نبيل المالح.. عنوان السينما الــسورية

قبل أيام من رحيل أحد مؤسّسي السينما السورية، نبيل المالح، الذي توفي في دبي 24 فبراير الجاري، ودُفن في ثراها، كان يردّ على هاتفه ليطمئن محبّيه على صحته. وبضحكته المعهودة التي تشبه قمصانه الملونة التي كان دوماً يرتديها، رحل المالح صاحب أكثر من 150 فيلماً، والذي كرّمه مهرجان دبي السينمائي، تاركاً وراءه إرثاً كبيراً من الأفلام التي كانت تُنبئ بكل ما يحدث في سورية من أحداث، مثل أفلام «الكومبارس»، و«الفهد»، و«رجال في الشمس». وكان المالح مخرجاً مشاكساً، كل عمل يقدمه كان مدعاةً لجلسات طويلة من الرقابة في بلده سورية، لإيجاز عرضه أو منعه.

وكان المالح، الذي ولد في 28 سبتمبر 1936، قال في حوار لـ«الإمارات اليوم»، في عام 2011، إنه لم يتخيل أن يعيش اللحظة التي يرى فيها الشعب السوري يخرج منتفضاً في تظاهرات احتجاج واسعة النطاق، ويعبّر عن رأيه أمام الملأ، طالباً الحرية. وأضاف أن «الأنظمة القمعية إذا شاهدت طائراً يحلّق بحرية، فإنها تُستفز وتوجه نحوه مدفعاً وليس رصاصة»، مؤكداً في الحوار أن «المؤسسة العامة للسينما في سورية تعمل وفق عقلية النظام نفسه، حيث مديرها مدعوم من ضباط النظام، ولا يقبل أي فكرة مختلفة مع توجهه».

لقد عاش نبيل المالح حراً، ومات كالأشجار وقوفاً، كما أراد، فلم يقف مع الظلم يوماً، وقد ساند ثورة شعبه حتى لحظاته الأخيرة في الحياة.

نعي الأصدقاء

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

نعى سينمائيون وفنانون وكتّاب صديقهم الراحل نبيل المالح، عبر صفحاتهم الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، ومن بينهم الفنان السوري جمال سليمان الذي كتب عنه «مازالت أخبار الرحيل السوري الكبير تتوالى، ومازالت أمنياتنا في أن تكون تلك الأخبار مجرد إشاعات كاذبة، مجرد أمانٍ. وداعاً نبيل المالح، وداعاً يا أستاذ، أنت لم تكن مخرجاً مبدعاً وحسب، بل كنت عنواناً سورياً، لذلك وداعك صعب ومؤلم يا صاحب الأحلام التي لا تنتهي»، مضيفاً أن «روحك ستبقى سابحة في حارات دمشق تطوف فوق نوافيرها، أما نحن فسنتذكرك دائماً ونفرح لأننا عرفناك».

ووضعت الفنانة أناهيد فياض صورة المالح، وعلقت «السلام لجمال قلبك والسلام لشبابك الدائم، وخسارة لكل من لم يجلس معك ويستمع إلى حكاياتك».

في المقابل، كتب المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي على صفحته الخاصة «حزن آخر، وغياب آخر، وفقدان آخر بطعم آخر، ودّعت السينما عاشقها وشاعرها، ودّعت طفلها وعملاقها، نبيل المالح، سنفتقدك يا نبيل كما افتقدتك سورية التي تسكنك رغم المنافي المفروضة عليك وعلينا داخل وخارج أوطاننا وبيوتنا، ولكنك يا نبيل ستواصل مهمتك في إنارة الطريق للأجيال القادمة، للعابرين في دروبك السينمائية، تواصل الدور الذي اختارته لك عشيقتك السينما، ستبدع كعادتك في مهمة الملهم وستساهم في تطوير كل ما هو فن وحق وحرية وجرأة وصدق في حب الوطن وحب البشر، وداعاً يا نبيل السينما العربية».

بدوره، كتب الكاتب السوري تمام هنيدي، اللاجئ في السويد، «شكراً لك يا نبيل المالح، شكراً على كل ما قدمته لنا. نحن الذين يوماً بعد يوم نودّع القرن الذي ولدنا فيه لندخل القرن الذي سنموت فيه، ونودّع يوماً بعد يوم آباءنا، ونتيتّمُ شيئاً فشيئاً، فنكتشف أننا كبرنا، وصار لابدّ لنا من الاستعداد للخسائر. شكراً من القلب يا نبيل المالح، نم آمناً أيها الأستاذ».

وغيرت الفنانة السورية ريم علي صورتها الشخصية ووضعت بدلاً عنها صورة الراحل نبيل المالح.

وكتب عنه المخرج السوري هيثم حقي «وداعاً صديقي العتيق العتيق. أي حزن هذا الذي حوّل صفحاتنا إلى أوراق نعي الأحبة. وداعاً نبيل صديقي وشريك العمل السينمائي والثقافي خلال الأربعين سنة الماضية. من الصعب اختصار ما جمعنا معاً خلال سنين طويلة، لكن عنوانه الأبرز مودة إنسانية عميقة وحب للسينما ولبلدنا وأهله الطيبين، والسعي بكل الوسائل نحو سورية. في لقائنا الأخير في باريس حين جئت رغم المرض لحضور عرض فيلمك الجميل (الكومبارس) في النادي السينمائي السوري، ولعل الأيام الثلاثة التي قضيناها معك كانت تلويحة الوداع التي قررت الحياة أن تمنحنا إياها».

وأضاف حقي «حزني كبير على خسارة سورية مبدعيها الكبار، الذين استطاعوا رغم سنوات القمع أن يفتحوا ثغرة في جدار المنع، والاضطهاد الأصم، ليرفعوا اسم سورية ويحضّروا شبابها لثورة الحرية والكرامة. وداعاً نبيل المالح، ستبقى حياتك وأفلامك (بقايا صور) دمشقية سيحتفظ بها ملء القلب والعين جيل الحرية القادم».

المهرجانات تحزن

قام عدد من مواقع المهرجانات السينمائية بتقديم عزائها على رحيل المالح، فالصفحة الرسمية لمهرجان دبي السينمائي كتبت «رحل عن عالمنا المخرج السوري القدير نبيل المالح، وهو أحد أبرز السينمائيين في تاريخ الفن السوري، كما كان أول مخرج سوري يدرس السينما في براغ خلال عام 1964، وقدّم باقة من أروع الأفلام السورية التي حجزت لنفسها مكانة متميزة في الذاكرة العربية. رحل المالح لكن ستظل أعماله باقية».

في المقابل، تقدم مهرجان مالمو للسينما العربية عبر صفحته الرسمية بواجب العزاء بفقدان المخرج السينمائي السوري نبيل المالح، وكتبت «المالح من أهم صناع السينما السورية، إذ أخرج العديد من الأفلام السينمائية التي أصبحت جزءاً من تاريخ السينما السورية. ترك المالح ذكريات في العديد من المحافل السينمائية العربية والدولية، ومنها مهرجان مالمو للسينما العربية، حيث حل ضيفاً على المهرجان في دورته الأولى، فيما كرمه المهرجان في دورته الثانية 2012».

الرسم والكاميرا

في سنواته التي قضاها نبيل المالح في دبي حيث اختارها، بعد معارضته لبطش النظام السوري الذي يعرفه جيداً، ويعرف مدى قسوته على بلده وعلى الشعب السوري، استطاع المخرج أن يخرج كل طاقاته الإبداعية ليس فقط في صناعة أفلام وحسب، بل من خلال الرسم والألوان، فكان يؤكد أن للألوان سحراً خاصاً على تلك الأقمشة الصماء، التي من خلالها نروي حكاياتنا التي ننشرها بعد.

كانت له تجربة مهمة في صناعة الأفلام الوثائقية والقصيرة «حلب» (1965)، و«إكليل الشوك» (1969)، و«الصخر» (1978)، و«النافذة» (1978)، و«العتمة المضيئة» (2003)، و«عالشام عالشام» (2006).

هو صاحب أكثر من 150 فيلماً بين روائي طويل وقصير ووثائقي، وصاحب أكثر من 60 جائزة عربية وعالمية، حصل عليها المالح خلال اشتغاله في السينما لأكثر من 40 عاماً، وأفلامه التي حصدت الجوائز كثيرة، من بينها «نابالم» (1969)، و«المخاض» (1978)، و«بقايا صور» (1978)، و«الكومبارس» (1992).

تويتر