جورج كلوني ألمانياً.. ورشيد بوشارب أميركياً في دورته الـ 64

«برلين السينمائي».. ما من مفاجآت حتى الآن

فيلم جورج كلوني «رجال الصروح» مدجج بالنجوم وهو خامس الأفلام التي يقوم بإخراجها. من المصدر

ما من مفاجآت حتى الآن، وليس من أفلام لها أن تدفع للقول «يا له من فيلم!»، ونحن نتكلم عن ربع أيام الدورة الـ64 من مهرجان برلين السينمائي «البرليناله»، وهناك 400 فيلم مقسّمة بين المسابقة الرسمية و«الفورم» وبرنامج بانوراما وبرنامج أجيال وغيرها. انعدام المفاجآت ــ وتعبير المفاجآت رديف للاكتشافات طالما أن هذه الدورة ليست مدججة بأسماء مكرسة ــ آتٍ من البرنامج الرسمي والمسابقة الرسمية، ولنا بانتظار المقبل ما يعدنا بذلك، وطبعا بانتظار السيد لارس فون ترير و«شبق» الفيلم الحدث.

بعيداً عن الجزائر

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/02/92078.jpg

فيلم المخرج الفرنسي جزائري الأصل رشيد بوشارب «رجلان في البلدة» لا علاقة له بالجزائر، فهنا لن تقعوا على الجنود الجزائريين الذين أسهموا في تحرير فرنسا من الاحتلال النازي في «بلديون» 2006، ولن تتعرفوا إلى شيء من «جبهة التحرير الجزائري».


بوشارب يجرّب

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/02/92079.jpg

رشيد بوشارب يجرّب شيئاً جديداً، وهذا دقيق إلى حد ما، وفيه نصف الصواب، كونه يقدّم فيلماً أميركياً رغم إنتاجه الفرنسي، وهو من بطولة فورست ويتاكر، وليس من بطولة جماعية كما في فيلميه «بلديون»، و«خارجون عن القانون»، لا بل إن الفيلم متمركز بشكل رئيس على ويتاكر وشخصية وليم غارنت، بينما تجري أحداث الفيلم على أطراف تكساس الصحراوية، والمهاجرون المكسيكيون غير الشرعيين حاضرون بقوة، ولعل هذا ما يشكّل بيئة الفيلم والخلفية التي يتحرك فيها وليم غارنت.


نجوم

«رجال الصروح» فيلم مدجج بالنجوم، ويوم السبت الماضي الذي عُرض فيه هو يوم تجمهر فيه عدد أكبر من أي يوم آخر بانتظار نجوم الفيلم وهم يعبرون السجادة الحمراء، ونحن نتكلم عن كل من مات ديمون وبيل موراي وكيت بلانشيت وجون غوودمان وجان ديجردان ولا ننسى كلوني نفسه، ولعل مشاهدة هذا الفيلم ستدفع أولاً للتساؤل: ما الذي يفعله هكذا فيلم في المسابقة الرسمية، وإجابتي: «لا شيء سوى أنه مملوء بالنجوم، وموضوعه ألماني، وجرى تصوير 90% منه في ألمانيا، إضافة إلى إلانتاج المشترك الألماني ــ الأميركي».

وهو يعود بنا إلى عشرات الأفلام التي أنجزت عن الحرب العالمية الثانية، والتي تتأسس على أن مجموعة من الجنود سيرسلون في عملية خاصة تتمثل باستعادة شيء ما، أو تدمير مفاعل نووي أو قنبلة عجيبة يعتزم النازيون إنتاجها.

ثلاثة أفلام من بين التي عرضت خلال الأيام الثلاثة لها أن تدلل على الانطباع الذي بدأت به، والذي يعززه بقوة آخر ما شاهدته ألا وهو فيلم جورج كلوني «رجال الصروح» The Monuments Men، طبعاً كلوني المخرج والممثل في هذا الفيلم، وليكون خامس الأفلام التي يقوم بإخراجها، وهو على شيء من سلسلة غروننبيرغ «أوشين» التي كان كلوني واحداً من النجوم الكثر الذين اجتمعوا في ذلك الفيلم، وليكون «رجال الصروح» مدججاً بالنجوم، ويوم السبت الماضي الذي عُرض فيه هو يوم تجمهر فيه أعدد أكبر من أي يوم آخر بانتظار نجوم الفيلم وهم يعبرون السجادة الحمراء، ونحن نتكلم عن كل من مات ديمون وبيل موراي وكيت بلانشيت وجون غوودمان وجان ديجردان ولا ننسى كلوني نفسه، ولعل مشاهدة هذا الفيلم ستدفع أولاً للتساؤل: ما الذي يفعله فيلم هكذا في المسابقة الرسمية، وإجابتي: لا شيء سوى أنه مملوء بالنجوم وموضوعه ألماني، وجرى تصوير 90% منه في ألمانيا، إضافة إلى الإنتاج المشترك الألماني الأميركي.

حسناً، فيلم كلوني يعود بنا إلى عشرات الأفلام التي أنجزت عن الحرب العالمية الثانية، والتي تتأسس على أن مجموعة من الجنود سيرسلون في عملية خاصة تتمثل باستعادة شيء ما، أو تدمير مفاعل نووي أو قنبلة عجيبة يعتزم النازيون إنتاجها، أو الحصول على سر خارق باكتشافه يجري إنقاذ ملايين البشر وتتحول إمكانية انتصار الألمان إلى هزيمة نكراء، أما مجموعة كلوني فهدفها إنقاذ عدد هائل من الأعمال الفنية التي يعتزم هتلر سرقتها من شتى أرجاء أوروبا، والتي سيقوم باتلافها إن هزم وألمانيا معه.

إيراد ذلك سيدفع أي مشاهد حصيف إلى أن يتوقع كل ما سيشاهده، وإن كانت الكوميديا تطل طلات خجولة وتختفي، مثلما هي الحال مع مات ديموند وهو يرطن بفرنسية عجيبة تدفع كل من يقف مقابله أن يقول له «تكلم بالانجليزية».

طبعاً سينقذون اللوحات والتماثيل وسيموت اثنان من المجموعة المؤلفة من ستة أخصائيين في الفنون، لتكون حكمة الفيلم المدرسية كامنة بأن طريق أي أمة للهلاك يكمن في فقدانها فنونها ومنجزها الفني. حسناً كلنا نعرف ذلك، والبناء عليها بأدوات كهذه، وتسطيح ربما قد يدفعنا إلى البحث عن شيء آخر غير هذا الفيلم لتعزيز هذا الإيمان بالفن، ومدى جدارته بأن يموت إنسان في سبيل إنقاذ لوحة.

بالانتقال إلى فيلم المخرج الفرنسي جزائري الأصل رشيد بوشارب «رجلان في البلدة» Two Men In Town سيكون هناك ما يستدعي التوقف بما يتيح وضع هذا الفيلم في سياق تجربة بوشارب المهمة، إذ يمكن القول مباشرة إنه فيلم لا علاقة له بالجزائر، فهنا لن تقعوا على الجنود الجزائريين الذين ساهموا في تحرير فرنسا من الاحتلال النازي في «بلديون» 2006، ولن تتعرفوا إلى شيء من «جبهة التحرير الجزائري» لكن في الخارج أي في فرنسا كما في «خارجون عن القانون» 2010، أي اكتشافات بوشارب، ونبشه في التاريخ الكولونيالي، ومضيه خلف ما يسلط عليه الضوء للمرة الأولى، كما أن العودة إلى «نهر لندن» 2009 لن يعطينا طرف خيط نستمسك به في تتبع ما يقدمه بوشارب في جديده.

هذا أيضاً يدفع للقول إن بوشارب يجرّب شيئاً جديداً، وهذا دقيق إلى حد ما، وفيه نصف الصواب، كونه يقدّم فيلماً أميركياً رغم إنتاجه الفرنسي، وهو من بطولة فورست ويتاكر، وليس من بطولة جماعية كما في فيلميه «بلديون» و«خارجون عن القانون»، لا بل إن الفيلم متمركز بشكل رئيس على ويتاكر وشخصية وليم غارنت، بينما تجري أحداث الفيلم على أطراف تكساس الصحراوية، والمهاجرون المكسيكيون غير الشرعيين حاضرون بقوة، ولعل هذا ما يشكّل بيئة الفيلم والخلفية التي يتحرك فيها وليم غارنت.

هذا الرجل الغاضب الخارج للتو من السجن، وقد اعتنق الإسلام سيكون محور الفيلم، فالشخصيات جميعاً في الفيلم، وأقصد الرئيسة منها، تأتي على مستويين، الأول ما تظهر عليه أو الصورة التي جرت صياغتها من قبل الآخرين أو المجتمع أو المحيط، والثاني هو ما يسكنها داخلياً، وبالتالي أفعالها وهي بعيدة عن أنظار الناس، فهناك المجرم السابق غارنت (ويتاكر)، والشرطية اميلي (برندا بلثيم) والشريف (هارفي كيتل)، فويتاكر على صراع مرير مع ما كانه في ما مضى، وهو اعتنق الإسلام وقد وجد فيه خلاصه، وهكذا سنجده طوال الوقت وهو يصارع نفسه ويكبح غضبه بالصلاة أو الاستفغار، وقوى كثيرة تتجاذبه إيجابية وسلبية، الايجابية منها تتمثل بالشرطية ايميلي التي تسعى إلى مساعدته، فهو خرج من السجن قبل ثلاث سنوات من انهاء عقوبته، وهي تؤمن بفلسفة بسيطة تتمثل بـ«الثقة»، ويأتي إلى جانب الشرطية المرأة التي سيحبها ويتزوجها بعد أن يحكي لها عن ماضيه، أما السلبية فتتمثل بالشريف الذي يسعى بكل ما لديه إلى إعادته إلى السجن، كونه دخله بعد أن قام بقتل مساعد الشريف، وليأتي الرجل الثاني الوارد في عنوان الفيلم، أي رجل العصابات الذي يريد استعادة غارنت من جديد، بينما الأخير يرفض بقوة وصلاً إلى التصادم بينهما.

إنها قصة أيضاً مكررة إلى ما لا نهاية، ويبدو أن كون غارنت قد صار مسلماً أمر لا علاقة له في سياقات الفيلم، ولا حتى الادعاء الذي يقوله بوشارب بأنه يتناول حال المسلمين بعد 11 سبتمبر كونه، أي غارنت، لن يتعرض لاي اضطهاد أو سوء معاملة على أساس ديني، وهو بالتأكيد غير متصل بـ«نهر لندن»، وليبدو الأمر فلكورياً في الفيلم، ولا شيء فيه إلا أننا نرى غارنت يتوضأ أكثر مما يصلي، وصولاً إلى لحظة القتل التي لن يقوى بعدها على الوضوء وبالتالي الصلاة، وإن كنتم من هواة التأويل فإن إقدام غارنت على القتل في النهاية، وعدم تمكنه من الوضوء من النهر الذي يقع قرب موقع الجريمة له أن يقول إن القتل هو نقيض مطلق للدين والتدين.


 «71»

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/02/92084.jpg

فيلم المخرج الأسكتلندي يان ديمانج «71» يضعنا في بلفاست الإيرلندية، وقد انقسمت إلى قسمين، بروتستانت وكاثوليك، والصراع الطائفي على أشده. من المصدر

الديني، وللدقة الطائفي أيضاً، سيكون حاضراً في فيلم المخرج الاسكتلندي يان ديمانج «71»، الذي يضعنا حيال بلفاست الايرلندية وقد انقسمت إلى قسمين بروتستانت وكاثوليك، والصراع الطائفي على أشده، ولعل بداية الفيلم أو الربع الأول منه لم تكن لتعدنا بما نشاهده في الأرباع الثلاثة الأخرى، فالفيلم يبدأ بقوة مدهشة تجعلنا لا نلتقط أنفاسنا ونحن نتعرف إلى مجموعة من الجنود الانجليز يتلقون تدريبهم، ومن ثم يرمى بهم في بلفاست المشتعلة بالأحداث الطائفية بدل ألمانيا، وهم لا يميزون شارعاً عن شارع، ومع العملية الأولى التي يقومون بها سنكون أمام صدام الأهالي، صدام تصاعدي مصوغ بحنكة كبيرة، تقودنا لنعيش تنامي المشاعر التصادمية والمشاعر المتبادلة بين الجنود ومن يواجهونهم من مدنيين، وصولاً إلى قيام فتى صغير بسرقة بندقية أحد الجنود، وليقوم جنديان باللحاق به، وهنا سيقتل الأول على يدي أحد عناصر «الجيش الإيرلندي الجمهوري»، الذي يكون في أول تشكله وفي داخله صراع بين الشباب والأكبر عمراً، ومقتل الجندي سيكون على يدي واحد من أولئك الشباب، ومع مقتله سيتشكل محور الفيلم الرئيس المتمثل بسعي الجندي الآخر غاري (جاك أوكونول) للنجاة من القتل، وهو يركض من شارع إلى زقاق والرصاص يلاحقه، وليكون الفيلم برمته متمثلاً بمساعي غاري للهرب والعودة إلى ثكنته، والتصارع عليه بين فصيلي «الجيش الايرلندي» ومجموعة ايرلندية أخرى تكون متعاونة مع الانجليز.

بالعودة إلى الربع الأول فإن الفيلم يكون على قدر كبير من السعي ليضعنا أمام بشاعات العنف. والنزعات الطائفية، وصولاً إلى التفجير الذي يحدث في حانة، ويروح ضحيته الولد الصغير الذي يساعد غاري في الهرب، وبعد ذلك ينحاز الفيلم إلى التشويق والأكشن، ويتحول إلى القتل لا بوصفها فعل مترتباً في سياق تاريخ مرير يجعل من الجميع ضحايا القاتل والمقتول.

تويتر