نجم محظوظ أساء استغلال الفرص التي توفرت له

جون ترافولتا..ملك العودة يسقط من العرش

منذ 20 عاماً كانت الناس تذهب إلى السينما لمشاهدة فيلم من أجل نجومية ممثل معين تثق بجودة أفلامه، فلم يكن مهماً نوع الفيلم والقصة بقدر الاهتمام بوجود ذلك النجم في بطولة الفيلم وعلى ملصقه حيث كان هو الضمان لجذب الجمهور. اليوم انقلب الأمر وأصبح أي نجم من نجوم عهد التسعينات علامة تأكيد على سوء المنتج باستثناء قلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.

لكن هناك نجم واحد من عقد التسعينات يستحق قراءة مجددة في سيرته وهو الممثل الأميركي جون ترافولتا الذي أصبحت أفلامه اليوم لا تصمد أسبوعاً واحداً في دور العرض مقابل شهر كامل في التسعينات. ترافولتا يختلف عن بقية من عاصروه لأنه محظوظ جداً وأتته الفرصة أكثر من مرة إلا أنه أساء استغلالها.

انطلاقة

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

انطلق ترافولتا إلى الشهرة سينمائياً من فيلم Carrie لبرايان دي بالما عام 1976 والمقتبس من رواية لستيفين كينغ وهو أفضل اقتباس سينمائي إلى اليوم، ورغم أن ترافولتا حظي بدور ثانوي إلا أنه كان مهماً جداً لأنه اقترن بمشهد كلاسيكي كان ذروة الفيلم ولا يتحدث الناس عن الفيلم إلا أن يذكروا ذلك المشهد (ذبح الحيوان ووضع دمه في جردل وإسقاطه على مسرح حفل التخرج، ثم مشهد محاولة قتل بطلة الفيلم).

في العام التالي دخل ترافولتا تاريخ ثقافة البوب الأميركية بفيلم Saturday Night Fever بتلك الصورة الشهيرة التي يرتدي فيها بدلة بيضاء ويؤدي رقصته الشهيرة على أنغام أغنية «البيجيز»، وهي الصورة التي كانت رمزاً سينمائياً لعقد السبعينات من القرن الماضي. الصورة في حد ذاتها اشتهرت أكثر من الفيلم الميلودرامي الذي عرف بأغانيه فقط، والتي احتلت المركز الأول لأكثر أغاني فيلم مبيعاً إلى اليوم.

أحب ترافولتا التجربة وأراد تكرارها فظهر في فيلم Grease عام 1978 والنجاح كان كبيراً في أوساط الجمهور فقط لأن الفيلم اعتمد على الأغاني ومشاهد الرقص الطويلة، لكن لم يكن هناك جديد. على إثر ذلك النجاح قررت شركة باراماونت إعادة إصدار ساتردي نايت فيفر في نسخة تصلح لجميع أفراد العائلة. في العام نفسه تعثر ترافولتا في فيلم Moment By Moment وسقط سقوطاً مدوياً سبب إحراجاً له، والسبب أن الفيلم عن قصة حب بين شاب وامرأة ثرية تكبره سناً، حيث إن القصة لم تكن مرغوبة ولا مقنعة.

تجديد تعاون


تنبه ترافولتا إلى تلك العثرة وقرر اللجوء إلى ما يعرفه فقرر عام 1980 الظهور في فيلم Urban Cowboy وهو مثل ساتردي نايت فيفر، لكنه في قالب رعاة البقر. حقق الفيلم إيرادات متواضعة أنست الجمهور إخفاق الفيلم السابق. جدد ترافولتا تعاونه مع المخرج برايان دي بالما في فيلم Blow out عام 1981، وهو فيلم بوليسي بطابع «هيتشكوكي» يعكس بوضوح تأثر دي بالما بأفلام آخر الخمسينات عن مهندس صوت يكتشف حادث سيارة وشيئاً فشيئاً يدخل الفيلم أجواء المؤامرات السياسية.

حقق الفيلم نجاحاً كبيراً إلا أن معجبي ترافولتا انصرفوا عنه لالتصاق صورته في أذهانهم بالأفلام الراقصة، ما جعل ترافولتا يرتكب خطأ فادحاً بالاستجابة لهم والظهور في فيلم Staying Alive عام 1983 وهو جزء ثانٍ من ساتردي نايت فيفر. أساساً لم تكن الظروف مواتية لعمل جزء ثانٍ، حيث إن أسباب نجاح الأول في السبعينات انتفت في العقد التالي ولم تكن هناك تكملة للقصة. فعمدت الشركة إلى وضع تعديلات في النص وفي قرار غريب عينت سلفستر ستالون ليتولى الإخراج (ستالون كان الفتى المدلل في هوليوود آنذاك بسبب نجاحات أفلام روكي).

وظهر الفيلم غريباً كقرار تعيين ستالون مخرجاً، وشاهد الجمهور مزيجاً من أفلام روكي في قالب راقص! وسقط الفيلم.

العودة الأولى


بعدها دخل ترافولتا في فيلمين الأولTwo of a Kind والثاني Perfect، الأول أخفق لبلاهة قصته والثاني كان محاولة أخرى حمقاء لتكرار ساتردي نايت فيفر في قالب أندية رياضية أو ما يعرف بـGym، وابتداء من عام 1985 دخل ترافولتا مرحلة السقوط الحر واختفى عن الأنظار أربعة أعوام ثم ظهر في The Experts عام 1989 وكان هذا الفيلم بمثابة المسمار الأخير في نعش مهنة ترافولتا، لكن حدث ما لم يكن متوقعاً في العام نفسه عندما عاد ترافولتا فجأة إلى الصدارة من خلال الكوميديا العائلية Look Who’s Talking.

قرّرت الشركة صنع جزء ثانٍ للفيلم حقق نجاحاً لكنه لم يكن بزخم الأول، ودخل ترافولتا في أول التسعينات مرحلة تخبط إذ أخفق فيلمه التالي، فلم يجد أمامه سوى الموافقة على الظهور في الجزء الثالث من الكوميديا العائلية نفسها، لكنه سقط لحظة انطلاق عروضه في شباك التذاكر عام 1993 والسبب أن ترافولتا كرر أخطاء الماضي بالظهور في فيلم افتقد أسباب وجوده ودخلت مسيرته الفنية مرحلة الإنعاش.

العودة الثانية


في عام 1994 كان صانع الأفلام الأميركي الصاعد آنذاك كوينتن تارانتينو يبحث عن ممثل لدور معين في فيلمه Pulp Fiction - رجل عصابة بليد حائر يدعى فنسنت فيغا - ووجد ضالته في ترافولتا الهائم على وجهه بعد انسحاب صديقه الممثل مايكل مادسن من المشروع. تارانتينو علل سبب اختياره لترافولتا بأن وضعه كممثل شبيه جداً بحالة الشخصية، لكن الأول اصطدم برفض هارفي واينشتاين مالك الشركة المنتجة لترافولتا واقترح بديلاً هو البريطاني دانيال داي لويس.

وعندها قال تارانتينو جملته الشهيرة في مكالمة هاتفية دخلت تاريخ السينما: «أمامك 10 ثوانٍ يا هارفي، إما ترافولتا أو أتخلى عن المشروع» فوافق هارفي فوراً. ووافق ترافولتا الجريح على الدور بربع أجره الذي تقاضاه في الأفلام السابقة، والسبب أن تارانتينو صانع أفلام مستقل لا تتدخل الاستوديوهات الكبيرة في أفلامه وبالتالي ميزانيات أفلامه محدودة.

ثورة اجتماعية

اكتسح الفيلم دور العرض العالمية محققاً نجاحاً منقطع النظير وفرض رؤية تارانتينو الإخراجية المستلهمة من صانع الأفلام الراحل ستانلي كوبريك وهي صناعة فيلم بأحداث غير مرتبة زمنياً، وفاز بجائزة أفضل فيلم في مهرجان كان السينمائي وترشح للأوسكار (خسر لمصلحة Forrest Gump) ووصل الأمر إلى إحداثه ثورة اجتماعية في ثقافة البوب الأميركية وتكوين جماعات من الأتباع المتأثرين بشخصيات الفيلم Cult Following من خلال حواراته ذات المغازي العميقة، واحتوى على أحد أكثر المشاهد رسوخاً في الذاكرة السينمائية وإسقاط واضح على ساتردي نايت فيفر، وهو مشهد يؤدي فيه ترافولتا مع الممثلة أوما ثيرمان رقصة ساخرة. والنتيجة عودة ترافولتا إلى القمة مرة أخرى وتعتبر واحدة من أقوى العودات في تاريخ هوليوود.

ترتب على نجاح فيلم Pulp Fiction نتائج عدة أهمها تجديد صورة ترافولتا أمام الجمهور وازدياد الطلب عليه ما أسهم في تضاعف أجره إلى أن بلغ 20 مليون دولار للفيلم الواحد، فضلاً عن تحول النصف الثاني من التسعينات إلى حقبة ذهبية بامتياز لهذا الممثل الذي بلغ حداً غريباً من المزاجية دفعه لإحضار طباخه الخاص لصنع أطباقه المفضلة أثناء استراحات التصوير.

تمكن ترافولتا كذلك من تنويع أدواره بحرية في تلك الفترة فظهر في الكوميدي Get Shorty والأكشن السياسي Broken Arrow والدراما Phenomenon، وأصبح أحد نجوم الصف الأول بلا منازع.

مرشح رئاسة


في يناير 1998 هزت فضيحة المتدربة السابقة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي إدارة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، وبالتزامن مع الفضيحة صدر فيلم Primary Colours الذي مثل فيه ترافولتا دور مرشح رئاسة أميركي يسعى للوصول إلى البيت الأبيض (إسقاط واضح على كلينتون). عبر الرئيس كلينتون عن استيائه من توقيت صدور الفيلم رغم تمتعه بعلاقة صداقة مع ترافولتا (للعلم كلينتون أشاد بهاريسون فورد في فيلمAir Force One عام 1997 عن رئيس أميركي يقاتل إرهابيين اختطفوا طائرة الرئاسة).

ترك الفيلم انطباعاً سيئاً عند شرائح من الشعب الأميركي التي لم تتقبله واعتبرته محاولة هوليوود تلميع صورة كلينتون المتورط في فضيحة بخلق نسخة خيالية شبه مثالية له.

استمر ترافولتا في تنويع الأدوار والظهور في أفلام ناقشت قضايا مهمة كالإعلام Mad City والفضائح البيئية A Civil Action وملاحم تاريخية عسكرية The Thin Red Lineوالفساد في المؤسسة العسكرية The General’s Daughter واستمر في نجاحاته حتى بزوغ الألفية الجديدة دون أن يلوح في الأفق ما قد يهدد مسيرته الفنية.

استخفاف


عام 2000 برزت العثرة الأولى أمام ترافولتا عندما رفضت الاستوديوهات في هوليوود تمويل فيلم الخيال العلمي Battlefield Earth المقتبس من رواية «إل. رون هوبارد» مؤسس مذهب الساينتولوجي (ترافولتا اعتنق المذهب عام 1975، وحاول إنتاج الفيلم بعدها بـ10 أعوام). رفض الاستوديوهات سببه عدم اقتناعها بالقصة ووصل الأمر لدرجة استخفاف مديري الاستوديوهات باسم بطل القصة جوني غودبوي!

قرر ترافولتا الإسهام في تمويل الفيلم من ماله الخاص وكان يحلم بتمثيل دور بطل الفيلم إلا أن تقدمه بالسن جعله يكتفي بتمثيل الشخصية الشريرة. دفع ترافولتا المال ودعم المشروع بكل ما أوتي من نفوذ للخروج به من الرواية إلى السينما.

سقط الفيلم سقوطاً مدوياً بسبب سوء معالجة النص ورداءة الفنيات وخفوت الإضاءة الشديد في معظم مشاهده وأسلوب التصوير (معظم اللقطات معوجة) وبشاعة شخصيات الفيلم، وشهدت صالات العرض خروج الجماهير بالجملة قبل انتهائه.

لم تؤثر السقطة الأولى في ترافولتا بعد عودة عام 1994 لكن اصطدامه بفشل مشروعه الثاني على التوالي لم يكن سهلاً. ظهور ترافولتا في فيلم Swordfish عام 2001 لم يكن مدروساً جيداً إذ كان أداؤه متميزاً لكن شخصيته كانت غامضة جداً لدرجة من المستحيل معها تحديد دوافعها. الفيلم اعتمد على مونولوغ كان يستحق أن يكون في فيلم مستقل وبضعة مشاهد: انفجار أيقوني ومشاهد أخرى مثيرة للجدل نجحت في جذب الجمهور.

تذبذب

دخل ترافولتا بعدها مرحلة تخبط بظهوره في فيلم عسكري مستحيل الفهم Basic عام 2003، وبعده دخل مرحلة التذبذب بفيلم ناجح من كل ثلاثة أفلام يظهر فيها، كان أبرز أفلام تلك المرحلة Ladder 49 الناجح ثمBe Cool الذي أعاد فيه ترافولتا وشريكته فيPulp Fiction أوما ثيرمان مشهد الرقصة الساخرة دون سبب فأخفق الفيلم لمحاولته الاستعارة من أفلام سابقة. ظهر كابوس الأفول مجدداً أمام ترافولتا لكن نجاح فيلمي Hairspray وWild Hogs عام 2007 بث الطمأنينة في نفسه، فأراد تغيير مساره قليلاً بإعارة صوته في فيلم ديزني الأنميشن Bolt في العام التالي. لم يحقق «بولت» النجاح المطلوب بسبب الخطأ الشهير الفادح الذي ارتكبته إدارة التسويق في «ديزني» ودخل التاريخ من شدة فداحته، إذ أصرت «ديزني» على طرح الفيلم بالتزامن مع الجزء الأول من فيلم المراهقين الشعبي Twilight في صالات السينما، ما تسبب في سحق هذا الأخير فيلم بولت في شباك التذاكر «ديزني اعترفت بالخطأ وندمت بشدة على قرارها الذي وصفته بالمتسرع».

تويتر