«سينوتي».. حكاية كهوف ساحرة غاص فيها حمدان بن محمد

فتح مقطع فيديو، نشره سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، على حسابه الرسمي في «إنستغرام»، خلال زيارته إلى كهوف »سينوتي«، باب تساؤلات كثير من المتابعين، حول ذلك المكان السحري، وتلك الأعماق ذات المياه الشديدة الصفاء، التي غاص فيها سمو الشيخ حمدان، وحظيت بما يقرب من نصف مليون مشاهدة، وآلاف التعليقات.

ما حكاية تلك الكهوف التي تبدو كأنها تتوارى عن الإنسان لتحمي جمالها، وهل شهدت تجمّعات بشرية، وكيف تشكّلت الأعماق على مر السنوات، وامتلأت بالمياه العذبة النقية، وما القواعد الصارمة التي يجب على زوار المكان احترامها؟.. تلك الأسئلة وغيرها، تحاول «الإمارات اليوم» الإجابة عنها

في شمال شبه جزيرة يوكاتان المكسيكية، ذات التضاريس المسطحة قليلة الارتفاع، تنعدم الأنهار والوديان على السطح، على نقيض جوفها، الذي يمتلئ بالماء العذب، ما جعل منه مهداً تعاقبت عليه التجمعات البشرية التي استوطنت المكان، منذ آلاف السنين.

ولكن كيف تشكّلت كهوف المياه والفجوات الطبيعية الكبيرة، التي يطلق عليها مصطلح «سينوتي» الإسباني، الذي يعني باللغة الإسبانية فجوات الصخور والأنهار الباطنية؟

تكّونت «سينوتي» من جهة بفعل مزيج من العناصر الجيولوجية، وتغير المناخ من جهة أخرى، والتي أدت إلى ظهور نظام إيكولوجي فريد من نوعه. فقبل ملايين السنين، كانت شبه جزيرة يوكاتان عبارة عن صخرة كلسية مرجانية ضخمة، تتموقع في المحيط، وتحت هذه الطبقة الكلسية توجد طبقة واسعة من الماء.

محافظة على روعتها

كتب سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، معلقاً على الفيديو: «بعض المستوطنين الأوائل في القارة الأميركية، قد عاشوا في هذه الكهوف منذ أكثر من 10 آلاف سنة، لكن هذه الكهوف لاتزال إلى اليوم بالروعة والجمال نفسيهما، اللذين كانت عليهما في ذلك الوقت».

وخلال العصر الجليدي الأخير، انخفض مستوى سطح المحيط (كان مستوى المياه أقل من 100 متر تقريباً من المستوى الحالي)، ما أدى إلى تعرية هذه المنطقة من ماء المحيط، وظهور سطح الصخور على شكل يابسة معرضة للهواء، ويقدر سمك هذه الطبقة من الصخور الكلسية المرجانية بقرابة الكيلومترين، والدليل على ذلك وجود حياة برية فوقها، واكتشاف حفريات في أعماق «سينوتي» لحيوانات كانت تعيش على اليابسة.

ونتيجة لذلك تكونت الكهوف، بسبب انحلال الصخور الكلسية الهشة، وقد سميت «الكهوف المنحلة»، ويرجع ذلك إلى تساقط أمطار قليلة الحموضة، نتج عنها تفتت الصخور، وأدى ذلك إلى منظر فائق الجمال.

ولكن كهوفاً كثيرة ردمت وانهارت، في نهاية العصر الجليدي، أي قبل 18 ألف سنة، إذ شهد مناخ الكرة الأرضية تغييراً مهماً، فقد ارتفعت درجة الحرارة، وانحصرت المناطق الجليدية وذاب جزء منها، فغمرت الكهوف بالماء، وزادت نسب المياه في البحار والمحيطات.

وتوصلت البحوث، التي أجريت في الموقع، إلى أن الإنسان كان موجوداً في المنطقة قبل 9000 سنة، وفقاً لتحاليل حمض الكربون على الأشياء المادية التي تعود إلى الإنسان آنذاك.

وتوصل علماء الآثار إلى اكتشاف حفريات لبقايا حيوانات، مثل الجمال، والجاغور الضخم، والماموث، والكسلان، والخيول. وتم حتى الآن اكتشاف أربعة هياكل عظمية بشرية. وبفحص حمض الكربون لقطعة من الخشب، كانت بجانب هيكل عظمي لأنثى، ظهر أنه يعود إلى ما لا يقل عن 10 آلاف سنة، ما يجعله واحداً من أقدم الهياكل العظمية البشرية المكتشفة في القارة الأميركية، ومعظم هذه الاكتشافات الأثرية اكتشفت من قبل غواصين محترفين، عند التنقيب على أنظمة وظائف هذه الكهوف.

غابة مقدسة

كانت سينوتي بالنسبة لشعب المايا المنبع الوحيد للمياه العذبة وسط هذه الغابة الكثيفة، لذلك اعتبروها مقدسة، بل وأكثر من ذلك إذ باتت «مدخلاً لعالمهم تحت الأرض»، فأرواحهم لن تفارق هذا المكان أبداً، بعد وفاتهم، بحسب معتقداتهم.

وكلمة «سينوتي» باللاتينية مشتقة من كلمة في لغة شعب المايا «دزونوت» dzonot، ومرادفها كل غرفة تحت الأرض تحتوي على الماء بصفة دائمة على مدار العام.

وتختلف أحجام وأشكال «سينوتي»، من شكل عمودي مثل البئر المملوءة بالماء، أو على شكل كهوف، وأخرى مثل أحواض وممرات تحت الماء.

ضوابط صارمة

تخضع تلك الكهوف بحماية قانونية رادعة، وضوابط جادة ينبغي احترامها من روّاد الموقع، وذلك تحت طائلة العقوبات التي تشرف عليها منظمة حماية الآثار والتاريخ لحكومة المكسيك.

ومن بين تلك الشروط والضوابط:

1-    لا يجب لمس أو إزالة أي شيء.

2-    لا تقتل أي شيء!

3- لا تترك أي شيء وراءك، باستثناء فقاعات الهواء!

تويتر