نال إعجاب مشاهديه في دبي.. ومخرجته تؤكد « لا جنسية للظلم »

« ثقافات المقاومة ».. رحلة وثائــقية من أجل العدالة

جمهور يشاهد الفيلم في دبي. تصوير: باتريك كاستيلو

المخرجة البرازيلية من أصل كوري، إيارا لي، في فيلمها الوثائقي «ثقافات المقاومة» الذي عرض، الأربعاء الماضي، في غاليري ترافيك بدبي، للمرة الأولى، تؤكد ان السلام قرين العدالة، ولا سلام من دون تحقيق العدالة لشعوب العالم المقهورة. وقد تنقل الفيلم عبر مشاهده في مناطق عدة في العالم، مبيناً مسارات حركة الاحتجاج المرافقة لمسارات الظلم والاحتلال والفساد والقهر. وشملت تسجيلات المخرجة مختلف انحاء العالم من اميركا اللاتينية الى آسيا وافريقيا إلى الوطن العربي، ومناطق اخرى في الشرق الأوسط، اذ تناولت مشاهد من نضال الشعوب حول العالم، لنيل حريتها مروراً بالمناضلين للحفاظ على البيئة، وصولاً إلى نضال الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، اضافة الى حركة التحرر في ايران، تحت رسالة اقرب الى شعار توجهه الى العالم وهو «الانتصار للنضال من أجل السلام»، وان نتيجة النضالات تتمثل في تحقيق العدالة ثم السلام لشعوب الأرض.

قالوا عن الفيلم

«الفرق بين وظيفة الفيلم من حيث تسليط الضوء على حركة السلام والدور الثقافي، هو انه ذهب الى جولة بانورامية حول العالم ليظهر مدى المعاناة التي تعيشها شعوب من حول العالم، ففلسطين، وهي العنوان الابرز كونها تعرضت لاحتلال وتهجير وسلب هوية وأرض، انتهت بسؤال الطفل (هل سنظل لاجئين؟). وهذا يؤكد أن الفيلم اراد اظهار أن كل شعب يبتدع طريقته في المقاومة، وقد حاول الفيلم جاهدا اقصاء المقاومة المسلحة». الناقد السينمائي الفلسطيني بشار ابراهيم

 

«في زمن الثورات يجب التمسك بالمقاومة روحاً، فللمقاومة أشكال كثيرة، ويكفي أن تقاوم ظروفك الصعبة، لتوصف بالمقاوم». مدير مهرجان «قاوم» السينمائي، الناقد يوسف الشايب

 

«المقاومة ليست بالضرورة أن تكون ضد شيء، بل يمكن أن تكون نهج حياة». رئيس الجمعية الفلسطينية للفنون السينمائية المخرج يوسف الديك

فيلم «ثقافات المقاومة» الذي كان فيلم الافتتاح في مهرجان «قاوم» السينمائي الفلسطيني، في مدينة رام الله، أكتوبر الماضي، يؤكد أن الظلم ليس إثنياً أو عرقياً بل هو عالمي، في رسالة مفادها «لست وحدك المظلوم في هذه الأرض».

الفيلم الذي ينتهي بعبارة غاندي «كن أنت التغيير الذي ترغب في أن تراه في العالم»، حضره حشد من الجمهور والنقاد السينمائيين والصحافيين في دبي، نال اعجاب الحضور المتعدد الجنسيات، وقال معظمهم ان الفيلم وسع من آفاقهم تجاه قضايا انسانية وسياسية واقتصادية، خصوصاً ان الفيلم رصد جوانب للظلم في مناطق عدة في قارات العالم. وكانت المخرجة والناشطة إيار لي التي شاركت في اسطول الحرية لكسر الحصار الإسرائيلي على غزة، قالت ان الفيلم يؤكد عبر رسالته على النضال السلمي وحركة الشعوب وقوتها في التغيير، وتحقيق العدالة، والتخلص من الاحتلال والقهر، اذ اعتمدت المخرجة في كثير من مشاهد الفيلم على ما يقوله الناس العاديون الذين عبروا عن حلمهم بحياة كريمة وحرية وديمقراطية وعدالة.

ويشير عنوان الفيلم الى تعدد ثقافات المقاومة، ومن بينها المقاومة الثقافية التي تؤكد أن الإبداع احد اشكالها، وان السينما والفن التشكيلي والشعر والرواية والقصة القصيرة والمسرح والغناء والرقص التعبيري، يمكن أن تكون ذخيرة اساسية في المعركة من أجل تحقيق العدالة، وهزيمة الظلم والظالمين.

وقال الناقد السينمائي الفلسطيني بشار ابراهيم لـ«الإمارات اليوم» بعد مشاهدته الفيلم، ان «الفيلم يؤكد تعددية اشكال المقاومة للاحتلال والظلم والقهر والتهجير القسري، الا انه استبعد المقاومة المسلحة، الا من إشارة على لسان احدى شخصيات الفيلم»، واضاف ان سؤال الطفل الفلسطيني «هل سنبقى لاجئين؟» جوهري ويلخص معاناة الشعب الفلسطيني من الاحتلال الاسرائيلي الذي لايزال يواصل القتل والتهجير القسري والمطاردة وهدم البيوت وقطع اشجار الزيتون والحمضيات وتدمير مقومات الحياة للشعب الفلسطيني.

قيثارة بندقية

من إيران حيث أصبحت الكتابة على الجدران وموسيقى الراب أدوات لمحاربة القمع الحكومي للحريات، الى بورما حيث ثورة الرهبان الذين يعملون وفق رؤية غاندي في التغيير، والانتقال الى البرازيل حيث الموسيقيون وتحويل البنادق إلى قيثارات، الى سورية ليتحدث فنانون عن حلمهم بالحرية والديمقراطية والحياة الكريمة. وتنتهي في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حيث التصوير والموسيقى والسينما، ثم الى فلسطين وجدار الفصل العنصري الاسرائيلي الذي يقطع المدن والقرى ويقتطع الأراضي الزراعية ويمزق البنية السكانية والاجتماعية والاقتصادية، ويفرق بين افراد العائلة الواحدة. لكن هذا الجدار العنصري اصبح للفلسطينيين والناشطين لوحاً كبيراً للرسم الغرافيتي والكتابة تنديداً بالظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، واصبح للجدار حكايات تروى وشهادات تدين القهر، وتؤكد ان الزوال مصير كل احتلال، وان الحياة اقوى من الظالمين.

قال مدير غاليري «ترافيك»، رامي فاروق «عندما سمعت عن الفيلم قررت ان آتي به ليعرض للمرة الأولى في دبي، رغبة مني في أن يشاهده اكبر عدد ممكن من الجمهور المتعدد الجنسيات». واكد نجاح العرض، خصوصاً ان القاعة اكتظت بجمهور متنوع. واضاف ان «الحضور كان متنوعاً والرسالة وصلت، فالفن هو السلاح النقي الذي يجمع قلوب الناس، وهذا ما اراده الفيلم في دعوته للعدالة بوصفها مقدمة للسلام»، مؤكدا «أنا شاهدت الفيلم مع الحضور، لأنني أردت أن أشعر بما يشعرون، فهناك اكثير من القضايا الإنسانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالم، مع القضية المحورية، فلسطين، التي تعاني الاحتلال الغاشم».

اما اياد علي فقال بعد مشاهدته الفيلم ان «قضية المقاومة ليست مطلقة بل نسبية، وهي تخص كل الشعوب المقهورة»، مشيرا الى انه كان يفضل التركيز على قضية شعب واحد، من دون تفريعات متعددة، بما يشبه جولة حول العالم، اذ ان «الفيلم تناول قضايا لشعوب متعددة في سياق فيلم وثائقي واحد، سلط الضوء على لمحة او صورةمن كل قضية، لذلك جاء اقرب الى اجتزاء وثائقي لفيلم وثائقي»، مستدركاً «لكن الفيلم كان شاملاً عبر تسليط الضوء على القضايا العالمية».

المخرجة إيارا في فيلمها «ثقافات المقاومة» ارادت ان تعري الظلم عبر فصول او مسارات متعددة في الفيلم، مبينة ان الظلم واحد، وإن تعددت مناطقه او ضحاياه، اذ تعاني شعوب عدة غياب العدالة وطغيان «الظلم العالمي» الذي لا يقع على شعب او فئة او شريحة محددة. وتؤكد إيارا عبر مقولة الفيلم «لا جنسية للظلم، ولا جغرافيا محددة للقهر»، إذ إنها ترى «الألم الإنساني يوحد الشعوب، ويجعلها عائلة واحدة». كما ان الحلم بالحرية والعدالة والحياة الكريمة يجمع الشعوب في بيت واحد هو الأرض.

وقالت آنّا عبد «لم اتخيل أن اشاهد كل هذه الكمية من الظلم الذي تعيشه مدن في العالم بهذه الصورة»، مشيرة الى ان القضية التي تربت عليها هي «القضية الفلسطينية وهي الأساس والرمز في كل معاناة الظلم والحرمان، ولأن الصمت عليها عالمياً، فالصمت سيكون على القضايا الأخرى أكبر بكثير».

وأضافت بعد مشاهدة الفيلم «لم اتخيل أن أرى طقس الكتابة الفنية على الجدران في ايران، الذين يسمون انفسهم بـ(فئران طهران) وهم مجموعة من الفنانين ينتظرون الليل لطلاء الجدران في المدينة بعبارات ورسومات تعبر عن آرائهم التي لا يستطيعون البوح بها نهاراً».

ومن القصص التي رصدها الفيلم لشعراء من أجل السلام، وهم مجموعة يعيشون في ميدلين في كولومبيا، وهي مدينة شهيرة بالعنف وتجارة المخدرات، وقصة هذه المجموعة تعود الى عام 1991 عندما كانت شوارع ميدلين في أسوأ حالاتها، قرروا ان ينتجوا مهرجاناً باعتباره شكلاً من أشكال المقاومة ضد الظلم والإرهاب على أيدي عصابات المخدرات والشرطة المساندة لهم. وعلى مدى سنوات استقطب المهرجان أكثر من 1000 شاعر من 140 بلداً إلى كولومبيا. وفي عام 2006 حصل على جائزة المعيشة الحق، والمعروف على نطاق واسع باسم «جائزة نوبل للسلام البديلة».

فيلم للإنسانية

كليك

قالت المخرجة إيارا لي في حوار نشرته «الإمارات اليوم» ان فيلمها يحكي عن تعددية أشكال المقاومة، «نحتاج إلى شعراء من أجل السلام، وفنانين من أجل العدالة، وموسيقيين من أجل المساواة، ويجب استخدام الإبداع لدعم الحركات السلمية من أجل التضامن، والتحرك من أجل التغيير»، مؤكدة ان «المعاناة توحدنا، وتجعلنا نشعر بأننا شعب واحد في عالم واحد».

وأشارت إلى انها أنهت الفيلم بعبارة غاندي «كن أنت التغيير الذي ترغب في أن تراه في العالم»، لتبين أن الناس العاديين أساس في حركة التغيير، مضيفة ان «الربيع العربي للثورات، وما يحدث من احتجاجات في العالم على الظلم والقهر وغياب العدالة، مؤشران إلى أن الناس بدأوا يعون قدرتها على الإسهام في التغيير الفعلي».

إيارا لي، التي منعتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي من دخول فلسطين للمشاركة في افتتاح المهرجان السينمائي في رام الله، لمشاركتها على متن «اسطول الحرية» لفك الحصار على غزة، وتصويرها فيلماً عن المجزرة الإسرائيلية التي راح ضحيتها متضامنون عدة، تنقل المشاهد في رحلة لرصد أسباب الحرب والصراع. وتؤكد على دور الفن كونه سلاحاً، في خيط سردي يوفر لـ«ثقافات المقاومة» البوح وسرد حكايات شخصية، في محاولة للكشف عن التصدعات الكامنة وراء الصراعات الحديثة، والعمل على ترميمها من خلال مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات المختلفة والفاعلة من أجل تحقيق تغيير إيجابي ودائم.

ويصور الفيلم قصص التغيير وتجارب اناس عاديين ونشطاء دوليين، سواء كان ذلك من خلال العمل على نزع السلاح، ومنع انتشار اسلحة الدمار الشامل، ومنها السلاح النووي، من خلال المحاكم الدولية أو الجهود الدبلوماسية، والأهم عبر الثقافة والفنون، بهدف تحقيق العدالة والحرية والسلام.

سلوى قدومي، التي تأثرت كثيراً بالفيلم، قالت «بما انني انتمي الى فلسطين التي تعاني قديماً الاحتلال والظلم والقهر والحرمان، فمن الطبيعي ان أنحاز الى جميع الشعوب التي تطالب بالتحرر من الظلم»، واضافت «صدمت من المشاهد والقصص التي كشفها الفيلم الوثائقي للمخرجة إيارا، وعرفت اننا لسنا الوحيدين في هذا العالم الذي يمارس علينا الظلم».

في المقابل، قال حسن الذي لم يرغب في ذكر اسمه كاملاً «اعجبت بالفيلم كثيرا، ففيه الأمل في غد افضل من خلال موسيقى توحد قلوب البشر وتنمي السلام في داخلهم».

وشاركهم المشاعر منذر أحمد الذي أكد انه مع نظرية الفن من أجل التغيير، اذ ان «الفن غذاء الروح وموحد البشر»، مستذكراً ان في الحرب العالمية الثانية صادف عيد الميلاد، فاتفقت الكتائب المتنازعة على هدنة ليوم واحد، واكتشف الجنود المتحاربون في ذلك اليوم انهم يحبون نوع الموسيقى نفسها، حتى عندما انتهت المهلة ترددوا كثيرا في قتل بعضهم البعض».

ترحال

هل يمكن أن تكون الموسيقى والرقص سلاحين لتحقيق العدالة وتعزيز الوعي بقضايا الانسان؟ يجيب فيلم «ثقافات المقاومة» عن هذا السؤال، فبعد قرار الولايات المتحدة الأميركية احتلال العراق عام ،2003 بعد غزوه عسكرياً، بدأت إيارا لي ترصد عبر الكاميرا حكايات مؤلمة عبر ترحالها في القارات الخمس، اذ قابلت في أسفارها أناساً يريدون الحرية ويسعون لأجلها، منهم شعراء من أجل السلام، وكابويرا من البرازيل، ومتشددون في دلتا النيجر وفنانون ايرانيون يعبرون عن آرائهم واحلامهم بشعارات ورسوم على الجدران، وقادة للحركة النسائية في رواندا، ومخرجون لاجئون في لبنان، وفنانون في سورية يؤكدون دور الفن والأدب في التغيير، ومخادعو سياسة في الولايات المتحدة، وناشطون من السكان الأصليين في منطقة نهر شنجو، واسرائيليون ضد الاحتلال يناصرون القضية الفلسطينية، وفرق الـ«هيب هوب» من فلسطين، وغيرهم كثيرون ممن يروون حكاياتهم في مقاومة الظلم.

فيلم المخرجة إيارا لي «ثقافات المقاومة» الذي حاز جوائز عدة، يعتبر صرخة وثائقية في وجه الظلم في كل بقاع الأرض، وهو دعوة الى تعزيز اشكال متعددة من اجل تحقيق العدالة لشعوب عطشى اليها.


حول الفيلم

عرض غاليري «ترافيك» في دبي، فيلم المخرجة البرازيلية الكورية إيارا لي «ثقافات المقاومة» في 30 نوفمبر الماضي. وحسب مخرجته يأتي الفيلم «تكريما لجميع الشجعان في أنحاء العالم الذين كرسوا حياتهم، او فقدوها، من اجل تحقيق عالم من العدل والسلم والإنسانية».

افتتح الفيلم فعاليات مهرجان «قاوم» السينمائي، الذي نظمته الجمعية الفلسطينية للفنون السينمائية، في اكتوبر الماضي، في مدينة رام الله.

لم تتمكن المخرجة من حضور عرض فيلمها في فلسطين، اذ منعتها سلطات الاحتلال الاسرائيلي من دخولها، بسبب وقوفها مع الشعب الفلسطيني ومناصرتها لحقوقه، ومشاركتها في «أسطول الحرية» من اجل كسر الحصار الاسرائيلي على غزة.

وجّهت المخرجة رسالة الى جمهورها الفلسطيني، ذكرت فيها «كلما سئلت من أين أنتِ؟ كنت أجيب دائماً أنني ولدت في البرازيل، لأبوين كوريين، لكن بقلب فلسطيني».


إيارا لي

إيارا لي مخرجة سينمائية وناشطة برازيلية من اصل كوري، تعمل على مجموعة متنوعة من المبادرات، وتجميعها تحت مظلة المقاومة الثقافية، وهي شبكة تجمع الفنانين والمنادين بالتغيير من مختلف أنحاء العالم.

بصفتها ناشطة، تعاونت مع حملات عدة من اجل العدالة والحياة، من بينها الحملة الدولية لحظر الذخائر العنقودية، ونيويورك الفيلهارمونية الرائدة في الموسيقى مقابل الدبلوماسية، اضافة الى مشروعات خلاقة لدعم المقاومة في فلسطين وايران ولبنان.

في مايو ،2010 شاركت إيارا على متن سفينة «مرمرة» في أسطول الحرية لكسر حصار غزة، وقد جرى هجوم على السفينة في المياه الدولية من قبل البحرية الإسرائيلية، واستطاعت إيارا ان تخفي أشرطة التصوير التي كانت شاهدة على المجزرة الاسرائيلية على متن السفينة.

تكرس ايارا جهودها لدعم المدنيين في غزة الذين كانوا ضحايا لجرائم الحرب التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال محرقة «الرصاص المصبوب».

وتعد ايارا عضواً رئيساً في مجلس المستشارين في الجمعية الجغرافية الوطنية ومجموعة الأزمات الدولية، ومنظمة السلام الأخضر الدولية.

تويتر