مشاهدون عبّروا عن إعجابهم بحكاية حنين ترويها امرأة ثمانينية

«تيتا ألف مـرة».. فيـلم وثائقـي يعيد الاعتبار للجدّات

«تيتا ألف مرة» حكاية وثائقية عن عائلة لبنانية. من المصدر

من لديه جدّة مازالت على قيد الحياة سيدعو لها بطول العمر، ومن توفيت جدته سيترحم عليها، فـ«تيتا»، وهو اللفظ العامي المستخدم لوصف الجدة، الذي يستخدمه الأحفاد تقرباً منها. وفي الفيلم الوثائقي للمخرج اللبناني محمود قعبور «تيتا ألف مرة» الذي عرض أخيراً في غاليري ترافيك في دبي، اعادة اعتبار الى الجدات، عبر حكاية يريد أن يرويها على شكل وثائقي حول عائلته الفنية من خلال جدته التي تبلغ من العمر 85 عاماً، التي تروي تفاصيل من ذاكرة زمن.

جدة قعبور بطلة الفيلم، ونرجيلتها المرافقة لها على الدوام، هما الحكاية.. شرفتها التي تطل منها على شارع حمل ما حمل من ذكريات، شاهد أيضا على كلامها. هي الجدة الظريفة، ومحمود هو الحفيد الأول الذي يحمل ملامح جده، زوجها، الذي مازالت ألحانه تصدح في دقات قلبها قبل أن تسمعها عبر آلة التسجيل.

قالو عن الفيلم

«لابد من ملاحظة ان بعض السينمائيين اللبنانيين الطامحين اليوم الى تحقيق ما يمكن اعتباره أفلامهم الأولى، ينحون الى البدء بالتحدث عن العائلة، أو عن أفراد معينين منها، وربما أحياناً عن فرد واحد. وهذا الرصد الجديد من نوعه نسبياً، يبدو متعارضاً مع نوع آخر كان يهيمن في السبعينات والثمانينات من القرن الـ20 على اعمال أولى لسينمائيين محليين أو في الخارج، كان الواحد منهم يفضل ان يجعل فيلمه متحدثاً عنه شخصياً. وأحياناً يصوره وهو ينظر الى العالم من حوله بغضب، انطلاقاً من منظومة الغضب من كل شيء وعلى أي شيء. (تيتا ألف مرة): ألبوم عائلي من الزمن الجميل».

الناقد نديم جرجورة

 

«فخورون بأن فيلمنا الأول من مكتبنا الجديد في (توفور 54) في أبوظبي، يتماشى مع رؤية تأسيس الشركة، حيث يجمع هذا الفيلم بين البراعة الفنية مع القدرة على إنتاجها من قصة واقعية، نظن أنها سيكون لها صدى بين الجمهورين العربي والعالمي».

المنتجة المنفذة للفيلم إيفا ساير

 

«في الأعوام القليلة الفائتة، بات التوجّه أكثر إلحاحاً على مقاربة الحكاية الفردية، لتوثيقها في قالب سينمائي قادر على حمايتها من الاندثار الكلّي. ليس هذا فحسب، بل إن التوجّه إلى الفرديّ تأكيد على أن التجربة الشخصية البحتة تكاد تكون أهمّ وأجمل وأقوى تعبيراً من التعلّق بقضايا عامّة، لأنها تعاطت مع الأفراد أناساً مكوّنين من لحم ودم وأفكار وانفعالات».

فيكي حبيب من جريدة «النهار».

قعبور الحفيد استطاع أن يوجز حكاية عائلته الفنية من خلال تلك الجدة الظريفة التي تقف أمام الكاميرا معتزة، تحاكي الكاميرا وتنسى الميكروفون المعلق في صدرها، وتفشي بما تيسر من الأسرار والعبارات.

يؤخذ على الفيلم غياب عم المخرج، وهو الفنان أحمد قعبور، شاهداً على هذه الحياة، مع أنه الاسم اللامع في العائلة كون أغانيه حملت طابعاً وطنياً انتشرت بين أرجاء عربية عديدة، وأشهر أغانيه «أناديكم أشد على اياديكم» من كلمات الشاعر الفلسطيني توفيق زياد.

الفيلم الذي سكن قلوب من شاهده عاطفياً لارتباطهم بالجدات، حاز اعجابهم وثناءهم، واصفين إياه بأنه من الأفلام الوثائقية التي تشاهد بمتعة.

بيروت القديمة

في منزل قديم في حي من أحياء بيروت القديمة، تعيش الجدة فاطمة وحيدة مع خادمة تعاونها، فهي التي تجاوزت من العمر 85 عاماً، لكن هذه السنين لم تؤثر في عقلها المشبع بهواء بيروت النقي الذي تستنشقه من على شرفتها المطلة على الحي. تمشي وتقصد المطبخ وتحضر قهوتها ونرجيلتها التي لا تتركها وكأنها حاسة من حواسها، ومازالت ايضا تعد الطعام، وهي فوق كل ذلك الحنونة والعاقلة والظريفة.

تفاصيل دقيقة لها علاقة برصد حياة يومية بروتينها الذي تحاول الجدة الحفاظ عليه، والذي قد تخربه زيارات مفاجئة من الأبناء أو الأحفاد.

يرى مدير معرض غاليري ترافيك، رامي فاروق، الذي يحرص على عرض أفلام لها صلة بالواقع العام، وحصدت الجوائز، مثل فيلم «ثقافات المقاومة» للمخرجة البرازيلية الكورية ايارا لي، ان «المخرج يريد الحفاظ على كل هذا الحنين من خلال شاهد عيان على تاريخ عائلته، ويريد أن يوثق الحكاية كي تظل». وأضاف «الفيلم الذي حاز جوائز كثيرة يعرض لنا شكلاً جديداً من الأفلام الوثائقية التي من الممكن عرضها سينمائياً وتستقطب جمهوراً»، مؤكداً «حكاياتنا كلها موجودة في ذاكرة أجدادنا، وما أجمل أن نعطيهم الفرصة، ونعطي أنفسنا ايضا فرصة الإنصات لهم وسماع حكاياتهم». في المقابل قالت ايانا مانديريان ان «الفيلم مدهش ومؤلم في الوقت نفسه»، مضيفة «يشعر الشخص بأن لديه فرصة أخيرة ليسمع حكاية، ويزيد من خوفه أنه يريد تسجيل هذه الفرصة عبر كاميرا، هو شعور له علاقة بالفهم الكامل لاقتراب وداع عزيز، فما بالكم اذا كان هذا العزيز هو الجدة!». وقالت «الفيلم حميمي لدرجة أنه جعلني أتصل بجدتي فور انتهائه والسؤال عنها، وقلت لها كم أشتاق اليها»، مؤكدة «هو فيلم لغد ابناء المخرج وغيرهم من الأجيال».

عازف كمان

باتت الجدة متيقنة تماماً ما حولها، فهي تتعامل مع كل ما له علاقة بحفيدها وبكرم الضيافة، حتى أنها تخاطب الكاميرا وتلف وجهها عليها بشكل فطري. ومع كل هذا الضجيج غير المعتادة عليه، تحاول أن تسترخي فتعود الى ذكرى الحبيب والزوج (محمود الأكبر) عازف الكمان وألحانه التي لم تخلُ لياليها منها. الجد الذي رحل منذ 20 عاماً ترك لها كمانه وألحانه، لا تستسلم الجدة للحزن، فتظل محتفظة بوقارها وبخفة ظلها ايضاً وطبيعتها التي لمسها المشاهد بسرعة.

كانت لقطة جميلة حسب سهير يونس «حين توجهت الجدة الى الكاميرا، وهي تخاطب على ما يبدو المصور وتعبر له عن عدم رضاها عن خطيبة حفيدها، وكأنها لا تعي أن الجميع سيسمع هذا الرأي». واضافت «الفيلم مدهش بكل تفاصيله». وفي المقابل قال ايهاب محمد «هذا فيلم يحكي أحلى علاقة حب تشهد عليها الجدران والشارع والزرع والألحان». واضاف «عندما يباغتها محمود الحفيد ويسألها عن جده تعود هذه الثمانينية وكأنها مراهقة تنظر نظرة وابتسامة من على شرفتها، تعود طفلة وتعود عاشقة»، «وعلى ألحان موسيقى الجد تدمع عيناها، وتسترسل في الحديث عنه وتقول ان محمود الحفيد كم يشبه زوجها وأن حمله اسمه زاد من مكانته عندها». لن ينسى طارق ديوب هذا المشهد، اذ قال «الحفيد يشبهني والجدة تشبه جدتي تماماً، الفيلم رائع بكل المقاييس».

استعادة

قعبور الحفيد يستعيد الزمن الماضي، اذ يرتدي طربوش جده، ويمسك بيد جدته ويمشيان في الحارة. وهيتستمر بالقول إنه يشبه زوجها الغائب الحاضر في وجدانها. مشهد جميل ومفرح ينتهي عندما اعترف الحفيد لجدته بأنه كان يخاف على فقدانها وهو في اقامته في كندا التي طالت سبع سنين، واعترف لها كم سيكون حزيناً على فراقها. تلمس الجدة وجه حفيدها المدلل وتقبل في هذه اللحظة فقط أن تؤدي دوراً تمثيلياً، فالعائلة مجتمعة حولها على سرير الموت. حزن يخيم على المكان وكأنه حقيقة، لتفاجئ الجدة الحضور وتقول «هيك منيح» كناية عن الاعتراف بتأدية دورها على أكمل وجه.

قال حمزة علي «ما أجمل هذا الحفيد المحب الذي أراد أن يشكر جديه على طريقته». واضاف «أشعر بزخم الفرح الذي ادخله الى قلبها المليء بالحكايات والتفاصيل والأوجاع، كم هي فرحة به».

في المقابل، قالت هبة داوود «الفيلم مليء بالتفاصيل التي تشبه بيوتنا القديمة، تشبه وجوه جداتنا وتشبه حكاياتهن، الفيلم مؤثر، وشكراً للمخرج على هذه الإضاءة الإنسانية الجميلة».


 حول الفيلم

تم تصوير الفيلم في بيروت، وكان يسافر المخرج من الإمارات الى بيروت، وتم التصوير خلال سبع مراحل.

حصد الفيلم ست جوائز عالمية، أهمها جائزة أفضل فيلم في مهرجان لندن للأفلام الوثائقية، وأفضل فيلم في مهرجان مومباي العالمي للسينما، وجائزة الجمهور الأولى في مهرجان الدوحة ترايبكا، والجائزة الثانية من مهرجان دوكس بوكس (مهرجان الأفلام الوثائقية بدمشق)، وحصل على تنويه خاص من لجنة التحكيم (الدوحة ترايبكا) ومهرجان الأفلام الوثائقية في مكسيكو سيتي. مدته 48 دقيقة وهو إنتاج مشترك إماراتي وقطري ولبناني، وتم إخراجه بتمويل من مؤسسة الدوحة للأفلام ومؤسسة الشاشة في بيروت. يعد أول فيلم تخرجه شركة «فيريتا فيلم» التي يديرها قعبور.

مخرج الفيلم

محمود قعبور

مخرج لبناني ومؤسس شركة فيريتاس فيلمز، وهي شركة إماراتية تختص بإنتاج الأفلام الوثائقية.

درس قعبور السينما في كندا ثم أخرج فيلمه التسجيلي الأول «أن تكون أسامة» الذي يتحدث عن الشتات العربي بعد تفجيرات 11 سبتمبر. حاز أربع جوائز عالمية، وعرضت الفيلم 12 قناة تلفزيونية.

منذ انتقاله إلى الإمارات عام 2005 عمل في إخراج وإنتاج مجموعة أفلام وأعمال ثقافية لشركات دول مجلس التعاون الخليجي والمؤسسات الحكومية الرئيسة، وحَاضَر في عدد من المعاهد والمنظمات.

كليك

عرض الفيلم في 40 مدينة حول العالم، وفي مهرجانات سينمائية عالمية، ويصدر على أقراص «دي في دي»، ويوزع في الوطن العربي من دبي، مكان إقامة المخرج، وصولاً إلى كل أنحاء العالم قبل نهاية شهر يناير الجاري.

بطاقة الفيلم

بالألوان: 47 دقيقة.

الإخراج: محمود قعبور.

السيناريو: محمود قعبور.

التصوير: موريال أبولروس.

الصوت: كارين باشا.

الموسيقى: نبيل عمرشي.

التركيب: باتريسيا هنين.

أين أحمد قعبور؟

استغرب مشاهدون غياب الفنان أحمد قعبور بوصفه شاهداً وفناناً، وهو عم المخرج، عن أحداث الفيلم، تفاصيل اغفل عنها الحفيد حسب تعبيرهم. وقال مخرج الفيلم محمود قعبور لـ«الإمارات اليوم» حول ذلك «من الممكن أن يكون الاستغراب لأنني لم أُظهر عمي فناناً، واكتفيت بمشهده في المطبخ مع جدتي، وهما يحكيان عن جدي»، مؤكداً «أحمد قعبور الإنسان هو كما ظهر في الفيلم، لأن قيمته الفنية الكبيرة الضخمة التي يحبه الجمهور من خلالها، تقف بسيطة وهو بين يدي والدته، إذ يعود طفلاً».

تويتر