جينيفر أنيستون تقدم دوراً استثنائياً

«كيك».. كثير من الحزن والتمـــثيل

الفيلم الذي أخرجه دانيل بارنز وأدت فيه جينيفر أنيستون دوراً استثنائياً ومفاجئاً تقف أمامها شخصيات عابرة وتترك أثرها في كل محطة. أرشيفية

مع أن الفيلم يحمل عنوان «كيك»، إلا أن لديه الكثير ليقوله عن الحزن، على عكس فكرة الكعكة المرتبطة دائماً بالفرح، الفيلم الذي أخرجه دانيل بارنز، وأدت فيه جينيفر أنيستون دوراً استثنائياً ومفاجئاً، تقف أمامها شخصيات عابرة، وتترك أثرها في كل محطة تعيشها «كلير»، وهي الشخصية التي تلعبها أنيستون في الفيلم، التي نالت عليه بسبب أدائها العديد من الجوائز.

«كيك» الذي ظهر فيه ممثلون مثل أدريانا برازا، وسام ورثينجتون، وانا كيندريك، وكريس ميسينا، استطاع ببساطة أن ينقل مشاعر الفقدان وتأثيره في حياة امرأة تنتمي إلى مجموعة حاول أعضاؤها الانتحار يوماً، وقرروا العلاج، لكن انتحار زميلة تدعى «نينا» يقلب الموازين في حياتها، ويعيدها إلى نقطة الصفر مع هلوساتها واكتئابها والحبوب المهدئة التي تخبئها في كل مكان في المنزل، فهي الأم التي فقدت ابنها في حادث سير، وحاولت الانتحار من بعده فنجت، لكن وجهها وجسمها تشوها، ومع ذلك هي لا تأبه لشيء، فقد خانها زوجها، وصارت بدينة، وليس لديها سوى لسانها السليط الذي يبتز الآخرين لتحقيق غاياتها، وعاملة منزل تساندها بحس أمومي طوال الوقت.

«كلير» وعاملة المنزل عندها هما الشخصيتان الرئيستان في الفيلم، وكل الشخصيات التي ستظهر هي عابرة ومؤثرة، ومن الممكن تكرار وجودها حسب المشهد، لا شك في أن شخصية كلير في الفيلم بكل المشاعر السلبية التي تبثها تستطيع ملامسة قلب كل أم أو قلب كل من ذاق شعور الفقدان، مشكلتها مع الجميع أنها لا تريد الحديث عن أي شيء يتعلق بحياتها السابقة، فهي تريد أن تعيش كي تتحايل في الحصول على الحبوب المهدئة، وهي أيضاً تعاني وجع ظهر ومفاصل لا يجعلها قادرة على الجلوس، خصوصاً في السيارة، تمد الكرسي على شكل سرير وتستلقي.
منذ المشهد الأول في الفيلم يعي المشاهد تماماً شخصية كلير، فهي تجلس مع مجموعة من النسوة ضمن جمعية تُعنى بإنقاذ من يفكر في الانتحار بأن يبعد هذه الفكرة من حياته، يتناقشن هذه المرة حول انتحار زميلتهن التي كانت الأكثر نشاطاً بينهن، واسمها «نينا»، حالة الذعر كانت ظاهرة على الجميع، وارتأت مديرة المجموعة أن تعطي فرصة لكل واحدة منهن بتوجيه تساؤلاتهن إلى «نينا» حول انتحارها، فالعض لامها، والبعض بكى عليها، وعندما جاء دور «كلير» ذهبت بتساؤلاتها إلى أبعد من العاطفة، حيث سألتها معجبة بطريقة انتحارها، فتشكِل احباطاً أكبر للمجموعة التي تقرر فصلها من بينهن، ليلحقه المشهد الثاني مباشرة، وهي مستلقية في المقعد الخلفي لسيارة الأجرة، تصل إلى منزلها، فتظهر العاملة المكسيكية في منزلها، تحاول جاهدة إطعامها، لتهرع إلى خزانة الأدوية تبحث عن حبوبها، وتجدها أخيراً خلف لوحة فنية.

تفاصيل كان لابد من ذكرها، لأنها بين الفينة والأخرى يعاد تكرارها في أماكن مختلفة، فالصورة باتت واضحة، «كلير» تعاني من اكتئاب حاد، لن نعرف سببه إلا في المشاهد النهائية، تهلوس بـ«نينا» كثيراً، وتلجأ إلى رجل في الشارع ليمارس معها العلاقة الغرامية، هي حادة الطباع، لا تابه لتشوه وجهها، لا تهتم بمظهرها، لديها المال الكافي ليشتري أي ذمة، ولو كانت ذمة طبيب أو صيدلي كي تحقق غايتها في شراء المزيد من الأدوية، طريقة تعاملها مع الأدوية تؤكد أن الموضوع تحول إلى شغف وإدمان، تمارسه وكأنه الشيء الوحيد الذي يسعدها.

«سيلفيا» الشخصية التي تظهر كثيراً في مشاهد تجمعها مع «كلير» هي عاملة المنزل الحنون، التي لا تهتم إلا براحة «كلير»، التي بدورها أيضاً تحولت إلى مبتزة لها ولقطع رزقها إذا لم تنصع لأوامرها، لكن في لحظات نادرة يستوعب المُشاهد أن «كلير» لم تكن كذلك، لأن بعض المواقف تدل على طيبتها بالأساس.
هنا يجب الحديث قليلاً عن دور جينيفر أنيستون في شخصية كلير، صحيح أنها حاولت ألا تخرج عن كوميديتها المعهودة في بعض المشاهد، إلا أن الطابع العام يؤكد أن أنيستون كانت بحاجة إلى مثل هذا النوع من النصوص كي تبرز ما لا يعرفه متابعوها من أدوات تمثيلية، حاولت جاهدة أن تكون جزءاً من خطوة يراد منها على ما يبدو ألا تقبل في المستقبل بمثل هذه النوعيات من الشخصيات المركبة التي تستطيع من خلالها إظهار كل ما تملك من قوة تمثيلية، قد تكون نجحت في كثير من المواضع، لكن الصدمة في شخصيتها الجديدة هي التي كانت أقوى، وهي التي تجعل منك كمتفرج الانتظار كل لحظة لتظهر شخصية أنيستون المعهودة والمتعلقة بخفة الظل المقترن بالجمال والدلال، أنت تتمنى، ولو في مشهد واحد، أن تظهر صاحبة أشهر تسريحة شعر باتت تعتمد في كبرى صالونات التجميل، لكنها لن تلبي رغبتك هذه المرة، لأنها وصلت إلى مرحلة نضج كافية تجعلها تدرك أهمية اختيار النصوص التي تفجر طاقتها التمثيلية الكامنة.

الحزن هو العنوان الرئيس أو الفحوى الرئيسة في كل ما يتعلق بفيلم «كيك»، لكنه لم يصل من خلال الشكل الذي ظهرت من خلاله شخصية «كلير» بقدر ما ظهر في الخيوط التي باتت توصلك إلى سبب كل هذا الاكتئاب، فشخصية زوج «كلير» التي ظهرت في مشهدين كانت كفيلة برسم انطباع عن علاقة مثالية سابقة، فشلت بسبب خيانة، كما ألمحت «كلير»، لكن في ضعفها الشديد لا تلجأ إلا إليه، تطلب منه أن يظل في غرفتها كي ينام ويروي لها حكاية، أنت تدرك بعدها أنه خسر طفله، لكن ما آلت إليه «كلير» لا يجعل التفكير منطقياً بسواها.

أما بالنسبة للشخصية المحركة لحياة «كلير» فهي «نينا»، التي تظهر كشبح لها تحاول تشجيعها على الانتحار، تظهر أمامها في المسبح، في المطعم، في المستشفى، في كل مكان، إلى وقت تقرر «كلير» الذهاب إلى منزلها والتعرف إلى زوجها، الذي ندرك أيضاً من خلال حوار معه أن «كلير» كانت تهدد «نينا» بشيء ما، وانتحرت بعدها، فزاد ذلك من كآبة «كلير».

تتوطد العلاقة بين «كلير» وزوج «نينا»، الذي لديه طفل بعمر الخمس سنوات، تحاول «كلير» طوال الوقت تجنبه، وعدم الاندماج معه، بحجة أنها لا تعي التعامل مع الأطفال، وهنا أساس الحكاية، فـ«كلير» نسيت تماماً أنها كانت أماً رائعة لطفلها الذي توفي أمام عينيها، وكان كل الحرص من جميع من ساندها في فترة صدمتها تذكيرها بهذه الجزئية.

تظهر في الفيلم مشاهد كثيرة وعابرة، كمشهد منطقة المخالفين في الإقامة، الذين يبيعون كل شيء حتى الدواء، ومنطقة الجاليات التي لا تحب أن تعيش إلا مع بعضها، تذهب مع سيلفانا إلى تلك المنطقة العاجة بالمكسيكيين لتشتري الدواء من دون وصفة، تنجح في المهمة، وتنجح أيضاً في إظهار الطيبة لدى المشاهدين، عندما حاولت صديقات سيلفانا الاستهزاء بحالها، فقامت ودفعت فاتورة المطعم الغالية خفية، وقصدت الطاولة وشكرت سيلفانا على دعوتها، هنا يدرك المشُاهد تمسك سيلفانا بكلير، فهي تعرفها جيداً، وتدرك أن ما تمر به هي مرحلة ستنتهي بلا شك.

الشعور بعدم الأمان كفيل بأن يحول أي كائن إلى الحالة التي وصلت إليها «كلير»، معرفة ما وراء تصرفات كلير كانت هي العامل الأساسي في ضرورة متابعة القصة إلى النهاية، لأن الحقيقة ظهرت في المشاهد النهائية، عندما وجد المُشاهد نفسه أمام «كلير» وهي ممددة على سكة قطار، إلى جانبها شبح نينا، هذا المشهد جاء بعد محاولة «كلير» الانتحار أيضاً ببلع حبوب كثيرة، بعدما شاهدت الرجل الذي تسبب بموت طفلها في حادث سير وهو يقرع باب منزلها يرجوها مسامحته، هنا فقط تظهر قصة الطفل بكل هذا التفصيل، تتعالج كلير في المشفى إثر بلعها الأدوية، وترحل مع سيلفانا إلى مكان يعرض أفلاماً سينمائية في الهواء الطلق، لكنها تتسلل من جانبها وتتمدد على سكة القطار، وتبدأ هلوساتها مع نينا، إلى أن تعترف أخيراً بأنها كانت أماً جيدة لطفلها، وموته لا يقلل من هذه الحقيقة، بل تجاهلها هو الذي أنساها الذكريات الجميلة معه، والتي كانت ستكون كفيلة باستمراريتها، تنهض من مكانها على صراح سيلفانا، التي تسبها باللغة المكسيكية التي لا تفهمها كلير، تقصد منزلها لترى طليقها واضعاً صورة تجمعها مع طفلها وهي في غاية العذوبة، ينتهي الفيلم مع مشهد وهي عائدة من منزل نينا، بعد أن قدمت كعكة لطفلها ولزوجها، وكأنها تقول إنها ستبدأ صفحة جديدة مع الحياة، تعيد الكرسي إلى الخلف لتتمدد، لكن الكاميرا تسلط زاويتها على يدي كلير وهي تحاول تعديل المقعد ليصير مستوياً، لكنها تفشل، وفجأة ومع تحرك السيارة تجد كلير وقد نهضت وأصبحت مستقيمة، ووجهها ملاصق للكاميرا، وكأنها تقول إن أوجاعها الجسدية وهم اقترن باحساس الفقدان الذي سلب منها كل شيء.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

 

تويتر