يطرح أسئلة دون إجابات

«ميدنايت سبيشل».. معالجة حاذقة ومغزى غامض

صورة

يأتي عرض فيلم «ميدنايت سبيشل» في صالات الإمارات، وفيلم «10 كلوفر فيلد لين» لايزال في الذاكرة (الإمارات اليوم 5 أبريل الماضي)، والفيلمان يتشابهان كثيراً، حيث إن «ميدنايت سبيشل» لا يتردد في توضيح فكرته في منتصفه، بينما «10 كلوفر فيلد لين» يذكر فكرته كواحدة من مجموعة احتمالات للمحافظة على غموضه.

يبدأ «ميدنايت سبيشل» من غرفة في فندق صغير، حيث نرى روي (مايكل شانون) ولوكاس (جويل إدغرتون) يشاهدان تقريراً إخبارياً تلفزيونياً عن اختطاف طفل يُدعى ألتون (جيدن ليبرهر)، ثم نشاهد الطفل مختبئاً بين سريري الغرفة تحت غطاء يقرأ قصة مصورة.

السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو هل الطفل مختطف؟ نعم ولكن ليس الأمر كذلك تماماً. ينتقل بنا المخرج وكاتب الفيلم أيضاً جيف نيكولز إلى الخط الثاني للفيلم ويبدأ من مشهد لطائفة دينية (تشبه كثيراً في ملابسها ومعتقداتها الطائفة المورمونية). نشاهد زعيم الطائفة كالفن ماير (سام شيبارد) يعيش أزمة ونفهم أنه فقد الطفل ويريد استرجاعه بأي ثمن، لأن للطفل قيمة مقدسة لتلك الطائفة التي اعتبرته بمثابة المخلص.

رغم أن فكرة الفيلم المجردة أصلية إلا أنه من الصعب تصور أن جيف نيكولز صنعه دون أن تحضر أفلام أخرى شهيرة في باله، ومنها أفلام شكلت عصراً ذهبياً للخيال العلمي في آخر السبعينات ومطلع الثمانينات.


الصورة.. «سيدة» النهاية

نهاية الفيلم تعتبر مدرسة سينمائية في حد ذاتها، إذ تعتمد بشكل كامل على الصورة (تصوير + مؤثرات خاصة) وردود الأفعال ممثلة في تعابير وجه والدة الطفل (كريستين دانست) وتخلو تماماً من الحوارات. لو نظرنا إلى النهاية بشكلها المجرد فلن نتمكن من قراءتها وسنبدو كأننا ننظر إلى الفيلم بطريقة سطحية، إنما يجب أن تقرأ بالتعمّق في ما ترمز إليه، خصوصاً أن الفيلم يطرح الكثير من الأسئلة دون أن يجيب عنها، وهذا يعني أن تلك الأسئلة غير مهمة بقدر ما تحمله القصة بشكل عام، والنهاية بشكل خاص من مغازٍ عميقة، وهذا يتطلب تحليلاً سنتناوله بشكل موسع في مساحة أخرى.

ثم نذهب إلى الخط الثالث للفيلم حيث نرى عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (إف بي آي) يقتحمون مقر الطائفة ويستجوبون زعيمها عن طريق الخبير بول سيفييه (آدم درايفر) لمحاولة فهم ما يعنيه الطفل لتلك الطائفة، ونعلم من إجابات زعيم الطائفة أن روي هو والد الطفل.

بعدها تنتقل كل أحداث الفيلم تقريباً إلى الشارع حيث تبدأ عملية هروب ومطاردة نرى فيها روي ولوكاس يقودان السيارة بالتناوب والطفل ألتون في المقعد الخلفي من السيارة. نلاحظ في أحد المشاهد أن لوكاس يطفئ مصابيح السيارة ويستخدم نظارات رؤية ليلية فندرك أنهم يريدون التخفي عن الأنظار بشكل كامل.

يقع حادث ويضطر الثلاثة للتوقف لمساعدة المرأة المصابة في السيارة الأخرى لكن يأتي شرطي ويتعرف إليهم ويعلم أنهم المطلوبون، وقبل أن يخرج سلاحه يرديه والد الفتى قتيلاً. السؤال هنا: لماذا اضطر روي لقتل الشرطي؟ الجواب أنه يريد حماية طفله مهما كان الثمن.

الطفل ألتون كذلك يرتدي نظارة خاصة لفترة ثم يخلعها، ونفهم في ما بعد أنه يتمتع بقدرات خاصة، حيث إن عينيه تطلقان شعاعاً أبيض في أوقات معينة (عند رؤية الشعاع الأبيض قد يتذكر القارئ الشخصيات الشريرة في فيلم The World’s End عام 2013). وحتى هذه اللحظة ندرك أن روي استرجع ابنه الذي كان لدى الطائفة الدينية.

كالفن زعيم الطائفة قال في أحد المشاهد في بداية الفيلم إن الطفل كشف له أرقاماً ذات دلالات مقدسة حسب معتقدات الطائفة، في الوقت نفسه، الأرقام تعني شيئاً له علاقة بالأمن القومي الأميركي، إذ تتدخل وكالة الأمن الوطني الأميركية مع الـ «إف بي آي» كي تفهم كيف حصل الطفل على تلك الأرقام. وأيضاً الأرقام بالنسبة لوالد الطفل تعني موقعاً عليه أخذ الطفل إليه.

الكاتب/‏‏ المخرج جيف نيكولز يستخدم أسلوباً حاذقاً للغاية في سرد «ميدنايت سبيشل» بمعنى أنه لا يخبر المشاهد بطريقة مباشرة أو بما لا يحتاج لمعرفته ويظهر ذلك جلياً في غياب الحوارات التفسيرية وكذلك عدم وجود شخصية ساردة للقصة.

واسترسالاً في هذه النقطة فإن كثيراً من الأفلام الهوليوودية تبدو كأنها تقود المشاهد خلالها عن طريق إخباره ثم إعادة إخباره بعض أحداث قصة فيلم ما ثم تفسير وإعادة تفسير دوافع الشخصيات من خلال الحوارات ما يخلق تكراراً، ويكون بمثابة إهانة لذكاء المشاهد، وكثيراً ما نرى هذا في أفلام الأكشن، إذ تتحدث الشخصيات مع نفسها لتشرح للمشاهد ما عليها أن تفعله ولماذا عليها فعله وكأن المشاهد سيغضب في الصالة لو لم يعرف ذلك.

«ميدنايت سبيشل» أذكى من ذلك؛ إذ يضع الأسئلة أمام المشاهد ويجعله يتفكر فيها قبل أن تأتيه الإجابة ليس من شخصيات الفيلم مباشرة، إنما من طرف آخر: كنشرات الأخبار أو من لقطة معينة بتصوير شيء ما يكون إجابة لسؤال مضى، وبالتالي يدخل المشاهد في تجربة اكتشاف الفيلم بنفسه.

رغم أن فكرة الفيلم المجردة أصلية إلا أنه من الصعب تصور أن نيكولز صنعه دون أن تحضر أفلام أخرى شهيرة في باله، ونتحدث هنا عن أفلام شكلت عصراً ذهبياً للخيال العلمي في آخر السبعينات ومطلع الثمانينات مثل رائعتي ستيفن سبيلبيرغ Close Encounters of the Third Kind عام (1977) وET: the Extra Terrestrial في (1982) وكذلك فيلم Starman سنة 1984 لجون كاربتنر.

يحوي الفيلم مشهداً ظريفاً إذ يرفع ألتون المنهمك في قراءة القصص المصورة رأسه ليسأل والده روي (شانون): ما هو كريبتونيت؟ فنفهم أنه يقرأ قصة سوبرمان لأن هذا اسم كوكبه. المشهد أساساً عبارة عن نكتة وإسقاط على الممثل مايكل شانون الذي مثل دور الجنرال زود عدو سوبرمان في فيلم Man of Steel.

الفيلم ينقصه مشهد اختطاف الطفل أو استرجاعه ولو بدأ نيكولز من هذه النقطة لعزّز عنصر التشويق والإثارة في الفيلم، خصوصاً أن مشاهد الاختطاف في الأفلام تكون أقوى بعرضها على الشاشة من مجرد ذكرها في حوار.

تويتر