"صيد الجثث "..التجارة "الصفراء" التى تزدهر في الصين

على ضفاف النهر الأصفر، يقف الصياد الصيني إكس بانغ، يدخن سيجارته، ويتطلع إلى مياه النهر العكرة؛ استعداداً للإبحار بزورقه في النهر لجلب قوته اليومي، ليس من الأسماك - كما هي عادة الصيادين - بل بصيد الجثث الميتة وبيعها لأهلها .

هذه الممارسة عرفت في الصين منذ العصور القديمة، عندما كرّس بعض الصيادين وقتهم لاستعادة الجثث من المياه وإعادتها إلى أسرها، وكانت تحظى بتقدير واحترام المجتمع، ولم يكن الصياد يكافئ بالمال بل بالشكر والامتنان من أهل الميت .لكن مع تطور البلاد، وسوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية تحوّل صيد الجثث إلى تجارة مربحة لمعظم الصيادين حتى الشباب بدأت تستهويهم هذه المهنة .

ويعتبر النهر الأصفر في مقاطعة "قانسو" بشمال غرب الصين، مكان الصيد الوفير، لاسيما عند منحنى النهر، حيث تتكدس الجثث، واطلق البعض إسم النهر على هذه المهنة الغريبة .

ويعد إكس بانغ (55 عاماً) واحداً من صيادين عديدين على ضفاف النهر الأصفر، وبدأ بانغ هذه المهمة المروعة عام 2003 ، وكان قبل ذلك يعمل في بستان لزراعة الكمثرى، إلى أن اكتشف تجارة صيد الجثث التي تدّر عليه أضعاف مهنته القديمة .

يصيد بانغ ما بين 80 إلى 500 جثة خلال السنة، من الجنسين، ذكوراً وإناثاً، من ضحايا الغرق أو الانتحار أو الجريمة، ولكل جثة سعر يحدد قيمته الوضع المالي للعائلة. فعلى سبيل المثال، يطلب ما يعادل 75 دولاراً من المزارعين، و500 دولار من الموظف الحكومي، وقد يصل السعر إلى 800 دولار أكثر إن كانت شركة هي من يدفع . إضافة الي الجثث المجهولة الهوية أو التي لا يرغب أهلها في تسلمها، إذ يتم إعادتها إلى النهر .

ويقول بانغ إن أغلب الجثث التي لا يطالب بها أهلها هي جثث العاملات المهاجرات اللواتي انتقلن إلى العمل في مقاطعة لانتشو، وقد قتل معظمهن. بعد أن يصطاد بانغ الجثث يقوم بغسلها ووضعها في كهف قرب النهر، ثم يقوم بنشر إعلانات في الصحف المحلية، حتى يتمكن أهل الميت من التعرف إلى الجثة، فيتصلون به أو يرسلون أحد الأشخاص للقرية لمعاينة الجثة والتعرف إليها.

يفرض بانغ مبلغاً رمزياً لدي رؤية الجثة قبل دفع كامل المبلغ لدى تسلمها، وقد اعتاد أهل القرية وزبائنه ذلك؛ ولا ينزعجون من رسوم أو مبالغ بانغ الذي يدافع عن مهنته ويؤكد أنه يقوم بعمل جيد فهو يعيد الكرامة للموتى، بعد أن تركتهم السلطات في المدينة تتعفن في النهر.

يضع بانغ اللوم على سلطات بلده، مشيراً إلى أن معدلات الانتحار في الصين تشهد ارتفاعاً ملحوظاً حيث بلغت 26% العام الماضي حسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية.

كما يؤكد أن معظم الجثث تأتي من مقاطعة "قانسو"، إذ توجد كبرى المصانع والشركات العالمية وناطحات السحاب التي شيدها فقراء المدينة، فبسبب ضغط العمل وساعاته الطويلة وعدم دفع الشركات الأجر الشهري للعمال، يلجأ بعضهم للانتحار للتخلص من حياتهم.

وتلقي مهنة صيد الجثث اهتماماً متزايداً في وسائل الاعلام الصينية في الآونة الأخيرة، وتصف أصحاب هذه المهنة بـ"الذين يعيشون على الموتى ".

وتناول المخرج الصيني تشو هذه الظاهرة في فيلم سينمائي وثائقي من 52 دقيقة، بعنوان "الشاطئ الآخر"، وكيف أصبح صيد الجثث تجارة تدر الملاين على أصحابها . وقال تشو لصحيفة "غلوبال تايمز" إن "هذا العمل كان تطوعي في السنوات الماضية، إذ كان إعادة الجثث الى أهلها عمل خيري ونبيل قبل أن تتغير إلى عمل تجاري مربح".

وتنعكس على ضفاف النهر الأصفر في مقاطعة "قانسو" الصناعية الصورة المظلمة للاقتصاد والتنمية الصينية، حيث ساهم ايقاعها المتسارع بخلق أنشطة سوداء موازية تدر الملايين على اصحابها وتثير الكثير من الاسئلة عن مدى إنسانياتها .

تويتر