شوى سون سيل... المرأة التي هزت عرش البيت الأزرق

صداقة "روحية" فاشلة تضع كوريا الجنوبية على حافة الإنهيار

سلمت رئيسة كوريا الجنوبية، بارك جون هاي، صلاحياتها، الجمعة الماضية، لرئيس وزراء البلاد، هوانغ كيو آن، وذلك عقب عزلها من قبل البرلمان. وجاءت هذه الخطوة بعد خضوع بارك جون هاي للاستجواب، على خلفية فضيحة سياسية هزت البيت الأزرق، المقر الرسمي لرئاسة البلاد، والتي تقف وراءها صديقتها المقربة تشوي سون سيل، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد.

وأدخلت تشوي سون سيل، التي لا تملك أي منصب حكومي أو أمني، الرئيسة والبلاد في دوامة سياسية وتظاهرات واحتجاجات شعبية، لم تنتهِ حتى الآن، حيث تواجه تشوي حالياً اتهامات بممارسة نفوذ على الرئيسة، والاستفادة منها والتدخل في إدارة شؤون البلاد، حيث اتهمت بإطلاعها على مداولات سرية حول كوريا الشمالية، إضافة إلى كتابة خطابات الرئيسة، واستغلال علاقتها بالرئيسة لابتزاز كبرى الشركات مثل «سامسونغ»، وإرغامها على دفع أموال لمؤسسات أنشأتها لحسابها الخاص.

استحضارا الأرواح ..

وبدأت صداقة تشوى سون سيل، البالغة من العمر 60 عاماً، برئيسة البلاد قبل أكثر من 40 عاماً، حيث تعرفت إليها في منتصف 1970، عن طريق والدها، زعيم الطائفة الشامانية الكورية الجنوبية، تشوي تاي مين، الذي عرف بشخصيته الغامضة والمتقلبة، وبأسمائه المستعارة، ووصف نفسه بالقس، وادعى امتلاكه قدرات تجعله يتواصل مع الموتى، ويشفي أمراض الناس .

وتجدر الإشارة إلى أن تشوي تاي مين قام بإرسال العديد من رسائل التعزية لبارك، بعد اغتيال والدتها في عام 1974 في المسرح القومي، إثر محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها والد بارك، الذي كان في ذلك الوقت الرئيس الثالث لكوريا الجنوبية.
وادعى أن روح والدتها زارته في المنام، وأنه سيسخر قدراته الخارقة، كي تتمكن من التواصل مع والدتها في العالم الآخر .

اقتنعت بارك، التي كانت تبلغ حينها 23 عاماً، وتتحمل مهام السيدة الأولى لكوريا خلفاً لوالدتها، بكلام المعلم الديني تشوي تاي مين، وسرعان ما أصبح مرشدها الروحي، وبعد سنتين أصبحت علاقتهما الروحية قوية، واستطاع تغيير بعض معتقداتها، وأسهم في بناء شخصيتها السياسية، وساعده في ذلك ظهور ابنته تشوي سون سيل في حياة بارك، والتي أصبحت صديقتها المقربة.

وتعززت هذه العلاقة أكثر، بعد اغتيال والد بارك على يد رئيس استخباراته كِم جاي جيو في عام 1979، حيث ساعدتها تشوي سون سيل، برفقة زوجها السابق، في العودة مرة أخرى للبيت الأزرق، وتمكنت من الفوز بالانتخابات الرئاسية عام 2012، لتصبح تشوي ظلها الطويل في السلطة.
ففي أحد الاعتذارات العلنية العاطفية، التي صرحت بها بارك في الأسابيع الأخيرة، في أعقاب الفضيحة، قالت الرئيسة: «أعيش بمفردي، ليس لديَّ أحد يساعدنى في مهامي الخاصة، لقد لجأت إلى تشوي سون سيل صديقتي، لأني وحيدة»، وتابعت بارك التي لم تتزوج، وقالت إنها تزوجت الدولة: «قلبي ينفطر»، وأضافت «من الصعب أن أسامح نفسي، أنا أنام الليل، ويغمرني شعور بالأسف».

لم تشفع الدموع لبارك، التي تدنت شعبيتها إلى 5%، قبل سنة من انتهاء ولايتها، ولم تنسها خطيئتها السياسية التي جنتها على نفسها، بسبب ثقتها العمياء بصديقتها وابنة زعيمها الروحي.

ابتزاز.. وفساد جامعي

تشير التقارير إلى أن تشوي سون سيل ابتزت بعض الشركات الكورية الكبرى، لمنحها فوائد وامتيازات تفضيلية للأعمال والتبرع لمؤسساتها، وعلى رأس تلك الشركات شركة «لوتيه» العملاقة في قطاع التجزئة، وشركة «هيونداي موتور» لصناعة السيارات، وشركة «بوسكو»، وشركة «سامسونغ»، التي قدمت 2.8 مليون يورو لدفع نفقات تدريب الفروسية، الذي كانت تخضع له ابنتها تشونغ في ألمانيا، كما استخدم هذا المبلغ لشراء حصان لابنتها، العضو في منتخب كوريا الجنوبية للفروسية، والحاصلة على ميدالية ذهبية في الألعاب الأولمبية.

كما اتهمت «جامعة إيهوا» النسائية، إحدى أكبر الجامعات الكورية وأصعبها في شروط الدخول، بتقديم مزايا غير شرعية إلى ابنة تشوي سون سيل، وقالت وزارة التعليم بكوريا الجنوبية إن نتائج التفتيش الخاص بها أظهرت أن الجامعة تجاهلت اللوائح والتنظيمات القانونية، لمساعدة تشونغ على الحصول على قبول للالتحاق بالجامعة في عام 2015.

وقامت مديرة الجامعة، بالتعاون مع بعض الأساتذة، بتقديم تسهيلات إلى ابنة تشوي سون سيل، التي لم تكن تحضر المحاضرات خلال الفصول الدراسية الثلاثة، ولم تجتز الامتحانات المقررة، ومع ذلك كانت تحصل على العلامات الكاملة، وفي بعض الحالات كان يقوم أستاذها بحل الواجبات والفروض المقررة بدلاً منها.

وأزعجت تلك الممارسات طلبة «جامعة إيهوا»، ونظموا تظاهرات داخلية، منددين بهذا التمييز والفساد، لتنتهي التظاهرات باستقالة رئيسة الجامعة، وهروب تشوي سون سيل وابنتها إلى ألمانيا.

الضربة القاضية

في 27 أكتوبر الماضي، قالت قناة «جي تي بي سي» المحلية، والتى كشفت فضيحة تسريب عشرات الخطب الرئاسية إلى تشوي سون سيل، قبل أن تلقى على الشعب، إن ممثلي النيابة دهموا مكتب تشوي، وصادروا وثائق وأقراصاً صلبة، تركتها خلفها قبل هروبها إلى ألمانيا، حيث عثروا في جهاز الكمبيوتر على الخطب الرئاسية لبارك، مع التعديلات التي قامت بها تشوي، ومعلومات عن اجتماعات مجلس الوزراء، ورسائل الدردشة مع مساعدين للرئاسة، وجدول عطلات الرئيسة، وصور شخصية، و«سيلفي» لتشوي مع بارك .

وفي نوفمبر الماضي، تم اعتقال تشوي بعد عودتها من ألمانيا، وتم استجوابها لساعات، لتعتذر قائلة: «ارتكبت جريمة لا تغتفر»، ومع ذلك أكد محاميها، في وقت لاحق، أن تصريحها جاء تعبيراً عن مشاعرها، ولا يحمل أي معانٍ قانونية.

وبعد سلسلة الفضائح والاستجوابات والخطابات والدموع من الرئيسة بارك، سلمت صلاحياتها الجمعة الماضية، بعد عزلها من قبل البرلمان، الذي صوت أعضاؤه على سحب الثقة من رئيسة البلاد، في انتظار أن تشرع المحكمة الدستورية في عملية المراجعة، خلال 6 أشهر لإصدار قرارها، ما قد يؤدي إلى تقصير ولاية الرئاسة في أول سابقة من نوعها في البلاد، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.

من جانبها، قدمت الرئيسة اعتذارها بسبب «الفوضى» السياسية في بلدها، ودعت الحكومة إلى التزام اليقظة في مجالي الاقتصاد والأمن القومي.

وقالت بارك في خطاب بثه التلفزيون بعيد تبني البرلمان مذكرة بإقالتها: «أقدم اعتذاري لكل الكوريين الجنوبيين، عن كل هذه الفوضى الوطنية التي سببتها بإهمالي، بينما تواجه بلادنا صعوبات كبيرة، بدءاً من الاقتصاد إلى الدفاع الوطني».

يذكر أن هذه الفضيحة لم تكن هي الأولى في تاريخ حكم بارك، الممتد منذ مطلع عام 2013، حيث شهد حكمها غرقاً وموتاً، وتظاهرات، وبوادر لدكتاتورية جديدة، حيث سعت قبل فضيحة صديقتها بأيام لتعديل الدستور، لكي تسمح لنفسها بالترشح لفترة رئاسية أخرى، حيث إن الدستور الكوري الجنوبي لا يسمح للرئيس إلا بالترشح لفترة رئاسية واحدة، مدتها 5 سنوات فقط.

كما سعت بارك، منذ عام، إلى تعديل كتب التاريخ، التي تناولت السيرة الذاتية لوالدها الرئيس الأسبق بارك تشونج هاي، الذي ترأس البلاد في الفترة ما بين 1963 و1979، حيث يتم اعتباره ديكتاتوراً عسكرياً، ما أدى إلى احتجاج المعلمين عليها.إلى جانب حادثة العبارة سيؤول، التي غرقت في أبريل عام 2014، وراح ضحيتها 295 طالباً وطالبة، وفقدان 9 آخرين.

تويتر