توجّه لخفض الأقساط التي تزيد على 50٪ من الراتب

«المركـزي» يسـمح بـ «ضـم القـــروض».. ويمنح البنوك حرية تأجيل الأقساط

نظام القروض الجديد حدّ من منح تمويلات اعتماداً على رُخص تجارية وهمية. تصوير: باتريك كاستيلو

أقرّ المصرف المركزي عدداً من التعديلات على نظام القروض الشخصية، أخيراً، تضمنت السماح بتأجيل الأقساط الشهرية أكثر من مرة خلال العام، خصوصاً للمواطنين المقترضين قبل تطبيق النظام، فضلاً عن منح البنوك حرية تحديد عدد مرات التأجيل لأهمية ذلك اجتماعياً، خصوصاً في الأعياد والمواسم، بعد أن كان ذلك ممنوعاً.

وأضاف المصرف لـ«الإمارات اليوم» أنه سمح بضم القروض المتعددة من بنوك مختلفة في قرض واحد، وهو ما لم يكن مسموحاً به.

وأشار إلى أن هناك توجهاً لتخفيض نسبة الاستقطاع الشهري من الراتب لجميع قروض المواطنين، التي سبقت تطبيق النظام الجديد، والتي تزيد على نصف إجمالي راتب المقترض، إلى 50٪ أو أقل، بحسب ما تقرره لجنة معالجة قروض المواطنين.

ثقافة غائبة

قال الخبير المصرفي، يوسف حداد، إن «هناك ثقافة غائبة عن كثير من المقترضين تتعلق بكيفية إدارة أمورهم المالية، فالبنوك لم تجبر أحداً على الاقتراض بمبالغ تفوق قدرته على السداد»، لافتاً إلى أن «هذه المبالغ توجه إلى أغراض استهلاكية أحياناً أو للسفر أو شراء الكماليات».

وأضاف أنه «من الصعب على البنوك الهبوط بالأقساط الشهرية في القروض الكبيرة، لأن معنى ذلك مضاعفة الفوائد وزيادة مدة السداد إلى سنوات تصل إلى 25 عاماً بدلاً من 10 أو 15 عاماً المتفق عليها». وطالب بتدخل «المركزي» بإجراءات تساعد البنوك في حل هذه المشكلات، مُقراً بوجود تجاوزات من بعض البنوك، لكن ذلك لا ينفي مسؤولية المتعامل تجاه نفسه في المقام الأول، بحسب حداد.

وكان مواطنون حاصلون على قروض بنكية بموجب رخص تجارية وهمية، لغايات بناء سكن أو تدبير نفقات الزواج، بقيم تصل إلى 2.5 مليون درهم، أكدوا أنهم تضرروا بشدة من تطبيق المصرف المركزي نظام القروض الشخصية الجديد.

وأوضحوا لـ«الإمارات اليوم» أنه نظراً للمبالغ الكبيرة التي تستقطع من رواتبهم لسداد هذه القروض، والتي تصل إلى 80٪ من الراتب، فضلاً عن مدة السداد الطويلة التي تصل إلى 15 سنة، فإنهم كانوا يلجأون إلى سحب مبالغ على المكشوف، إضافة إلى تأجيل أقساط قروضهم ثلاث أو أربع مرات في السنة، لإدارة أمورهم المالية، لكن التعليمات الواردة في النظام الجديد أوقفت هاتين الطريقتين، ما تسبب في معاناة كبيرة لهم.

وأضافوا أنه على الرغم من وجود حسنات في نظام القروض الجديد، مثل ألا تزيد قيمة الأقساط البنكية على 50٪ من إجمالي راتب المقترض، إلا أن ذلك لم ينطبق عليهم نظراً لأن تعاقداتهم قديمة وتمت قبل صدور النظام.

وطالبوا المصرف المركزي بالتدخل لوضع حل لمعاناتهم، إما من خلال استثناء التعاقدات القديمة من جميع بنود النظام الجديد، أو تطبيق البند الخاص بخصم 50٪ من إجمالي راتب المقترض لسداد الالتزامات المصرفية.

من جهتهم، أقر مصرفيون بأن المسؤولية عن هذه الوضع القائم مشتركة بين البنوك، التي أغرت المتعاملين والتفّت على تعليمات «المركزي» بمنح قروض تجارية لغايات استهلاكية، وبين المتعاملين الذين استجابوا لإغراءات البنوك واقترضوا بما يزيد على حاجتهم.

وأشاروا إلى أن المقترضين بنظام الرخص التجارية الوهمية بدأوا يشعرون بوطأة الدين بعد تطبيق نظام القروض الجديد، الذي قنن السحب على المكشوف، وقلل فترة السماح بتأجيل الأقساط إلى مرتين في السنة.

٪80 من الراتب

وتفصيلاً، قال المواطن غانم عبدالله، إنه أخذ قرضاً بقيمة 2.3 مليون درهم من بنك في أبوظبي بموجب رخصة تجارية لم تستكمل إجراءاتها، موضحاً أنه أخذ المبلغ واشترى مسكناً وتزوج، لكنه الآن يعاني تراكم الديون، إذ أصبحت لديه أسرة وأبناء والتزامات كبيرة لا يغطيها المتبقي من راتبه البالغ 25 ألفاً، يستنزف القرض 80٪ منه شهرياً.

وتابع «لوقت طويل اعتدت سحب مبلغ مكشوف شهرياً لتغطية بقية التزاماتي شهرياً، وكذلك تأجيل الأقساط ثلاث أو أربع مرات سنوياً، إلا أن نظام القروض الجديد أوقف كل ذلك، ما جعلني أعاني ضائقة مالية كبيرة».

وأضاف أن «التعاقدات القديمة يفترض استثناؤها من جميع بنود النظام، وإلا فلماذا يستمر البنك في خصم 80٪ من راتبي قسطاً شهرياً ولا يطبق البند الخاص بخصم 50٪ من الراتب حداً أقصى للاستقطاعات المصرفية، في حين يلتزم ببقية البنود التي تحرم المتعامل من السحب على المكشوف أو تأجيل أقساط؟».

نشاط

بدوره، قال المواطن خليفة محمد، إنه واثنين من أصدقائه أخذوا قروضاً من بنك محلي بقيمة 2.5 مليون درهم لكل منهم.

وأوضح أنه «تم تحديد أقساط شهرية لسداد قرض كل منا بقيمة 75٪ من إجمالي الراتب»، لافتاً إلى أنه «بعد مرور عام بدأت المعاناة بسبب نسب الاستقطاع العالية، مع منع السحب على المكشوف في النظام الجديد».

وفي السياق ذاته، قالت المواطنة خولة سالم إنها «أخذت قرضاً بناء على رخصة تجارية وهمية بمبلغ 1.5 مليون درهم، على الرغم من أن راتبها يبلغ 17 ألف درهم».

وأضافت أنها «تسدد القرض منذ عام ،2009 ولا يتبقى لها من راتبها سوى 2500 درهم شهرياً»، مشيرة إلى أنها في سبيل إدارة أمورها المالية اعتمدت على التأجيل والسحب على المكشوف مدة طويلة، لكن منذ مطلع مايو الماضي ساءت أمورها المالية كثيراً.

وطالبت سالم المصرف المركزي بسرعة التدخل لإيجاد حل للمواطنين المتورطين في هذا النوع من القروض.

وبحسب المواطن (أبوحمد) فإنه أخذ قرضاً على رخصة تجارية بقيمة 1.2 مليون درهم في عام ،2008 يسددها من راتبه بواقع 15 ألف درهم شهرياً، موضحاً أن «المصرف المركزي لم يلتفت إلى أصحاب الديون القديمة عندما طبق نظام القروض الجديد، وطبق عليهم ما يطبق على المقترضين الجدد من دون دراسة أوضاعهم بشكل كاف»، مؤكداً أن نسب الفوائد عالية جداً، نظراً إلى أن البنك يتعامل مع القرض على أنه تجاري، على الرغم من علمه بأن الرخصة وهمية ولا وجود لأي نشاط تجاري حقيقي.

مسؤولية

من جانبه، قال الخبير المصرفي، مهند علي، إن «البنوك توقفت عن منح القروض بموجب رخصة تجارية تسدد من الراتب بعد نظام المصرف المركزي، الذي وضع سقفاً بـ20 ضعف الراتب للقرض الشخصي، يسدد على أربع سنوات»، لافتاً إلى أن «قروض الملايين لم تعد متاحة بسبب محدودية دخل المتعامل مقارنة بعدد السنوات المطلوب السداد فيها».

وأوضح أنه «بدءاً من عام 2005 بدأت البنوك توجه متعامليها إلى حجز اسم تجاري لدى البلدية خطوةً أولى لبدء نشاط تجاري يكلف 100 درهم فقط، وهو إجراء قانوني سليم يمكن بموجبه أخذ تمويل على أساس استكمال بقية الإجراءات».

وأكد أن «هذه الظاهرة تصدت لها دائرة التنمية الاقتصادية بالتعاون مع المصرف المركزي بعد أن انتشرت خلال العامين الماضيين، لكن استمر الإقراض على الرخص التجارية المسجلة لدى الدائرة الاقتصادية».

ونوه بأن «معظم المواطنين لديهم أكثر من رخصة تجارية حتى لو لم تكن مفعلة، لكن المهم أنه يتم تجديدها سنوياً».

وتابع علي أن «المقترضين بدأوا يشعرون بوطأة الدين بعد تطبيق النظام الجديد للقروض الشخصية الذي قنن السحب على المكشوف، بحيث يكون ضمن نسبة الاستقطاع المسموح بها شهرياً للالتزامات المصرفية البالغة 50٪ من إجمالي راتب المقترض، وكذلك تأجيل الأقساط لا يتجاوز مرتين في السنة، على أن يكون بينهما ستة أشهر».

وقال: «المتعاملون يتحملون جزءاً كبيراً من المشكلة نظراً إلى أنهم انساقوا وراء إغراءات البنوك التي هي بالأساس جهات تبحث عن الربح».

وأكد أن «البنوك أخطأت بإغراء المتعاملين للاقتراض، لكن المتعاملين أيضا ساعدوها في ذلك».

وأَضاف علي أن «الوضع شائك جداً بالنسبة للبنوك، ويتطلب تدخل المصرف المركزي بقرارات لمعالجته، خصوصاً أن فترات السداد تصل إلى 15 سنة، ونسب الخصم من الراتب كبيرة».

التفاف

وبحسب مصرفي، طلب عدم نشر اسمه، «فإن البنوك لجأت إلى الالتفاف على سياسات المصرف المركزي، التي وضعت سقفاً للقرض الشخصي يبلغ 250 ألف درهم، منذ ثمانينات القرن الماضي، ولم تشهد تحديثاً أو مواكبة للزيادات في الرواتب والأسعار في الوقت ذاته»، واستطرد «متوسط رواتب المواطنين أصبح يراوح بين 30 و50 ألف درهم منذ عام 2006 تقريباً، ولم تحدث تعديلات على سقف القرض الشخصي، لذا لجأت البنوك إلى حيلة الرخصة التجارية، فمنحت معظم المواطنين قروضاً تجارية لأغراض استهلاكية تُسدد أقساطها من الراتب».

وأقر بوجود تجاوزات من بعض البنوك التي ألحت على صغار الموظفين من المواطنين ليأخذوا قروضاً بملايين الدراهم بحجة استخدام جزء منها، ووضع البقية وديعة في أحد البنوك أو استثمارها في الأسهم».

وأشار إلى أن «نظام المصرف المركزي الجديد حد كثيراً من هذه الظاهرة عبر تحديد سقفاً قدره 20 ضعف الراتب، واستقطاعاً يقدر بـ50٪ من الراتب».

خفض الاستقطاعات

إلى ذلك، كشف نائب محافظ المصرف المركزي، سعيد عبدالله الحامز، أن هناك توجهاً لخفض نسبة الاستقطاع الشهري من الراتب لجميع القروض، التي سبقت تطبيق نظام القروض الجديد، والتي تخص المواطنين، إلى 50٪ أو أقل، وذلك بحسب ما تقرره لجنة معالجة قروض المواطنين، موضحاً أن دور المصرف في هذا الصدد هو جمع البيانات والمعلومات المتعلقة بالقروض وتزويد اللجنة بها، كونها المخول باتخاذ القرارات المناسبة.

وقال الحامز لـ«الإمارات اليوم» إن «(المركزي) أقر عدداً من التعديلات على نظام القروض الشخصية الجديد، بعد مراجعته من قبل مجلس الإدارة ثلاث مرات على فترات متباعدة».

موضحاً أن «بعض الإشكالات التي طرحتها البنوك تتعلق بآلية التطبيق من الناحيتين الفنية والشرعية، مثل السداد المبكر، إضافة إلى مطالبة البنوك بالسماح بتأجيل الأقساط الشهرية أكثر من مرة خلال العام، خصوصاً للمواطنين المقترضين قبل تطبيق النظام الجديد، نظراً إلى ارتفاع قيمة الأقساط التي يسددونها»، مشيراً إلى أن «المصرف منح البنوك حرية تحديد عدد مرات التأجيل لأهمية ذلك اجتماعياً، خصوصاً في الأعياد والمواسم، بعد أن كان ممنوعاً»، وأفاد بأن «(المركزي) سمح أيضاً بضم القروض المتعددة من بنوك مختلفة في قرض واحد، وهو ما لم يكن مسموحاً».

ونفى الحامز أن تكون هناك نية لتعديل البنود الخاصة بنسبة الحد الأقصى للاستقطاع البالغة 50٪ من الراتب الشهري، أو نسبة الـ20٪ التي تمثل الدفعة المقدمة على تمويل سيارة.

يشار إلى أنه جرى الإعلان عن نظام القروض الشخصية الجديد نهاية فبراير ،2011 ودخل حيز التنفيذ في الأول من مايو من العام نفسه.

تويتر