استخدم المعادلة نفسها دون الوقوع في الكليشيهات

«استحضار الأرواح الشريرة 2» يتفوق على الفيلم الأصلي

صورة

من آخر الثمانينات إلى آخر التسعينات، ولعقد كامل دخلت سينما الرعب حقبة مظلمة، فلم يبرز عمل واحد مميز، ووصل الأمر إلى أن رائد سينما الرعب، آنذاك، الراحل ويس كريفن، صنع فيلماً يسخر من أفلامه السابقة في الثمانينات، وكان ذلك فيلم «سكريم» (أو الصرخة) (1996).

جيمس وان اليوم ضمن أفضل مخرجي سينما الرعب، إن لم يكن أفضلهم، خصوصاً أن اسمه مسجل على أقوى أفلام الرعب في الـ12 سنة الماضية.


قصة تقليدية.. نص قوي

من الواضح أن «وان» درس مشروع فيلمه جيداً قبل تقديمه، وكرّس وقتاً كافياً للبحث في مختلف جوانبه؛ فقصة الفيلم تقليدية؛ وهي عن عائلة تعاني في بيت مسكون من قِبل كيانات فوق طبيعية (شياطين)، وتستعين بأشخاص يجمعون بين الخبرة والدين لطرد تلك الأرواح الشريرة. إنما قوة الفيلم وتميزه يكمنان في قوة النص (الذي يستند إلى قصة حقيقية)، والمعالجة الجيدة والبساطة في أسلوب تجسيد تلك الأرواح الشريرة على الشاشة.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/07/8ae6c6c554dc142601561dec880639ee.jpg

في عام 1999 فجّر فيلم «ذا بلير ويتش بروجيكت» ثورة في سينما الرعب، لسببين: الأول أنه طور أسلوباً جديداً يسمى Found Footage، (أو فيلم مفقود يعثر عليه) خلق اتجاهاً فرعياً Sub-Genre في سينما الرعب، وأصبح مرجعاً فيه، رغم أنه لم يكن الأول في هذا الاتجاه، والثاني أنه استغل عامل الإنترنت الجديد آنذاك لتسويقه بنجاح.

في عام 2004 ظهر فيلم Saw (أو المنشار) من صانع الأفلام الأسترالي من أصل ماليزي، جيمس وان، وبنجاحه توالت أجزاؤه، ووُلد اتجاه فرعي آخر في سينما الرعب يسمى «سينما التعذيب». وفي 2007 ظهر فيلم «بارانورمال آكتيفيتي» للمخرج اورين بيلي وهو الذي طور أفلام Found Footage، وخلق ثورة جديدة في ذلك الاتجاه.

دخل «وان» بعد saw مرحلة تخبط شديد («الإمارات اليوم» 11 يوليو) إلى أن عاد من خلال فيلم «إنسيدياس» 2010 ثم «The Conjuring» (أو استحضار الأرواح الشريرة) في 2013 ما أسهم في تشكيل عهد ذهبي جديد لسينما الرعب خلفاً لحقبة السبعينات.

الأفلام الثلاثة التي أطلقها «وان» كلها أصبحت سلاسل معروفة، وهو شخصياً لا يفضل إخراج الأجزاء الثانية من أي سلسلة، لكنه خالف قاعدته وأخرج «إنسيدياس 2»، وهذا الفيلم. مع الأول لم ينجح كثيراً وهي قاعدة معروفة أن المخرج الذي يكرر نفسه يخفق غالباً، لكن مع الثاني انتصر على القاعدة، والنتيجة أن هذا الفيلم انتقل إلى مصاف الأفلام الشهيرة التي تفوقت على أجزائها الأصلية، وأبرزها فيلم «باتمان فارس الظلام» (2008) و«سبايدر مان 2» (2004) و«ترمينيتور 2» (1991).

قصة الفيلم تقليدية، وهي عائلة تعاني في بيت مسكون من قِبل كيانات فوق طبيعية (شياطين)، وتستعين بأشخاص يجمعون بين الخبرة والدين لطرد تلك الأرواح الشريرة. إنما قوة الفيلم وتميزه يكمنان في قوة النص (يستند إلى قصة حقيقية)، والمعالجة الجيدة، والبساطة في أسلوب تجسيد تلك الأرواح الشريرة على الشاشة.

من الواضح في الفيلم أن «وان» درس مشروعه جيداً قبل تقديمه، وكرّس وقتاً كافياً للبحث في مختلف جوانبه، خصوصاً أنه قال في تصريح سابق إن هذا الفيلم هو عالمه السينمائي الخاص. تصريح «وان» ينعكس بشدة في حرصه الشديد على تقديم المميز في الجزء الثاني.

الفيلم يجمع عنصرين، الأول تمكُّن «وان» من استحضار أجواء حقبة السبعينات في بريطانيا، وهي مكان القصة، ما جعله يتحول إلى Period Piece أي عمل ينتمي لحقبة زمنية معينة، وبالتالي ربط السلسلة إجمالاً (في ذهن المشاهد) بحقبة السبعينات، وهي التي اشتهرت بازدهار سينما الرعب.

العنصر الثاني يكمن في الرعب نفسه الذي نجح «وان» في توظيفه بنجاح يندر أن يحدث في جزء ثانٍ، وتوزيعه على طول الفيلم الممتد لأكثر من ساعتين، وهو شيء غير عادي بالنسبة لأفلام الرعب التي لا تتجاوز عادة 90 دقيقة. خلال الساعة الأولى في الفيلم يتفنن «وان» في استعراض شياطينه وتقديم شخصياته، بالضبط كما يفعل رجل مسرح العرائس في عروضه التي تستحوذ بالكامل على اهتمام المتفرجين.

«وان» أعاد ابتكار كل شياطينه من دون تكرار أو استعارة من أفلامه السابقة (إنسيدياس اشتهر بشخصية الشيطان الأحمر Lipstick Demon المرعبة وشبح المرأة العجوز)، وهذا اشتهر بشبح امرأة عجوز في الجزء الأول، أما هنا في الثاني، فالأمر مختلف، إذ لدينا ثلاث شخصيات شيطانية، كل واحدة مرعبة أكثر من التي تسبقها.

جيمس وان بدا واثقاً جداً من نصه، فلم يضيِّع أي جزء في قصص جانبية تافهة، ولم نشعر بأن هناك حشواً في أي من جوانب القصة، وليس ذلك فقط، بل هو تعمّد استكشاف وإبراز زوايا معينة في القصة قد تثير اهتمام المشاهد، مثل الجدل الأزلي بين المؤمنين بوجود الشياطين والمشككين الذين يستندون إلى الدليل العلمي دون غيره في تفسير أمور الحياة. وهو ما يعيد إلى الذاكرة فيلم «ذا أماتفيل هورور» 1979، وكذلك يعكس ثراء مادة الفيلم وعدم اكتفائه بنص خاوٍ يعتمد على عامل إفزاع الجمهور أو ما يسمى في السينما Jump Scare.

بعد انقضاء الساعة الأولى، يُدخل «وان» شخصيتيه الرئيستين؛ لورين وإد وارين، بشكل كامل في الفيلم (يجسدهما فيرا فارميغا وباتريك ويلسون)، وهنا يكون الفيلم قد وصل لمنتصفه، لكن «وان» لا يتوقف عن إبراز مفاجآته حتى آخر دقيقة. وفي الحقيقة إن تهميش الشخصيتين الرئيستين في الفصل الأول، رغم أهميتهما، يعكس ثقة وبراعة شديدتين لا يفعلهما سوى من أتقن صناعة سينما الرعب. أداء، فإن تمثيل ماديسون وولف كان الأقوى ويعيد للأذهان أداء الأميركية، ليندا بلير، في كلاسيكية ويليام فريدكن The Exorcist عام 1973.

تأثُّر «وان» بالمدرسة التعبيرية الألمانية في أفلام الرعب بدا واضحاً في أكثر من مشهد، وارتبط بشكل خاص مع شخصية تشبه الغول، قد تعيد إلى الأذهان مشهد الغول الذي ظهر في فيلم «ذا بابادوك» عام 2014، مع الأخذ في الاعتبار أن «وان» قلل اعتماده على المؤثرات الخاصة في خلق شخصياته الشيطانية قدر المستطاع لمصلحة استخدام ممثلين تحت طبقات الميك أب. «وان» كذلك اعتمد على طريقة Tracking shot (أو اللقطة المتحركة) في الانتقال بين أجزاء البيت، والملاحظ هنا أن قصة الفيلم تتقدم من خلال أسلوب الكاميرا أكثر من حوارات الممثلين، وذلك أسلوب رائد سينما التشويق الراحل، ألفريد هيتشكوك.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

لو مضت الستة أشهر المقبلة من دون ظهور فيلم رعب قوي ومميز، فإن هذا الفيلم سيتربع على عرش أفضل أفلام الرعب لهذا العام، وهو الأقوى منذ 2011، وإذا مضت الأربع سنوات المقبلة من دون ظهور منافس فإن هذا الفيلم سيكون الأقوى والأكثر رعباً في هذا العقد.

جيمس وان اليوم ضمن أفضل مخرجي سينما الرعب، إن لم يكن أفضلهم، خصوصاً أن اسمه مسجل على أقوى أفلام الرعب في الـ12 سنة الماضية، ولن نبالغ لو قلنا إنه رائد سينما الرعب الحديثة.

تويتر