الرواية الموازية للتاريخي والتوثيقي

«18 يوم».. 10 أفلام عن الثورة المصرية

الفيلم يسرد قصصاً متعددة منفصلة ومتصلة تحت العنوان الذي يجمعها جميعاً. الإمارات اليوم

ضع عنوانا واحداً لعشرة أفلام قصيرة وستكون حيال فيلم طويل، وله أن يكون كذلك عند الحديث عن منعطف تاريخي، أو مدينة تجمع تلك الأفلام، الأمر الذي حدث مراراً في السينما العالمية، كما هي الحال مع أحداث 11 من سبتمبر، ومع مرور 100 سنة على السينما، حيث كان على مخرجين حول العالم أن يكون على شراكة مع الأخوين لومير، أو حتى في ظاهرة الأفلام عن المدن مثل «باريس أحبك»، أو «نيويورك أحبك» وغيرها من أفلام مقبلة، وصولاً إلى الفيلم المصري «18 يوم» الذي يجتمع فيه 10 مخرجين ليقدم كل منهم حكايته عن الثورة المصرية، وليكون هنا التوثيق روائياً، وبالتالي فإن على ما نشاهده أن يكون متمركزاً حول الرواية الموازية للرواية التاريخية والوثائقية، أي أن نكون مع المصريين في حيواتهم أثناء الثورة، حيوات منغمسة أو غير منغمسة بالأحداث، وهذا ما يفعله الفيلم في سرد قصص متعددة منفصلة ومتصلة تحت العنوان الذي يجمعها جميعاً.

قام بإخراج الفيلم كل من شريف عرفة، وكاملة أبوذكري، ومروان حامد، ومحمد علي، وشريف البنداري، وخالد مرعي، وأحمد عبدالله، ويسري نصرالله، ومريم أبوعوف، وأحمد علاء، وقد جاءت عناوين الأفلام ال10 التي اجتمعت تحت عنوان «18 يوم» دون إيراد اسم كل مخرج على فيلمه، كما شاهدناه أول من أمس في مسرح أبوظبي ضمن برنامج «السينما العالمية»، وعليه فإن التعامل معها سيكون على شيء من مقاربتها كبناء واحد تناوب على إخراجه المخرجين ال،10 الأمر الذي لن يكون دقيقاً أبداً، طالما أن الأفلام تفاوتت في مستواه الفني، ويمكن لنا الحديث عن صعود وهبوط ونحن نتعقب تلك الأفلام التي امتدت أكثر من 125 دقيقة.

أول تلك الأفلام سيكون «احتباس» حيث مشفى المجانين مصمم خصيصاً ليجمع شخصيات ذلك الفيلم لتكون نماذج لكل أطياف المجتمع المصري، الشاب المتحمس والمتدين ورجل الأعمال وضابط أمن الدولة وآخرين، ولكل حكايته التي أودعته بين جدران المستشفى، إلى أن يبدأوا بمتابعة أحداث الثورة، بحيث ينقل ما يحدث خارج جدران المستشفى إلى داخلها، وليكون كل شيء مباشراً ومركباً بافتعال ومستشفى المجانين أول ما يتبادر إلى الذهن بوصفه المجاز المستخدم في تنويعات كثيرة في هذا السياق، كما لو أننا في«فيلم أميركي طويل» مسرحية زياد الرحباني الشهيرة.

ثاني الأفلام سيحمل عنوان «خلقة ربنا» ونحن حيال فتاة تشعر بالذنب لأنها قامت بصبغ شعرها، وقد سمعت من شيخ يقول: إن الله لا يحب من يغير ما خلق عليه، لكنها وهي التي تصنع الشاي والقهوة في الشارع سرعان ما سيعجبها ذاك الشاب الذي يدفع الناس إلى التظاهر وتمضي كالمسرنمة خلفه وتردد كل ما يردده من شعارات، إلى أن تصل نهايتها المأساوية مع قمع التظاهرات، بينما نسمع ما تردده قبل أن تلقى مصيرها من تمازج بين مشاعر امرأة بسيطة تخاف ربها.

ثالث الأفلام جاء بعنوان «1919» وهو رقم معتقل سياسي قدمه عمرو واكد وهو يخضع للتعذيب على يد رجال أمن الدولة، بينما يقدم لنا «إذا جالك الطوفان» شريحة من لا تمثل لهم ما شهدته مصر إبان الثورة إلا مصدراً لكسب لقمة العيش، تارة ببيع أعلام مصر للمتظاهرين وتارة أخرى بيبع صور حسني مبارك لتظاهرات التأييد، وحين يفشل الصديقان في تحقيق أي مكسب مالي من ذلك، فإن الأعلام التي صارت تحمل صور مبارك تضاف عليها شعارات تقول «لا لمبارك» لإعادة بيعها من جديد.

خامس الأفلام يصور أحداثه في السويس وهو عن جد وحفيده، ومسعى الأخير لأن يتصور إلى جانب دبابة من دبابات الجيش المصري، ولعله يفتعل قصة ليذهب به جده إلى المستشفى حيث سيعلقان في «حظر التجول» عنوان الفيلم، وليتبع بـ«كعك العيد» حيث البنية التي تأسس عليها الفيلم لها أن تقول الكثير وتمضي بالمشاهد برفقة أحمد حلمي وهو يضعنا أمام خياط يبقى حبيس محله وهو لا يعرف ما الحاصل حوله، وليخضع الأمر لتأويلاته التي تدفعه للشعور على سبيل المثال بأن هناك حرباً قد قامت بين مصر وإسرائيل، وليأتي منولوج هذه الشخصية من خلال تسجيل ما يعيشه على أشرطة كاسيت ليعرف والده ما الذي حل به، وليكون هذا الفيلم محملاً بأحوال ذاك المواطن البسيط الذي نعيش معه في الوقت نفسه تغيراته الدرامية وفق ما يصله من الخارج وقد أوصد عليه الباب الحديدي، وليكون الكعك الذي يعثر عليه هو الغذاء الوحيد الذي يعيش عليه، لا بل إن خروجه من المحل سيكون أيضاً مفتوحاً على كل الاحتمالات، فهو سيخرج بلباس ضابط الشرطة الذي تركه عنده ليقوم برتقه.

بالانتقال إلى فيلم «تحرير 2-2» سيكون الحاضر بقوة هنا وفي سياق محكم مثل «كعك العيد» إضاءة من هم هؤلاء البلطجية الذين قاموا بضرب وقتل المتظاهرين في ميدان التحرير، وهنا سيكون الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام الإنساني، فهم أيضاً لهم قصتهم التي على أحد أن يرويها، إن البلطجي أيضاً هو ذلك الفقير الذي سيؤدي تلك المهمة القذرة ليس لأنه قذر، بل لأنه أيضاً ضحية نظام استبدادي عمل على مدى عشرات السنين لأن يكون على ما كان عليه، وجاهزاً لتصديق رواية النظام بأن هؤلاء المتظاهرين ليسوا إلا عملاء للصهيونية والامبريالية، ومع كل ذلك يحضر فقره، كون المبلغ الذي سيتلقاه لقاء قمعه المتظاهرين سيكون بمثابة شيء استثنائي في حياته لم يحدث أثناء الانتخابات ومساندته الحزب الوطني، وبالتالي فإن زوجته (هند صبري) ستفرح بما تلقاه من مال، لكنها لن تكون كذلك حين تتلقاه مضمخاً بدماء المتظاهرين، الأمر الذي يكون مغيباً عنها في البداية.

ومن البلطجية يمكن الانتقال إلى من لم يكونوا مبالين بكل ما يجري حولهم، كما سيقدم لنا ذلك فيلم «شباك» حيث نكون أمام شاب (أحمد الفيشاوي) لا ينخرط بالتظاهرات ويبقى حبيس الانترنت والـ«فيس بوك»، ولا شيء يفعله حيال جارته التي تكون منغمسة تماماً في التظاهرات سوى رعاية نبتة الصبار على طرف شباكها. أما الفيلم الذي يليه فسيكون بعنوان «داخلي ـ خارجي» الذي سيمضي خلف من تقرر زوجته الخروج في التظاهرات، فيتبعها بعد أن يكون رافضاً لذلك، وصولاً إلى آخر الأفلام أي فيلم «أشرف سبرتو» الذي يحول محل الحلاقة الذي يملكه إلى ما يشبه المستشفى الميداني لتقطيب جروح المصابين في ميدان التحرير.

10 أفلام دفعة واحدة، يستوقفني ذلك الفيلم وأمر على آخر سريعاً، وللأمانة كنت قبل مشاهدة الفيلم لا أحمل توقعات كبيرة، لكن ذلك لم يكن كذلك مع نصف الأفلام أو أكثر التي اجتمعت تحت عنوان «18 يوم»، التي لها أن تكون على شيء من الذكاء في الطرح، واستكمال المتواري عن متابعي أحداث الثورة المصرية، خصوصاً تلك التي مضت خلف الإنساني في أعتى تجلياته بعيداً عن مطب المباشرة، وحملت في الوقت نفسه دراما من لحم ودم مثلما الحال مع «إذا جالك الطوفان»، و«كعك الثورة»، و«تحرير 2 - 2»، و«أشرف سبرتو».

تويتر