير إلى أن بن يعروف أيضاً وقف عند المستوى الأول من فهم النص، ليصبح، وفق ما قدمه، رومانسياً حالما، يضعنا أمام مأساة زوجة رحل عنها زوجها وحبيبها، وتركها فريسة الوحدة والخواء العاطفي، على الرغم من أن نص شاكر نفسه كان يتحسس تبعات الحرب العراقية ـ الإيرانية، التي استمرت لثماني سنوات وانعكست على حياة الآلاف من الأسر العراقية وقتها.

وبالإضافة إلى تعرض الممثلة الرئيسة في العمل (نوال) إلى حالة إعياء شديدة وفقدانها الاتزان مع المشهد الأخير، تسبب خلل فني أصيبت به تقنية التحكم بستارة العرض في أزمة حقيقية للمخرج والمشاهدين، ومع بداية العرض وجد الجمهور نفسه أمام مشهد إسدال الستارة، ما اضطر بعض القائمين على المسرح للقيام بإمساكها يدوياً من كل طرف، لتبقى مشوشة على «في أعالي الحب» طوال فترة العرض، سواء عبر عدم وصولها للدرجة المطلوبة من الإزاحة، أو بوجود من تبرعوا بطيها، على خشبة المسرح.

وكان من الممكن أن يتغاضى المشاهدون على هذا الأمر، أو على الأقل يتناسوه، لو تمكن العمل من شدهم إلى تفاصيله، لكن هذا لم يحدث، بل ووقع «في أعالي الحب» في فخاخ السردية، في حين فضل بن يعروف ترك مساحات شاسعة للحركة لممثلين اثنين فقط، من دون الاعتماد على ملء هذا الفراغ، الأمر الذي ضاعف من صعوبة أداءيهما، لاسيما أن كلاً منهما لايزال يعد في بدايات خطواته التمثيلية، على الرغم من أن الممثلة الرئيسة (نوال) سبق أن حصدت جائزة أفضل ممثلة العام الماضي.

وأدت (نوال) دور الزوجة والعاشقة التي فقدت نصفها الآخر، فتوقفت حياتها عند هذه اللحظة من الاحتياج العاطفي الشديد، في حين أدى شعبان سبيت دور (جني)، خرج لها من القمقم، ليكون بمثابة «عبد» طائع يحقق لها كل ما تشتهيه.

لم يخلُ العمل من تمرير مقولات فلسفية، لم نجدها تتحول إلى قناعات، أو تترجم لمواقف يتم إقناع المتلقي بجوهريتها في العمل، فالجني الذي قال إنه عصى آلاف ممن قاموا بإخراجه من القمم، أشار إلى أنها تمثل الفرصة الأخيرة بالنسبة له، ولا يتمكن من عصيانها وإلا سيتعرض للحرق، ولن تكون له فرصة أخرى، نطق بمغزى رئيس في العمل، حينما عرضت عليه أن يكون حبيبها، وهو استغرابه كيف يمكن أن تحب من لا يعرف أو يقدر سوى أن يكون طوع أمرها ونهيها، وأنه كان يتمنى أن يكون إنساناً ليعي كيف يهدر البشر فرص السعادة، وغيرها من المقولات التي مرت هكذا في العمل، وكأننا أمام سرد وليس عملاً مسرحياً يحمل حركة وأحداث تبعث الحياة في المسرح، وتؤدي بالأخير إلى رؤية، يجتهد المخرج لإيصالها للمتلقي.

فكرة الكرة العملاقة الشفافة كان خياراً جيداً من المخرج، أوحى بالفعل بأن الجني محبوساً بداخله، لكن طريقة خروجه منه بدت ساذجة، حيث كان واضحاً أنه يستتر خلفه وليس بداخله، في حين كان الاقتصاد الشديد في قطع الديكور، بمثابة تركة ثقيلة، جعلت الممثلين الوحيدين، يتحملان مهمة كبيرة، لم يسعفهما الحلول الإخراجية في إنجازها، بما في ذلك الإضاءة، لكن الموسيقى كانت حلاً جيداً لجأ إليه المخرج بشكل مدروس، كما أن سلامة اللغة، التي أشرف على تدقيقها الفنان جمال الجسمي، كانت أيضاً موطناً جمالياً حاضراً في العمل الذي يبقى رغم ذلك «خطوة إيجابية» لابن يعروف، الذي يشهد له الفنانون المخضرمون دوماً بأنه ممثل يمتلك أدواته الفنية الجيدة، في حين أن محاولة إخراجية وحيدة، تبقى مجرد «تجربة» بحاجة إلى صقلها أولاً بمزيد من سعة الاطلاع والتدريبين العملي والنظري على فنون الإخراج.

عرض اليوم

تعرض اليوم مسرحية «الليل نسى نفسه» لفرقة جمعية دبا للثقافة والفنون والمسرح، تأليف محمد الظنحاني وإخراج إبراهيم القحومي.

كما تعرض أيضاً مسرحية «شغل الزر» لمسرح أبوظبي الوطني، تأليف أيتون لونستون، ترجمة وإعداد عمر غباش، وإخراج محمد المرزوقي.

تويتر