من أفلام المسابقة الرسمية للمهرجان

«روداج» السينما السورية.. و«حرائق» لبنانية بلا لبنان

الخوف بؤرة فيلم «روداج». من المصدر

يمكن اعتبار فيلم المخرج السوري نضال الدبس «روداج» الذي عرض أول من أمس، ضمن الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة، ثاني فيلم سوري يعرض في مهرجان ابوظبي السينمائي، من انتاج القطاع الخاص في سورية، بعد فيلم حاتم علي «الليل الطويل» الذي شارك العام الماضي في المسابقة الرسمية، وفي ما يندرج ضمن جهود التي يبذلها المخرج هيثم حقي في هذا الخصوص من خلال شركته «ريل» للأفلام، كونه كان المنتج لكلا الفيلمين، مع الحديث عن انتاجه أفلاماً أخرى من بينها جديد عبداللطيف عبدالحميد.

يقودنا ما تقدم إلى تعقب بحث القطاع الخاص في سورية عن موطئ قدم، خصوصاً أننا نعرف أن الإنتاج السينمائي في سورية كان لزمن طويل محصوراً في القطاع العام ممثلاً في المؤسسة العامة للسينما، التي أمسى إنتاجها لا يتعدى الفيلمين في السنة الواحدة، بعدما كانت في سبعينات القرن الماضي بؤرة انتاج حقيقية لأفلام طليعية.

من الضروري التمهيد بهذا المرور السريع على الواقع الحالي للسينما السورية، قبل المضي مع فيلم نضال الدبس، الذي جاء محملاً بما له أن يكون امتداداً لملامح هذه السينما أيضاً، ولعل تقديم نضال الدبس من قبل مبرمجة الأفلام العربية في مهرجان أبوظبي رشا السلطي، بوصفه آخر من تخرج في معهد السينما الروسي «فغيك» من بين المخرجين السوريين، له أن يضعنا أمام حقيقة أخرى ألا وهي أن معظم مخرجي السينما السورية تخرجوا في هذا المعهد الشهير مثل محمد ملص واسامة محمد وعبداللطيف عبدالحميد وصولاً إلى هيثم حقي نفسه وآخرين هم في النهاية أبرز الأسماء في تاريخ هذه السينما، بما يقودنا إلى وضع فيلم الدبس في سياق قادم من هذا الإرث الواقعي الذي لن يكون إلا مدعاة للاحتفاء به في انحيازه للتكثيف البصري، والبحث عن مجازات للواقع تجد في منتج، هو هيثم حقي، داعماً لها، وكل ما حولها يناهض هكذا خيارات في حصار التجاري والرديء والسريع.

مع مشاهدة فيلم «روداج» سيمسي كل ما تقدم في مرحلة اختبار قاسية بالتأكيد، التي أميل شخصياً إلى أن تنجح في تغليب للجدي والثقافي على التجاري والمسطح، لكن سرعان ما تأتي الأدوات وتخون، ويبدو الفيلم يحمل إمكانية لفيلم أفضل بكثير، التوصيف الذي لا يعني شيئاً إن لم نوضح أن البناء العام لفيلم الدبس يقودنا إلى اعتباره كذلك، بمعنى أن بحثه عن تقديم قصة الفيلم بالاتكاء على الرموز والمجازات خانه الكثير على أصعدة عدة، لم تخف الإمكانية لما يبقى متماسكاً إلى النهاية، ألا وهو نقل قصة حب بين شاب (مهند قطيش) وصبية (قمر خلف) من كونها علاقة حب يحاصرها الخوف، إلى التركيز على الخوف بوصفه بؤرة العمل، وخصوصاً بعد حادث السيارة الذي سينقل الشاب إلى مستويات مكدسة منه، وتحديداً في مجاورته محنط النسور أو الضابط السابق، في تصعيد طويل له، في لقطات قصيرة وسريعة، وما أن تستقر على لقطة مميزة حتى تقطع عبر مونتاج مرتبك.

الخط العام لقصة الفيلم الذي نخلص إليه بعد لأي تتمثل بأن جهاد (قطيش) يعمل ميكانيكياً يحب امرأة (خلف)، لكن أخاها الذي يوحي كل شيء بأنه ضابط متنفذ يترصدهما، وهما في حالة خوف دائمة، و«الروداج» الكلمة التي تعني في الدارجة السورية عملية ترويض السيارة، يستعملها جهاد لتسمية مشواره في السيارة برفقة حبيبته، إلى أن يقع لهما حادث في قلب الصحراء، هو ينجو منه وهي تختفي، ومن ثم نعيش معه اختباءه والجميع يظنون أنه تزوج بمن يحب، بينما أخو حبيبته يبحث عنه وينوي قتله، إلى أن يتعرف إلى ذاك الرجل (سلوم حداد) الذي يعيش وسط الصحراء في محطة وقود متآكلة، وهنا سندخل في مسارات الخوف المتصاعد ومحاولة ذاك الرجل تصعيده أو تخليصه منه، هو الذي يحنط النسور ويصطاد، وجهاد يعرف أنه هو من يخفي عنه حبيبته ولتتعدد الافتراضات التي تجنح إلى التحنيط في النهاية.

الخوف، السلطة، الجبن، كلمات تتردد كثيراً في الفيلم، الهروب من الخوف، التخلص من الجبن، مواجهة السلطة ما يحرك كل شيء، وجهاد عاجز عن معرفة مصير حبيبته، المصير الذي سرعان ما يتحد بمصير ذاك الضابط السابق.

بالانتقال إلى فيلم «حرائق» للكندي دني فلنوف الذي عرض أيضاً ضمن المسابقة الرسمية، تحضر الحرب، وعلينا أن نضيف عليها صفة «الأهلية»، وربما الرجوع عن ذلك والقول لا إنه عن الحرب بشكل عام وبشاعاتها، وعلى هدي هذه التخبطات سنقول إنها الحرب الأهلية اللبنانية، لكن ليست تلك التي حصلت في لبنان، مع أن كل شيء يشير إلى ذلك، وفي استثمار لأحداث فاقعة فيها، لكن مع تقديمها وفق منطق الفيلم نفسه مثلما هو حادث تفجير باص «عين الرمانة»، أو مضي شخصية الفيلم الرئيسة (لبنى ازابال) إلى ما يذكر بسهى بشارة عندما اقدمت على محاولة اغتيال أنطوان لحد عام .1989

المشاهد العربي سيقع في التباسات كثيرة في هذا الفيلم الذي يطمح لأن يبتعد عن الوقائع والتوثيق وما إلى هنالك، والتركيز على المعنى العام للحرب الأهلية في الشرق الأوسط، قتل المسيحيين للمسلمين والعكس صحيح، الأمر الذي لو بقي في هذا الإطار لكان الأمر ربما تحذيراً إن صحت الكلمة لما يتربص بمنطقتنا ويضعها دائماً على شفير حروب أهلية، الأمر سيبقى كذلك لو لم يأت ما يقول لنا أيضاً إن هناك لاجئين، والمسيحيون يقتلون اللاجئين، بينما «فلسطين» مكتوبة على زجاج النافذة، وآخر يهرب إلى تل أبيب، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا: كيف لنا ألا نفكر في لبنان؟ وأين حدث ذلك في هذ المنطقة غير لبنان؟ وإن أراد لنا الفيلم المأخوذ عن مسرحية للكندي اللبناني الأصل وجدي معوض، أن نتعامل معه فيلماً خيالياً صرفاً، أما كان هناك طرق أخرى لتقديم ما أراد تقديمه بوصفه فيلماً يجنح إلى الخيال، والعبرة بالنهاية، ثم لماذا نصف الاتكاء على الواقعي والنصف الآخر خيالي؟ أسئلة لا أملك إجابات عنها ولا المخرج أيضاً، كما بدا الأمر بعد عرضه، وتوجيه الزميل إبراهيم توتنجي سؤالاً له في هذا الخصوص.

الفيلم يأتي من كندا بداية من موت امرأة ووصيتها لابنها وابنتها بأن يعثرا على والدهما وإخوتهما في البلد الشرق أوسطي الذي جاءت منه أمهما، اسم البلد «فؤاد»، ما يجعل الفيلم استعادة لتاريخ هذه الأم التي تتعرض لشتى أنواع القهر والتعذيب، بدءاً من إقدام إخوتها على قتل من تحب «اللاجئ» الذي تكون حاملاً منه، وصولاً إلى سجنها وتعذيبها واغتصابها بعد اقدامها على قتل قائد ميليشيا مسيحية، ومن ثم اكتشاف الولدين حقيقة والدهما الذي يكون التقاء لكل ما يبحثون عنه.

يصلح توصيف الفيلم بالميلودراما الحربية، الميلودراما التي تستقدم الحرب بوصفها عكازاً لها، من دون أن تتخلى عن المصادفة، التي تحدث عند بركة السباحة التي يكون تكرار السباحة فيها تمهيداً لها.

تويتر