حب بين الجلاد والضحية وسط الحرب والمجازر

«الجناح الفرنسي».. في بيتنــا عدونا

الفيلم من بطولة ميشيل ويليامز وماتياس شوينارتس وكريستين سكوت توماس. من المصدر

في فيلم «سويت فرانسيس» (الجناح الفرنسي)، للمخرج البريطاني ساول ديب، تسيطر على المشاهد مشاعر غريبة، تكاد تكون متضاربة من شدة وقعها، خصوصاً عندما يكون محور الحكاية علاقة حب تنمو بين ضابط ألماني وفتاة فرنسية ريفية، وسط الحرب العالمية الثانية، وشدة المجازر التي ارتكبها هتلر رأس النازية.

الفيلم، الذي أدى أدوار البطولة فيه ميشيل ويليامز وماتياس شوينارتس وكريستين سكوت توماس، لا ينقل مشاعر الحب بين الجلاد والضحية، بل يتطرق أيضاً إلى سلطة المال ودورها في الحرب، ويحكي أيضاً عن أنه كيف لأناس عاديين استغلال الحرب لتحقيق مآربهم الشخصية، كانتقام جار من جاره من خلال إرسال رسالة لعنصر نازي فيها الكثير من الأكاذيب.. يحكي الفيلم كل تلك المشاعر، غير متناسٍ المرور على شخصيات أبت إلا أن تكون ذخراً للوطن كشخصية المزارع الذي سيغير الكثير من توازنات الحكاية المأخوذة من مذكرات ومخطوطات لكاتبتها إيرين نيميروفسكي، وظهرت بعد 46 عاماً من وفاتها.

في بلدة ريفية فرنسية، وتحديداً في يونيو عام 1940، يبدأ الفرنسيون النزوح من العاصمة باريس، بعد أن سيطر عليها هتلر، هذه البلدة التي تنقسم إلى طبقتين رئيستين وهما الإقطاعيون والمزارعون.

يبدأ المشهد مع الشخصية الرئيسة في الفيلم (لوسيل) التي تعيش مع حماتها المتسلطة المتحكمة ذات النفوذ المالي، نجدها تمنع لوسيل من العزف على البيانو حتى يعود ابنها من الحرب، تنساق لوسيل لها ولقراراتها تماماً، حتى لو لم تقتنع بها، كاليوم الذي قررا فيه تحصيل إيجار المنازل على الرغم من محاولة لوسيل إقناعها بأن الأمر خطير، وليس وقته، خصوصاً في وجود اللاجئين، لنعرف أنها تريد أن تصطاد في الماء العكر من خلال ترحيل من لم يدفع الإيجار، وتأجير المنزل للاجئين بسعر مضاعف، في هذه الأثناء تحوم طائرات ألمانية فوق رؤوس اللاجئين الفرنسيين، وكأنها لم تكتف بترحيلهم بل أصرت على اللحاق بهم وقتلهم، وكانت هذه إشارة واضحة لما سيأتي، خصوصاً بعد اتفاق الهدنة بين الحكومتين الفرنسية والألمانية، فتجد فرقة ألمانية استولت على المدينة الريفية، وأول إجراء كان تغيير التوقيت إلى التوقيت الألماني، هنا نسمع صوت الحماة المتسلطة وهي تتمتم للوسيل «لن أغير توقيتي أبداً».

يدور الفيلم في ثلاثة محاور رئيسة، الأول العلاقة التي ستربط بين لوسيل والضابط الألماني برونو وعنوانها شغفهما بالموسيقى. أما الثاني فحول سلطة المال في المدينة، إذ يسعى إقطاعيون من أجل الحفاظ على أملاكهم إلى التقرب من الألمان ويغدقون عليهم الهدايا. أما المحور الثالث فيتمثل في شخصية مادلين زوجة المزارع التي تشكل الطبقة الفقيرة، وتشكل طبيعة النساء في المدينة التي خلت من الذكور الشباب بسبب التحاقهم بالحرب، وزوجها المصاب في قدمه الذي سيكون له الدور البطولي الأكبر في ما يتعلق بالوطن والكرامة.

كل تلك المحاور في الفيلم يتخللها الكثير من الخيانات والولاءات، لتتجمع كلها في نهاية الفيلم في مشهد تريد معرفة ما حدث لكل شخصية فيه، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالحرب التي ترفع شعار الموت لا الحياة.

حتى مسألة توزيع الضباط والجنود على منازل الفرنسيين كانت تحكمها الطبقة الاجتماعية، فالأغنياء في منازل الإقطاعيين، والفقراء في منازل المزارعين، لذا أصبح الضابط الرفيع المستوى برونو في منزل لوسيل، وهنا تبدأ الحكاية، خصوصاً في اللحظة التي يطلب فيها برونو من الحماة المتسلطة أن تفتح له الغرفة التي يوجد فيها بيانو، ويبدأ كل ليلة بعزف مقطوعة تستفز لوسيل المتخصصة بالموسيقى لأنها لم تعرفها، لاسيما مع محاولاتها في تجاهله، بناء على توصيات حماتها التي تذكرها دائماً «في بيتنا عدونا».

مع كل ليلة تصدح من غرفة برونو أصوات الموسيقى، يبدأ نهاره بمهمة موكلة إليه وهي فتح رسائل سكان المدينة، وأغلبيتها إخباريات فيها الكثير من المعلومات الكاذبة، وهدفها الانتقام من خلال التواطؤ مع العدو، هذا المشهد هو الذي يجمع بين لوسيل وبرونو في غرفة واحدة، تحاول بعد أن تجرأت على البحث عن «نوتة» الموسيقى لتعرف أساسها، يدخل برونو الغرفة ويوبخها، ويتبادر إلى ذهنه أنها تراقبه، فتحاول أن توضح له أنها جاءت للبحث عن شيء يخصها، فيأمرها بقراءة الرسائل بصوت عالٍ، هنا تبدأ الثقة بين الجانبين، تحاول أن تقول له إن في الرسائل افتراءات كثيرة، ويؤكد لها أنه يعرف لكن الحرب دائماً تكشف معادن البشر.

في المقابل، تظهر شخصية مادلين زوجة المزارع، التي تستضيف في بيتها الفقير ضابطاً استطاع أحد الإقطاعيين رشوة مسؤوله كيلا يسمح له بالمكوث في قصره، هذا الضابط يغازل مادلين على مرأى من زوجها، ويجرحه بكثير من العبارات، في هذا الحين تنتشر في المدينة الصغيرة، التي لا يوجد فيها سر، علاقة الثقة التي تجمع بين لوسيل والضابط برونو، ويتهمها البعض بالخيانة، وآخرون وجدوا فيها شجاعة، وجميعهم يطلبون منها خدمات تخصهم وذويهم، كالخدمة التي طلبها المزارع من لوسيل بضرورة تدخل الضابط برونو في نقل الضابط المتحرش، كما طلبت امرأة ذات سلطة منها استولى جنود ألمان على قصرها لأنها تركته، بأن تجلب لها بعض المقتنيات، وبمعية الضابط برونو تفوقت بالمهمة.

كل هذه التفاصيل وغيرها الكثير التي تلوح ضمن أدوات فنية وأداء متقن، تقرّب بين لوسيل والضابط الألماني، ضمنياً يحاولان إنكار هذه الحالة، لكن كل المؤشرات والأحداث تقربهما من بعضهما أكثر، خصوصاً بعد أن تكتشف لوسيل رسالة في مكتب برونو تؤكد خيانة زوجها لها وإنجابه طفلة، وبات حالياً أسير حرب.

الانقسام الطبقي الذي كان متفشياً في فرنسا في تلك الحقبة، تظهر ذروته، عندما بدأ الفقراء من المزارعين والعمال بسرقة الطعام من قصور الأغنياء، فتكشف زوجة العمدة الصديق للألمان اللص وهو نفسه المزارع زوج مادلين، الذي يخدم لديهم، تهدده فيقول لها «الذي فعلتموه بنا أكثر إجراماً من الذي يفعله الألمان، ولن ننسى، تمني أن يظل الألمان أكثر ليحموكم». ويغادر فتحاول أن تقول لزوجها الذي لا يعطي الموضوع أهمية، فتستفزه بكذبة أن المزارع حاول قتلها، هذه الكذبة تكشف تماماً ماهية ما يدور حول تجار الحرب من الدم الواحد.
يرى الضابط المقيم في منزل المزارع فرصته الذهبية في قتله والانفراد بزوجته، بسبب إخبارية عنه من قبل العمدة، لكن المزارع يقتله ويهرب، في الوقت الذي قرر فيه العاشقان لوسيل وبرونو الانتقال الى خطوة تجمعهما، وفي الليلة نفسها الموعودة، يتلقى الضابط أوامر بضرورة البحث عن المزارع، ويقرر المسؤول عن الضباط الألمان القبض على العمدة، لأن القانون يحكم بقتل العمدة اذا لم يتم العثور على المزارع لأنه يشتغل في أراضيه، ومع هذا تظل زوجة العمدة صامتة عن كذبتها.

وبينما تنتظر لوسيل عودة برونو إلى المنزل بعدما رتبا موعد اللقاء مع غياب حماتها التي ستبات ليلة في منزل شقيقته، تظهر عند الباب مادلين زوجة المزارع تستجديها الذهاب إلى محل زوجها الهارب وتطمئن عليه، ترفض لوسيل إنقاذها لأنها فكرت في اللقاء فقط، فتنهال بالسباب عليها وتتهمها بالخيانة.

يتأخر برونو ولا يعود الى المنزل فهو المسؤول عن البحث عن المزارع، تفكر لوسيل في أنها كادت أن تخون وطنها بسبب علاقة حب مع قاتل شعبها، فتنقذ المزارع وتخبئه في منزلها، وتلبسه ملابس زوجها كي تستعطف حماتها عندما تكشف الموضوع.

تمضي 48 ساعة دون ظهور للمزارع فيتم الحكم بالإعدام على العمدة، وتكون طلقة النهاية من سلاح برونو.
مع أن أحداث الفيلم حاولت كثيراً إظهار برونو أنه مجبر على كل فعل إجرامي يقترفه، وحاولت الدخول إلى تفاصيل تفكيره وعلاقته بالموسيقى وبمساعدة الفرنسيين على قدر استطاعته، إلا أن الحرب لا تسمح بمساواة من يحمل السلاح ومن لا يحمله، وهنا تنقلب كل الحكاية، من جهة عمل بطولي تقوم به لوسيل وحماتها في حماية المزارع ومن جهة أخرى برونو المدرك تماماً أنه خسر لوسيل للأبد.

الطلب الأخير من لوسيل لبرونو يترافق مع موعد رحيل الجنود الألمان من المدينة، بأن يستخرج لها إذناً بالسماح للسفر إلى باريس، هو يعلم تماماً أن المزارع في حمايتها، لكن جندياً صغيراً في فرقته يشك بلوسيل، ويضع ورقة إلى جانب الإذن بضرورة تفتيش سيارتها، يعلم برونو بالموضوع ويحاول اللحاق بها، في الوقت الذي يقتل فيه المزارع جنود الحرس على الحدود، وينتقل المشهدإلى لوسيل وهي تصوب المسدس إلى وجه برونو الذي قال لها يوماً إنه سيلتقي بها بشكل لن تتوقعه.

ينتهي الفيلم، ولوسيل والمزارع في طريقهما إلى باريس، وهي تحكي القصة كراوية، أنها نجت لكنها لم تعلم يوماً ماذا حل بالشخص الوحيد الذي أحبته في حياتها، وقد ترك في غرفته النوتة الموسيقية التي اكتشفت لوسيل أنها من تأليفه وأطلق عليها عنوان الفيلم «الجناح الفرنسي».

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

تويتر