Emarat Alyoum

من أفلام مسابقة «المهر العربي»النوايا السينمائية.. ولا أحد يعرف عن القطط المصرية

التاريخ:: 17 ديسمبر 2010
المصدر: زياد عبدالله
من أفلام مسابقة «المهر العربي»النوايا السينمائية.. ولا أحد يعرف عن القطط المصرية

من هو ذاك الذي يصور عملية قطع رأس ابنه؟ ويصور كل عمليات التعذيب والقتل التي قام بها نظام وحشي؟ كيف سترى امرأة بلدها بعد غيابها عنه لأكثر من 14 سنة؟ كيف لماجد أن يعثر على صورة والديه، هو الذي ما عاد يعرف هيئتهما بعد أن فارقاه وهو لم يتجاوز السنة الثانية من عمره؟

أسئلة يمكن أن تمتد لتصل الاسكندرية، والبحث عن موسيقى العوالم السفلية لهذه المدينة وتوثيقها، وبالتالي معاينة جيل يعيش على الهامش، بوصف الهامش هو المكان الذي يتسع دائماً لكل ما هو جديد ومتطلع ومغاير.

الخروج من بغداد يروي قصة هروب صدام .  


«ميكروفون» ينبش في الهامش الإسكندراني

الرغبة ليست كبيرة في الإجابة عن كل تلك الأسئلة التي بدأنا بها، إنما البعض منها، التي هي في النهاية ستكون مطروحة من خلال خمسة أفلام مشاركة في مسابقة المهر العربي في الدورة السابعة من مهرجان دبي، ولابد أن العرض لكل هذه الأفلام دفعة واحدة سيكون عدداً كبيراً إلى حد ما، لكنكم سرعان ما ستجدون ما يقف خلف ذلك.

تقودني بعض الأفلام إلى ظاهرة متمثلة في أن ما يود الفيلم تقديمه يتفوق على الفيلم نفسه، وهنا يمكن الحديث عن النوايا لا السينما، والبحث عن عبارات مثل: أفلام صغيرة لقضايا كبيرة، أو استثمار في قضايا سياسية وإنسانية تحت مسمى فيلم له أن يكون مصاغاً من أوله إلى آخره على هيئة سهرة تلفزيونية أو مسرحية يصعب التفاعل معها. ثم يأتي أيضاً التثاقف، وجلد المشاهد بآراء معدة مسبقاً، له أن يتخلى عنها حتى وإن كان مؤمناً بها، وذلك من وطأة الطرح، من خفة التناول وسطحيته الذي يأتي برفقة أدوات لا علاقة لها بالسينما لا من قريب ولا من بعيد.

يشرح لنا فيلم الأردني محمد الحشكي «مدن الترانزيت» في أولى تجاربه الإخراجية ما آلت إليه الأردن من خلال عودة امرأة (صبا مبارك) إلى عمّان بعد غياب دام لأكثر من 14 سنة، حيث كانت متزوجة في أميركا وها هي تعود مطلقة، ليكون الفيلم كل الفيلم هو تنقل من مأزق إلى آخر تعيشه تلك المرأة مع ما آلت إليه الأمور في الأردن، حيث التعصب الديني والفساد الإداري والجيل المعولم المتعلق بالقشور. كل شيء سيحاصرها، أختها المحجبة، والدها الصامت الذي لم يركب الموجة، موظف البنك والمرابحة، الفتيات اللواتي لا يتكلمن إلا الانجليزية.. إلخ ولدى تلك المرأة اجابتها عن كل ما تواجهه لأنها ببساطة تود أن تعيش حريتها الشخصية: الحق الشرعي والمقدس، وهكذا فإننا سنشاهد هذه البانورما الكلامية والتلفزيونية ونحن نقول «الله يرحم أيام زمان» كان كل شيء غير كل شيء الآن.

«المغني»

على المنوال نفسه، يراهن العراقي قاسم حول في فيلمه «المغني» بأننا وبمجرد مشاهدة الغرائبية والجنون الذي كان يتعامل به صدام ومعاونوه مع من حولهم، أي كيف يخضعون لتفتيش ذاتي، وكيف يقوم الديكتاتور بممارسة الجنس مع زوجة أحد ضباطه، ومن ثم الإقدام على قتله لأنه كان متضايقاً من ذلك، فإنه سيجعلنا ننسى كيف قدم ذلك؟

أو أن المغني الذي يصل متأخراً سيدفعنا لأن نلهث معه وهو يحاول الوصول في الموعد لإحياء حفلة الزعيم، فيمضي يغني ووجهه إلى الحائط مع أفراد الفرقة الموسيقية وللدقة ليس الحائط بل تمثال صدام أيضاً.

كل ذلك سيأتي كما لو أننا في مسرحية هزلية، مع النوايا التي لا نعرف إن كانت كوميدية أو تراجيدية؟ لكن ليس ذلك بالمهم أيضاً، طالما أن كل ما حدث قد حدث حقاً، وليس في الأمر مزحة سينمائية.

في اطار متصل ومنفصل في آن معاً، يقدم المخرج العراقي قتيبة الجنابي في فيلمه «الخروج من بغداد» مقاربة مختلفة تماماً عن مواطنه قاسم حول، حيث الفيلم يمضي خلف نهايته، يراهن على النهاية التي أريد لها أن تكون صادمة بحجم ما عاشه صادق، ذاك الرجل الذي نبقى نتعقب قصة هروبه من بغداد، هو الذي كان المصور الشخصي للرئيس العراقي في أواخر تسعينات القرن الماضي، الذي في الوقت نفسه سيكون مسكوناً بكوابيس ما قام بتصويره، حيث تستعاد تلك الصور أو المشاهد من خلال مادة أرشيفية لتفجير البشر بالقنابل وغيرها من ممارسات وحشية.

سيكون الفيلم في جزء كبير منه «فيلم طريق» وصادق على الطريق، وصولاً إلى «بودابست» التي يعلق فيها وهو يسعى للقاء ابنه ونراه يتصل بزوجته التي سبقته في الهرب يسألها المساعدة، سيتكرر ذلك، سيستعين الجنابي بالرسائل التي يكتبها صادق لابنه سمير، وصولاً إلى اكتشاف حجم المأساة التي عاشها صادق، ولتكون الرسائل بمثابة اعترافات، رسائل لا ترسل، لأنه ما من أحد يتسلمها.

الفيلم مصنوع بتقشف، ثمة حلول سردية متناغمة وهذا التقشف مسعى لأن يكون انتظار صادق الطويل لأن يذهب إلى لندن ذا نهاية صادمة، وهي كذلك حقاً، بما يعري ويوثق ممارسات نظام صدام حسين بكل ما هو متاح للجنابي من أدوات للوثائقي أن يمضي جنباً إلى جنب مع الروائي.

«ميكروفون»

هذا الهم التوثيقي سنقع عليه أيضاً مع ثاني أفلام المخرج المصري أحمد عبدالله «ميكروفون»، حيث سيكون نبش الهامش الاسكندراني الخيط الناظم الرئيس للفيلم، حيث الموسيقى بشتى أنواعها ستكون هي الحامل الشرعي لما يعيشه جيل مصري جديد، سواء في «الهيب هوب» أو«الروك» أو غيرها من أنماط موسيقية يطلق عليها في الفيلم مسمى «موسيقى العوالم السفلية»، الأمر الذي سيذكرنا بفيلم الإيراني بهمان غوبادي «لا أحد يعرف عن القطط الفارسية» الذي يوثق ايضاً لموسيقى العوالم السفلية لطهران، ويترك لهذه الموسيقى المحرمة في إيران لتكون راصداً إستثنائياً لما يعيشه الشباب الإيراني بعيدا عن بطش السلطة الدينية، ونحن نشاهد هؤلاء الفتية يتدربون في غرفة من الفلين لئلا يسمع الموسيقى أحد، أو في مزرعة أبقار، وصولاً إلى نهايته التراجيدية.

مع أحمد عبدالله لن تكون النهاية تراجيدية، سيترك للسمكة أن تخرج من الحوض إلى البحر، كما أن الجميل في الفيلم سيكون بالتأكيد مع تلك الفرق المدهشة التي نسمع أغانيها والموسيقى التي تؤلفها. وكما في فيلم غوبادي فإن مساحة كبيرة ستترك لمشاهد متسارعة من شوارع الاسكندرية وبحرها وناسها، وعلى تناغم مع الغناء والموسيقى، إضافة للغرافيتي الذي يتسرب إلى مصر كما هو في شوارع العواصم الأوروبية.

الصدام مع السلطة سيكون في فيلم أحمد عبدالله مغريا أيضاً كما هو في إيران، لكن هنا ستكون مع هيئة فنية وطنية أو رسمية، التي بالتأكيد سترفض أنماطاً موسيقيةً كهذه، لا بل إن قبولها سيفقد هذه الموسيقى أهم مزاياها ألا وهو هامشيتها وكونها موسيقى شوارع، لكن هذا أيضاً سيكون متعذراً حين تمنعهم الشرطة من إقامة حفلة في مقهى رصيف يقصودنه.

نبقى في العوالم السفلية، لكن مع فيلم المغربي نسيم عباسي «ماجد» الذي يمضي خلف هذا الطفل الذي فقد والديه في حريق هو أول ما نقع عليه في الفيلم، وليعيش مع أخيه الأكبر، ويمشي يتلقط رزقه من مسح الأحذية ومن ثم بيع السجائر حين يتعرف إلى «العربي» الطفل الذي يمسي صديقه بأداء رائع من هذا الطفل.

الفيلم مبني وفق سيناريو يتوخى بناء أحداثه بالاتكاء على بحث ماجد عن صورة لوالديه، وكل ما لديه صورة محروقة لهما، بما يجعل من قصة مضيه من المحمدية إلى الدار البيضاء ليزور أصدقاء والديه والحصول منهم على صورة لوالديه باباً مفتوحاً على مصراعيه على الكثير من المنعطفات الدرامية ورصد الكثير من الشخصيات االتي تكون في الغالب على قدر كبير من القسوة.

ولعل الفيلم يتعرج ويستقيم، لكنه يبقى محافظاً على ثيمة الصورة التي يتسق حولها كل شيء مع استغراق الوصول إلى تلك الصورة الكثير الكثير من الأحداث والمطولات، التي ستنتهي جميعاً بنهاية تراجيدية للعربي وسعيدة لماجد وهو في الباص نائم وإلى جانبه الصورة، بما يوحي بأن أخاه قرر أن يأخذه معه إلى خارج المغرب وعدل عن فكرة وضعه في دار الأيتام.