فيلم بعد 25 عاماً على مأساة غزو العراق للكويت صوّر أغلبه في رأس الخيمة

«نقل جوي».. الهوية تنتصر في الحروب

على الرغم من أن سينمائيين عرباً قرروا عدم تناول غزو العراق للكويت تحت شعار «معاً لنتجاهل» كي لا تفتح الجرح من جديد، وعندما تم تناولها كانت بأعمال معدودة تدعو لطي هذه الصفحة السوداء من تاريخ الأمة العربية، مثل فيلم العاصفة لخالد يوسف وفيلم العودة والعصفور لهاني لاشين، والزمن الصعب لمحمد حسيب، تأتي بوليوود هذه المرة لتحكي الحرب من وجهة نظرها بعد 25 عاماً على انتهائها، من خلال فيلم «نقل جوي» للمخرج راجا كريشنا مينون، بطولة أكشاي كومار ونيمرات كارو، تتناول فيها قصة عملية إجلاء مليون و70 ألف هندي من الكويت خلال شهرين، بعد الغزو العراقي للكويت عام 1990.

الفيلم الذي تم تصوير غالبية مشاهده في إمارة رأس الخيمة، نجح فعلاً في تجسيد تلك المرحلة من خلال صنع مدينة تشبه الكويت آنذاك، إضافة الى لون الصورة السينمائية التي تم استخدامها المائلة الى الصفار قليلاً، هذا اللون الذي كان فعلاً في غالبية الانتاجات البصرية، أما من ناحية التمثيل فقد كان جديراً بالإعجاب، مع وجود بعض الأخطاء التي لا تمر على من عاش تلك الفترة، أو الذي عاش في الكويت تحديداً، واختصار مشهد الإجلاء على الجالية الهندية، مع أن هناك العديد من الجاليات كانت موجودة ايضاً، والمبالغة في قصة المرأة الكويتية التي هربت مع الجالية الهندية، وغيرها، حيث يؤكد الفيلم أنه مبني على وقائع حقيقية بطلها رجل الأعمال الهندي، رانجيت كاتيال، الذي تبدأ أحداث الفيلم معه.

الانسلاخ عن الهوية

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

يظهر رجل الأعمال الهندي رانجيت كاتيال في المشهد الأول من الفيلم، والتاريخ الظاهر 1/‏‏8/‏‏1990، أي قبل يوم على الغزو، وهو موجود في قصر كبير، محاط بشخصيات مرموقة، يباركون بعضهم على صفقة جديدة، لينتقل المشهد بعد ذلك ويدخلنا الى شخصية كاتيال الذي يؤكد دائماً أنه كويتي وليس هندياً، حتى من خلال الأغاني التي يضعها في سيارته، تدرك منذ المشاهد الأولى أن هذا الرجل منسلخ تماماً عن بلده الأصلي، حتى في طريقة العيش في فيلته الفخمة، ويتضح ايضاً أنه ليس عاطفياً بقدر اهتمامه بالمال والأعمال، فهو لا يهتم لابنته التي تنتظره ليلاً كي تقبّله، أو لزوجته التي من الواضح أنها غير معجبة بطريقة تفكيره، كاتيال يعيش ليلة الهدوء الأخيرة في حفل صاخب لأهم الشخصيات الهندية في السفارة، على ما يبدو، يتبجح أمامهم ويعلن عن غروره الذي يعتبره سر نجاحه، ويؤكد بين عبارة وأخرى أن انتماءه للكويت فقط، لكن في صباح اليوم التالي تنقلب الموازين بشكلها الكامل.

المصلحة أولاً

يستيقظ كاتيال على رنين هاتف المنزل الساعة الثالثة فجراً، ليسمع خبر اجتياح الكويت من الجيش العراقي، يهرع لفتح التلفاز، والراديو، دون أي جدوى، ينتظر بزوغ الشمس كي يتأكد بنفسه، يقرر أن على زوجته وابنته السفر الى لندن، فلا يمكن أن يستمر هذا الأمر أكثر من أيام معدودة، يستقل سيارته، ويشهد على دمار كامل في بضع ساعات، له علاقة باقتحام المحال والبيوت وقتل كل كويتي، والكثير من المشاهد التي تؤكد قيام الحرب، يتم توقيف سيارته، وقتل سائقه أمام عينيه، وهذه اللحظة تعتبر المفصلية في حياة كاتيال، الذي لعب الحظ معه بأن شاهده قائد عراقي أثناء مروره في المنطقة وعرفه، وأمر باصطحابه، وكان المكان في قصر صديقه وشريكه في العمل الذي وجده معلقاً في النافذة، هنا أدرك كاتيال أن مصلحته باتت مع العراقيين، وبدأ يتفاوض مع القائد العراقي على أمنه، مقابل رشوة، وبالفعل يعود كاتيال الى بيته، ويراه خالياً، فيذهب الى السفارة الهندية، ويجد أن جميع الهنود في الكويت يفترشونها، ويرى زوجته وابنته هناك، لتبدأ بعد ذلك صحوة انسانية في قلب رجل الأعمال والمال.

الاستفادة والتخطيط

في اللحظة التي قرر فيها كاتيال السفر الى لندن هو وعائلته، يعترضه موظفون في شركاته الكثيرة، يقول أحدهم «أنا مطمئن الآن لأنك موجود بيننا»، حينها ينظر كاتيال نظرة عامة في السفارة ويرى وجوهاً كثيرة مألوفة لديه، ويقرر في تلك اللحظة أنه لن يسافر قبل أن يطمئن عليهم، وتتعجب زوجته من ذلك ويقف أمامها ويقول: «لقد قتل سائقي أمام عيني، وشاهدت جثة شريكي معلقة على نافذة قصره، خارج هذه السفارة لا أحد يعرفنا، كلنا سواسية في هذه اللحظات الحالكة»، ويضيف «هناك صبية عراقيون لم يصلوا الى سن البلوغ يحملون الأسلحة لن يميزوا»، وفي الوقت نفسه تظهر شخصيات مختلفة في الفيلم، التي تؤثر في الأحداث، والتي تظهر أجمل وأقبح ما في النفس البشرية في مثل هذه الظروف، ومن ناحية أخرى مازال كاتيال على علاقة مع القائد العراقي، يستفيد منه وقتاً اضافياً في تدبير أمور الجالية، أهمها أخذ الموافقة على نقلهم من السفارة الى مدرسة، وبناء أول مقر لجوء لهم، ومن جهة أخرى تدبير المعونات من مأكل وشراب من أماكن عدة خاصة بأصحاب المحال والبقالات من الهنود، مع العلم أن غالبية هؤلاء الهنود لا يحملون جوازات سفرهم لأنها مرهونة عند أرباب أعمالهم، وهنا تنتقل قضية الجالية الهندية الى منحى آخر، خصوصاً مع عدم اهتمام الدولة الهندية بقضيتهم، وهذا يظهر في الاتصالات اليومية التي يجريها كاتيال مع الحكومة في بلاده دون إجابة، فيدرك كاتيال أن وجود كل هؤلاء في الغربة كان لسبب أنهم لم يشعروا بالأمان في بلدهم الأصلي.

الاتحاد الهندي

يركز الفيلم على إظهار الثقافات المختلفة بين الشعب الهندي الواحد، من ناحية اسمائهم وأزيائهم، فالمسلم حاضر كالبوذي والمسيحي والسيخي، وجميعهم كانوا معاً في مكان واحد يجمعهم، لأن همهم أصبح واحداً، ومن بين كل هؤلاء تظهر امرأة مع طفلها، تنطق العربية حين تداعبه، فيعلم كاتيال أنها كويتية ووجودها بينهم قد يهدد حياة جميع الهنود اذا ما تم كشفها، من خلال الدوريات المستمرة من قبل الجيش العراقي والتفتيش، الذي يظهر بالفيلم أنه حجة ليأخذوا طعامهم وشرابهم، وعن هذا المشهد يذهب كاتيال الى القائد العراقي يشكيه جنوده ليردّ عليه القائد «جئنا الى الكويت دون طعام ولا ماء، فمثلنا مثلكم يجب علينا توفير حاجاتنا كي نستمر في الحرب»، وعودة الى المرأة الكويتية، يقرر كاتيال بقاءها بينهم، وهي اشارة الى رد الوفاء منه تجاه بلد احتضنه، وتظهر شخصية إبراهيم الذي اكتشف أمر الكويتية أولاً، وقرر هو الآخر مساعدتها والتستر عليها الى آخر لحظة قبيل سفرهم الى الهند، حيث يقول للمفتش إنها زوجته.

بغداد

بعد أن يبدأ اليأس بالدخول إلى قلوب الجالية الهندية من إمكانية رحيلهم، خصوصاً مع تخلي حكومتهم عنهم، يقرر كاتيال الذهاب الى العراق، فعلاقته جيدة مع وزير الخارجية آنذاك، طارق عزيز، ويستطيع أخذ الموافقة منه على نقل الهنود على متن باخرة آتية محملة بالأغذية، ويعود مرة أخرى للكويت لتعيش الجالية الفرحة الكبرى التي لم تستمر لأن الولايات المتحدة حينها قررت الحظر الجوي والبحري على الكويت، فلم تصل السفينة.

الغضب والفرج

هنا يزيد الغضب، وتزداد الاتصالات بالحكومة الى أن يجيب موظف صغير لا ناقة له ولا جمل، لكنه يستطيع أن يفعل ما لم يفعله الكبار، خصوصاً مع موضوع أخذ الموافقة من المملكة الأردنية الهاشمية على استقبال الهنود كلاجئين مؤقتين على حدودها الى حين ارسال الطائرات لهم لنقلهم، وتبدأ حركة المسيرة عبر البر، من خلال سيارات وشاحنات مسروقة، وقبل الوصول الى الحدود الأردنية لابد من نفس بوليوودي أن يظهر في الحكاية، خصوصاً أن بطل العمل أكشاي كومار معروف بتجسيد شخصيات «الأكشن»، لكن هذا المشهد لم يكن منطقياً، وهو متعلق بالمرأة الكويتية التي كانت معهم، حيث قرر جنود عراقيون اختطافها، لكن جميع من في وسائل النقل من هنود ينزلون ويجابهون الجنود الذين يسلّمون أسلحتهم.

الدولة تغني

تصل الجالية إلى مطار الملكة علياء الدولي، ينتظرون أن يرفع علم بلادهم كإشارة الى أن ثمة طائرات هندية ستحط بالمطار، وفي لحظة رفع العلم، ترى الوجوه وكأن الماء عاد إليها، أصبحت ساحة المطار ساحة رقص وغناء وامتنان لرجل الأعمال الذي كان يوماً لا يأبه إلا بنفسه، وأصبح بطلاً، وينتهي الفيلم مع أغنية كأنها هدية من الوطن إلى كاتيال تقول ما معناه «كل مرة تمر عليك، أنا أقلق من أجلك، لو نسيتني لن أنساك أبداً».

488

488 رحلة هذا عدد الرحلات التي قدمتها شركة الطيران الهندية من قبل متطوعين من قائدي الطائرات الذين كانوا متخوفين من المرور فوق مناطق نزاع للوصول إلى العاصمة عمان، استطاعت أن تقلّ مليوناً و70 ألف هندي كان غالبيتهم دون جوازات سفر، تجسدت حكايتهم من خلال فيلم مصنوع بشكل غريب عن ما هو متعارف عليه في صناعة السينما الهندية، مع غياب الألوان والرقصات باستثناء رقصة واحدة في بداية الفيلم، فيلم جدير بالمشاهدة وهو مازال يُعرض في بعض دور السينما المحلية، من الممكن أن تكون المعلومات فيه مبالغاً فيها، لكن الواقع نفسه كان كارثياً في حرب مازالت تعتبر الغصة الكبيرة في قلوب العرب.

تويتر