الفيلم لا يفي بما يَعد

«ستار تريك بيوند» يتحطم في الفضاء

صورة

بالنظر إلى ما حققه المخرج الأميركي جي جي أبرامز، في السلسلة الجديدة من أفلام ستار تريك عام 2009، ثم الجزء الثاني منها بعنوان إن تو داركنيس عام 2013، لم يكن مستغرَباً إصرار المخرج الأميركي جورج لوكاس على أن يتولى أبرامز إخراج الفيلم الجديد من ستار وورز بعنوان «القوة تستيقظ» العام الماضي.

- من حق المخرج جستن لين إضافة لمساته الفنية على الفيلم، لكن عندما تكون تلك اللمسات عبارة عن كليشيهات من أفلامه السابقة، خصوصاً سلسلة فاست آند فيوريوس، فإن تلك مشكلة في حد ذاتها.

- الفيلم يذهب إلى حيث لم يذهب أي فيلم ستار تريك آخر من ناحية توظيف المؤثرات الخاصة، وكذلك فإنه يقدم نفسه كأنه حلقة تلفزيونية موسعة أكثر من فيلم سينمائي مستقل من ناحية القصة.

- يبدو «ستار تريك» كأنه مسرحية في الفضاء بسبب أفكاره وحواراته الفلسفية، فضلاً عن أن الحوارات بدت مبتذلة جداً.

إسناد مهمة الإخراج إلى التايواني جستن لين لم يكن قراراً صائباً، فعلى الرغم من أن له فضلاً في تطوير سلسلة أفلام فاست آند فيوريوس، لكن ذلك لا يعني أنه تمكن من إعطاء ستار تريك ما يستحقه، خصوصاً أن السلسلة تحتفل بعامها الـ50.

لو عدنا إلى الأجزاء السابقة من السلسلة المجددة سنجد أن الأول أعاد تقديم الشخصيات وشرح العلاقات في ما بينها، والثاني رسم أجمل صورة في مسار تطويرها وقدم أفضل شخصية شريرة في السلسلة الثانية، القائد جون هاريسون (بينيدكت كمبرباتش)، لكن الثالث أعلن لنا اتجاهه ثم قرر الذهاب في اتجاه آخر!

بيوند (ولا نعلم معناها في الفيلم)، يبدأ بعد 966 يوماً من انطلاق رحلة الأعوام الخمسة لسفينة الفضاء يو إس إس إنتربرايز. وجاء اختيار الرقم نسبة إلى تاريخ عرض الحلقة الأولى من مسلسل ستار تريك التلفزيوني شهر 9 من عام 1966 على قناة إن بي سي الأميركية.

الكابتن جيمس تي كيرك (كريس باين) وسبوك (زاكاري كوينتو) يشككان في مدى قدرتهما على الالتزام بأهداف المهمة الفضائية، وكلاهما له أسبابه. تتعرض السفينة لهجوم مفاجئ من قبل دكتاتور اسمه كرال (إدريس إلبا) يحكم أحد الكواكب. تتحطم السفينة وتسقط على كوكب غامض ويقتحمها كرال لاسترجاع قطعة أثرية قيمة.

ويتشتت طاقم السفينة على ذلك الكوكب الغامض، وعندما يتبين أنهم جميعاً قد وقعوا في فخ، يدخلون في صراع مع مخلوقات فضائية لتخليص أنفسهم.

الفيلم يذهب إلى حيث لم يذهب أي فيلم ستار تريك آخر من ناحية توظيف المؤثرات الخاصة، وكذلك فإنه يقدم نفسه كأنه حلقة تلفزيونية موسعة (شخصية كيرك لمحت لذلك في المشهد الأول) أكثر من فيلم سينمائي مستقل من ناحية القصة. وهو الأقرب إلى الفيلم الخامس «ذا فاينال فرونتيير» 1989 والتاسع «إنزوريكشن» 1998 من السلسلة الأولى التي تحوي 10 أفلام.

من حق المخرج جستن لين إضافة لمساته الفنية على الفيلم لكن عندما تكون تلك اللمسات عبارة عن كليشيهات من أفلامه السابقة، خصوصاً سلسلة فاست آند فيوريوس، فإن تلك مشكلة في حد ذاتها. ويبدو ستار تريك في العموم كأنه مسرحية في الفضاء بسبب أفكاره وحواراته الفلسفية، رغم انه في الماضي كانت تلك الحوارات تكتب بعناية كي تلاقي قبولاً لدى الجمهور خصوصاً عشاق السلسلة، فيما برزت مشكلة الآن وهنا وهي أن الحوارات بدت مبتذلة جداً كأنها حوارات شخصيات فاست آند فيوريوس (تقترب قليلاً من حوارات المسلسلات الخليجية).

الأمر لا يقتصر على الحوارات بل يمتد إلى المطاردات (بالدراجات) ومشاهد المعارك (فنون قتالية) مروراً بالكاميرا المحمولة باليد التي تهتز كثيراً، وكذلك قطع المونتاج السريع وانتهاء بالمؤثرات الخاصة العادية جداً التي لم تعد حتى مبهرة. وهذه كلها تعد من سمات أفلام جستن لين.

أما لو أخذنا شخصية جايلا مثلاً (تجسدها الجزائرية صوفيا بوتيلا)، وهي مخلوقة أنثى قوية من حضارة فضائية بدائية، فسنجد أن الشخصية أصبحت «كليشيه» تكرر في الكثير من الأفلام السابقة، بداية من آفاتار ثم حراس المجرة و ووركرافت وأخيراً في هذا الفيلم ما قد يعكس تأثر المخرج بأفلام قد يكون شاهدها في إطار دراسته وبحثه قبل إخراج الفيلم. والخطأ هنا ليس في الاستلهام لكنه في نسخ الأفكار وعدم تجديدها أو الإضافة إليها، وذلك عكس ما فعله أبرامز في رؤيته المجددة لستار تريك، التي نضجت وتبلورت في الجزء السابق إن تو داركنيس.

خطأ آخر فادح وقع فيه لين وهو يشبه خطأ المخرج برايان سينجر في فيلم إكس من: أبوكاليبس مع الممثل أوسكار آيزاك، المتمثل في اختيار ممثل معروف كإدريس إلبا لتجسيد الشخصية الشريرة ثم طمس وجهه بالكامل في زي جعله يشبه الزواحف، وبذلك أساء استغلال موهبة عظيمة في التمثيل وكان بإمكان أي ممثل كومبارس أداء ذلك الدور البسيط.

ولإثبات أن المبالغة في تغيير شكل الممثل لابتكار شكل شخصية ما فكرة غير جيدة، فإننا نذكر في هذا السياق أن الممثل كريستوفر بلامر صنع لنفسه وللجمهور معروفاً برفضه إخضاع نفسه لجلسة ست ساعات من الميك آب لتحويله لشخصية كلينغونز في فيلم ستار تريك ذا أنديسكفرد كنتري عام 1991، فضلاً عن أن الممثل ريكاردو مونتالبان لم يحتج سوى ضفيرتين وبعض الأوزان لتجسيد الشخصية الشريرة في فيلم «ذا راث أوف كان» 1982 وهي الشخصية الأكثر رعباً في تاريخ ستار تريك السينمائي.

الفيلم يبدأ بمشهد للكابتن كيرك يقول إنه أمضى في الخدمة أكثر من والده، وهو يفكر في التقدم بطلب ترقية أو قد يعني أنه يلمح للتقاعد، وتلك زاوية أجدر بالاستكشاف بالنسبة لشخصية كيرك، لكن لين يتركها (لأنه مستعجل جداً في إبراز مشاهد الأكشن) ولا يعود إليها أبداً.

ونتساءل ما الهدف من شرح دوافع شخصية كرال وهي من أضعف الشخصيات الشريرة في مقطع فيديو صغير يظهر قرب نهاية الفيلم؟ ما خلق سياقاً ضعيفاً للقصة. ونستغل هذه النقطة للتذكير بشخصية جون هاريسون المذكورة آنفاً وهي الشريرة في الجزء السابق، فقد بدأت غريبة قبل أن تتحول إلى شخصية مخيفة ومربوطة بذكاء شديد بفيلم ستار تريك «ذا راث أوف كان» وهو ما وضع سياقاً متيناً للفيلم السابق.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

«ستار تريك» كان يستحق فيلماً أفضل للاحتفال بعامه الـ50، كما حدث في فيلم سكايفول الذي احتفل باليوبيل الذهبي لجيمس بوند من خلال ذلك الفيلم. كان الأجدر بلين استدعاء بعض الشخصيات القديمة لتكريمها على عمرها الذي أفنته مع السلسلة وليس مجرد إظهارها في صورة.

«ستار تريك بيوند» يمتلك الكثير لكنه يتغافل عنه لتقليد أفلام البلوكباستر الأخرى التي فضلت إبراز المؤثرات الخاصة على حساب تطوير قصصها. والأسوأ أن «بيوند» يفعل ذلك بجرأة وتفاخر.

 

تويتر