‬217 صندوقاً أجنبياً تروّج لنشاطها داخل الدولة مقابل ‬5 محلية.. وخبراء يؤكدون:

«الصناديق المحلية» تعاني غياب الاهتمــام.. وسهولة الترخيص تخدم «الأجنبية»

نسبة تداولات الصناديق الاستثمارية المحلية من التداولات اليومية لا تتعدى ‬10٪ مقابل ‬90٪ للمستثمرين الأفراد. تصوير: إريك أرازاس

أكد خبراء ماليون أن قلة عدد الصناديق الاستثمارية المحلية وتراجع نسبتها من التداولات، ظاهرة غير صحية تنفرد بها الأسواق المحلية والخليجية، إذ إن نسبة تداولات الصناديق الاستثمارية من التداولات اليومية لا تتعدى ‬10٪ مقابل ‬90٪ للمستثمرين الأفراد، وذلك بخلاف النسبة في البورصات العالمية التي تبلغ ‬90٪ للمؤسسات المالية، و‬10٪ فقط للاستثمار الفردي.

وأشاروا إلى أنه في المقابل، فإن الصناديق الأجنبية المصرح لها بتسويق وترويج أنشطتها داخل الدولة تشهد زيادة ملحوظة في أعدادها مقارنة بنظيرتها المحلية، نظراً إلى تنوع استراتيجيتها الاستثمارية، وسهولة إجراءات تسجيلها بهيئة الأوراق المالية والسلع.

وأوضحوا أن أنشطة الصناديق المحلية محدودة بأسواق الإمارات والدول المجاورة وتقتصر على الأسهم أو الصكوك، بعكس الأجنبية التي تتوزع استثماراتها على المراكز المالية في العالم، ما يجعلها تؤمن عائدات جيدة للمكتتبين.

وقالوا إن هناك عوامل رئيسة وراء عدم إنشاء المزيد من الصناديق الاستثمارية المحلية، هي تأخر صدور القانون الذي ينظم عملها، إذ لم يصدر إلا منتصف العام الماضي، إضافة إلى وجود عدد من مقيدات إنشاء الصناديق المحلية، مثل المتطلبات المالية وصعوبة التوسع خارجياً، وكذا تزايد خسائر تلك الصناديق بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية على أسواق الأسهم المحلية.

ونبهوا إلى أن وجود المزيد من الصناديق الاستثمارية في سنوات الأزمة كان يمكن أن يقلل من خسائر الأسهم بشكل كبير، مسوغين ذلك بأن سيطرة تعاملات الأفراد والمضاربات العشوائية على السوق جعلتا أسهم الشركات القوية من حيث الأداء المالي تنخفض بنسب كبيرة تخالف الواقع أو الأسس العلمية في التداول.

ووفقاً لبيانات هيئة الأوراق المالية والسلع، فإن صناديق الاستثمار المحلية المرخصة من الهيئة انخفضت إلى خمسة صناديق فقط، هي: «صندوق الهلال للأسهم الخليجية»، «صندوق الهلال للصكوك العالمية»، «صندوق المال للأسهم السعودية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية»، «صندوق بنك أبوظبي الوطني للدخل قليل المخاطر»، «صندوق بنك أبوظبي الوطني للاستثمار في الصكوك»، وذلك بعد أن تم إلغاء صندوقين في يناير ‬2012، هما «صندوق مصرف أبوظبي الإسلامي للتوزيعات النقدية»، و«صندوق مصرف أبوظبي الإسلامي للاستثمار في أسهم دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا»، في حين يبلغ عدد صناديق الاستثمار الأجنبية المرخص لها بترويج أنشطتها داخل الإمارات ‬217 صندوقاً، وفقاً للهيئة.

وكان رئيس هيئة الأوراق المالية والسلع أصدر القرار رقم (‬37) بشأن النظام الخاص بالصناديق الاستثمارية في ‬22 يوليو الماضي، ليضع تنظيماً شاملاً لعمل صناديق الاستثمار في الدولة سواء الصناديق الإسلامية أو المحلية أو الأجنبية المفتوحة أو المغلقة.

عوامل جذب

طريقة مثالية

شدد المحلل المالي أحمد الراوي على أن «صناديق الاستثمار هي الطريقة المثالية للاستثمار في أسواق الأسهم، إذ توفر هذه الصناديق إمكانية دخول عالم من الأصول والأسواق الاستثمارية، قد لا يتسنى للفرد الوصول إليها بشكل مباشر»، مؤكداً أن «الصناديق الاستثمارية يجب أن تكون الوسيلة المفضلة للاستثمار من قبل الكثير من المستثمرين الأفراد، كونها السبيل الأفضل لنمو ثرواتهم».

وعزا الراوي عدم وجود العدد الكافي من الصناديق المحلية وتراجع نسبتها من التداول إلى عاملين أساسيين، أولهما إقرار النظام الخاص بعمل صناديق الاستثمار بعد سنوات من بدء التعاملات وتحديداً في يوليو الماضي، فضلاً عن تزايد خسائر تلك الصناديق بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية على أسواق الأسهم المحلية، مشيراً إلى أن «خسارة حملة وثائق تلك الصناديق نسبة كبيرة من استثماراتهم جعل الكثيرين يعتقدون أنه لا يوجد فارق بين الإدارة المحترفة لتلك الصناديق والتعامل بشكل مباشر في أسواق الأسهم، لأن المحصلة في الحالتين كانت الخسارة». وأوضح الراوي أن «الصناديق الاستثمارية تدار من قبل متخصصين متمرسين، ما يسمح للمستثمرين الأفراد بالاستفادة من الخبرة الاستثمارية لشركات عالمية مشهورة ومعتمدة في إدارة الأصول»، لافتاً إلى أن «المستثمر الصغير يمكنه عبر الصناديق الاستثمارية اختيار واحدة من مجموعة الصناديق الاستثمارية التي تناسب أهدافه الاستثمارية، من بين مجموعات أصول مختلفة مثل الأسهم العالمية، الأسهم الصاعدة، الأسهم الأميركية، الأسهم الأوروبية، السلع، الصناديق، صناديق السندات والأموال وغيرها الكثير».


أحكام النظام

تسري أحكام النظام الخاص بصناديق الاستثمار الذي أصدرته هيئة الأوراق المالية والسلع في النصف الثاني من العام الماضي على الصناديق المحلية والأجنبية على السواء، لكن يشترط بحسب النظام أن تروج وحدات صناديق الاستثمار الأجنبية داخل الدولة من خلال المصارف المرخص لها من قبل المصرف المركزي، أو عبر شركات الاستثمار المرخص لها من «المركزي» أيضاً، أو عن طريق الشركات المرخصة لهذا الغرض من جانب هيئة الأوراق المالية والسلع. ويشترط النظام على صناديق الاستثمار التي تدخل ضمن طرح خاص أن تروج نشاطها عن طريق الاتصال المباشر بالمتعاملين المستهدفين، في حين يمكن لمثيلتها ذات الطرح العام الترويج بجميع الوسائل المتاحة وللمستثمرين كافة. ويحدد النظام ‬500 ألف درهم حداً أدنى للاكتتاب في الصناديق الأجنبية ذات الطرح الخاص التي وافقت الهيئة على ترويجها.

وتفصيلاً، قال الرئيس التنفيذي لـشركة «غلف مينا للاستثمار»، هيثم عرابي، إن «هناك أماكن عدة معروفة على مستوى العالم تعد مركزاً لإنشاء الصناديق الاستثمارية، أهمها سويسرا وسنغافورة، ويوجد أكثر من ‬50 ألف صندوق استثماري على مستوى العالم»، موضحاً أن «هذه الصناديق توجد في كثير من الدول لتسويق وترويج أنشطتها الاستثمارية، وتستهدف المؤسسات والأفراد من ذوي الملاءة المالية المرتفعة».

ولفت إلى أن «وجود أكثر من ‬200 صندوق أجنبي في الدولة يعد منطقياً ويتناسب مع حجم السوق، ويمكن أن نقول إن سهولة إجراءات الترخيص، وتنوع الاستراتيجيات الاستثمارية، وارتفاع العوائد التي تقدمها هذه الصناديق، عوامل تعزز من وجودها في الدولة».

وأوضح عرابي أن «التفاوت الكبير بين عدد الصناديق الأجنبية ونظيرتها المحلية غير طبيعي، لكن هناك أسبابا عدة تقف وراء ذلك، أهمها أن نظام صناديق الاستثمار الذي أصدرته هيئة الأوراق المالية والسلع به بعض الشروط المقيدة للصناديق المحلية، منها المتطلبات المالية وعدم قدرتها على مد أنشطتها إلى الأسواق الخارجية إلا بعد الحصول على تراخيص جديدة، في وقت لا توجد فيه خيارات كبيرة أمامها للاستثمار محلياً، ويقتصر نشاطها على أسواق الأسهم المحلية أو أسواق المال المجاورة، إلى جانب الاستثمار في الصكوك، وبالتالي لا تؤمن العوائد نفسها التي توفرها نظيرتها الأجنبية».

إقبال

من جانبه، قال المحلل المالي، وضاح الطه، إن «إقبال الصناديق الأجنبية على أخذ حصة من أسواق الإمارات يأتي ضمن تركيزها على الدول النامية الأكثر استقراراً والمدرجة أسواقها في مؤشرات دولية معروفة»، موضحاً أن «كثيراً من المحافظ العالمية غيرت إلى مؤشر (فوتسي) بدلاً من (مورغان ستانلي)، وأسواق الإمارات ضمن المؤشر الأول، ومع تماسك الأسواق وقوة المؤشرات الاقتصادية نجد إقبالاً ملحوظاً من الصناديق المؤسسة في الخارج لترويج نشاطها الاستثماري داخل الدولة».

واستطرد الطه أنه «في المقابل، نجد أن أحجام الصناديق المحلية وأداءها بشكل عام خجولاً من ناحية الاستثمار والحركة وتنوع مكوناتها»، لافتاً إلى أن «الصناديق الأجنبية تستهدف كبار المستثمرين أو الشركات الاستثمارية الراغبة في الاكتتاب بها، إلى جانب امتلاكها خططاً واضحة واستراتيجيات متوسطة وطويلة المدى للاستثمار تحقق مكاسب جيدة للمشاركين فيها».

قيود

من جانبه، قال مدير دائرة الأبحاث في شركة «الرمز للوساطة المالية»، طلال طوقان، إن «القوانين الموجودة حالياً لتنظيم عمل صناديق الاستثمار صدرت حديثاً، لكنها تحتوي بعض القيود بالنسبة للصناديق المحلية، مثل اشتراط نسب معينة من الاستثمار داخل الدولة، إلى جانب أن المصروفات التشغيلية للصناديق المحلية كبيرة نوعاً ما مقارنة بنظيرتها الأجنبية التي تروج أنشطتها، لذا نجد فرقاً كبيراً بين الاثنين من حيث العدد»، مشيراً إلى أنه «تجري حالياً بعض التعديلات التي يمكن أن تكون في مصلحة تأسيس مزيد من الصناديق المحلية، خصوصاً أن البيئة الاستثمارية بالإمارات جيدة، لكن هناك أهمية لأن تتمكن الصناديق المحلية من ترويج أنشطتها في المراكز المالية العالمية، مثل لندن».

نقص التشريعات

من ناحيته، عزا مستشار الأسهم في بنك أبوظبي الوطني، زياد الدباس، عدم وجود العدد الكافي من صناديق الاستثمار المحلية إلى تأخر صدور القانون (النظام الخاص بصناديق الاستثمار) الذي ينظم عملها، إذ صدر هذا النظام وتم إقراره منتصف العام الماضي فقط.

وقال إن «المشكلة التي حدت من وجود صناديق استثمار محلية تستثمر في الأسهم المحلية تمثلت في أن الصناديق التي كانت موجودة في السوق لم تحقق النتائج المرجوة، بسبب استمرار خسائر الأسواق طوال السنوات الخمس الماضية تقريباً»، موضحاً أن «تلك الخسائر جعلت المستثمرين يحجمون عن الاستثمار في وثائق تلك الصناديق، لاعتقادهم بأنه لا فارق عن الاستثمار بشكل فردي مباشر، وأن المحصلة ستكون خسارة».

ونبه الدباس إلى أنه «على الرغم من أن شركات إدارة تلك الصناديق اضطرت للمضاربة في السوق في ظل سيطرة المضاربات على التداولات، إلا أن زيادة نسبة هذه الصناديق من التداولات للمعدلات العالمية المعتادة كانت من الممكن أن تقلل من خسائر الأسهم بشكل كبير»، مسوغاً ذلك بأن «سيطرة تعاملات الأفراد والمضاربات العشوائية على السوق جعلتا أسهم الشركات القوية من حيث الأداء المالي تنخفض بنسب كبيرة تخالف الواقع أو الأسس العلمية في التداول».

وأشار إلى أهمية أن ترتفع نسبة الصناديق الاستثمارية من التداولات في السوق المحلية إلى المعدلات المتعارف عليها، التي تصل إلى ‬90٪ مقابل ‬10٪ نصيب المستثمرين الأفراد من التداولات، إذ إن النسبة الحالية في أسواق الأسهم المحلية ‬90٪ للأفراد مقابل ‬10٪ فقط للمؤسسات، وهذا يدل على أن الوضع في أسواقنا غير صحي.

وأوضح أن «تلك الصناديق يجب أن تكون المحرك الرئيس للأسواق العالمية، لذا فإن بعض الدول تحظر على صغار المستثمرين التعامل المباشر في البورصات، وتفرض عليهم التعامل عبر صناديق الاستثمار».

ونوه بأن «وجود صناديق الاستثمار المحلية في الوقت الحالي كان سيدعم أداء السوق ويسرع من تعافيها، في ظل الانتعاش الحادث حالياً، لاسيما أن المؤسسات الأجنبية هي التي تضطلع بهذا الدور، وعادة ما تنخفض الأسواق المحلية حال غياب هذه المؤسسات الأجنبية»، لافتاً إلى أهمية أن تنظم الجهات الرسمية مثل هيئة الأوراق المالية والسلع، وإدارتي سوق دبي وأبوظبي الماليين حملات للتوعية بأهمية دور الصناديق الاستثمارية.

وأكد الدباس أن «الفترة الحالية تستوجب على البنوك والمؤسسات الحكومية أن تفكر في إنشاء المزيد من الصناديق الاستثمارية، لاسيما أن تلك المؤسسات تفيد البنوك ذاتها وتجنب المستثمرين وأسواق الأسهم الخسائر، وكذا تفيد الاقتصاد الوطني»، لافتاً إلى أن «إدارات الصناديق الاستثمارية واتخاذ قرارات الاستثمار سواء بالبيع أو الشراء من قبل مديري صناديق الاستثمار عادة ما تستند إلى مؤشرات اقتصادية ومالية واستثمارية، سواء للشركات أو لأسهمها بعكس الاستثمار الفردي، الذي يعتمد في معظم قراراته الاستثمارية على الشائعات أو سياسة السير خلف القطيع من دون الالتفات إلى أساسيات الشركات».

ظاهرة خليجية

من جهته، أكد العضو المنتدب لشركة أبوظبي للخدمات المالية، محمد علي ياسين، أن «ضعف نسبة المؤسسات (بما فيها الصناديق الاستثمارية) من إجمالي التداولات يعد ظاهرة خليجية ولا تقتصر على أسواق الإمارات فقط، لكن يجب زيادة نسبة المؤسسات من التداولات للمعدلات الطبيعية».

وقال إن «الاعتماد على المؤسسات الأجنبية محركاً رئيساً للأسواق المحلية وزيادة معدلات التداول أمر خاطئ»، مسوغاً ذلك بأن «المؤسسات الأجنبية لا تأتي إلا للأسواق السائلة التي تتميز بأحجام تداول عالية وتعاملات نشطة لمستثمرين محليين ومؤسسات واثقة بأداء سوقها».

وشدد ياسين على أهمية أن «يؤدي الاستثمار المؤسسي (المحلي) الدور المطلوب منه في الاستثمار طويل الأجل لتحقيق التوازن في أداء الأسهم، وأن يكون التداول بناء على القيم العادلة، وليس بناء على الحالة النفسية والمزاجية للمستثمرين الأفراد»، مضيفاً أن «غياب الكثير من الأدوات التي تطور قطاع الاستثمار المؤسسي، خصوصاً وجود الأدوات المالية التي تساعد على التحوط من الانخفاضات السعرية، أدى إلى ضعف نسبة المؤسسات بشكل عام، لاسيما المؤسسات المحلية».

ونبه ياسين إلى أن «تراجع معدلات التداول في أسواق الأسهم المحلية على مدار السنوات الماضية لم يحفز على إيجاد المزيد من الصناديق الاستثمارية المحلية».

وأشار إلى أن «الأمر يتطلب تدخلاً شبه حكومي، من خلال إطلاق محافظ مالية لقيادة السوق وإعادة الثقة للمستثمرين الأفراد»، لافتاً إلى أن «السلطات المالية تدخلت في دول عدة لدعم بورصاتها في ظل تداعيات الأزمة المالية العالمية، لاسيما في الولايات المتحدة الأميركية».

تويتر